المعجم اليمني

أسي

أ س ي

تعريف-1: أَسَى يأْسِي: وجَدَ يَجِد، أو لقي يلقَى، أو صادَف يصادِف ونحو ذلك. وهي مادّةٌ لُغويّةٌ يمنيّةٌ خاصّةٌ وقديمة، وردت بعددٍ من صيغها في عددٍ من نصوصِ المسند بهذه الدّلالات نفسها، وبما هو شبيهٌ بها من دلالاتٍ لا تعْدو ما لمادّة (وَجَدَ) و(أوجد) من دلالاتٍ كثيرةٍ كما سياتي. وهي أيضاً مادّةٌ لُغويّةٌ مستعملةٌ في اللّهجاتِ اليمنيّة، وبخاصّةٍ في لهجات (إبّ) وما حولها من مناطقَ واسعةٍ يدخل أكثرها فيما كان يعرف باسم (أذوائيَّة الكَلاع) ويدخل بعضها فيما كان معروفاً باسم (أذوائية رُعين) وكلاهما في الصّميم من (حِمْيَر) ومن أكبر الأذوائيّاتِ اليمنيّة وأقدمها وأبعدها أثراً في تاريخ اليمنِ القديم من خلال مختلف مراحله. فأمّا في نقوش المسند فـ (أسى) جاءت بمعنى (وَجَدَ) تماماً في (جام / 578/ 26) حيث يقول مُدَوِّنُه (رِبّ شمس يزيد) عَنِ الملكين اللّذينِ يدين لهما بالولاء، وهما (إلي شرح يُحْضِب وأخوه يأزِل) أنّهما خاضا المعارك في أرض حِمْيَر حتّى وصلا إلى ضواحي مدينة (هَكِر) وأسَيا فيها« أي: ووجدا فيها كرب إل ذا ريدان فحاصراه …إلخ» وهي بالمعنى نفسه في (الأنشودة السّبئيّة ـ إريانيّ /80/ حيثُ يقول المنشد السّبئيّ مادحاً إلهه ومشيداً بعظمة معبده بعد نظم كلامه: لبيتِك الحرامِ لمْ يجدْ نظيراً من سألْ و«دَوْ أَسَيْكُ من مثلْ» فعبارة: دَوْ أسَيْكُ، تعني: ما وجدتُ. وكذلك « أَسَوْا لهم وَكْياً .. إلخ» في (جام /576/16)؛ أي: وجدوا لهم منفذاً .. إلخ. هذه نماذجُ ممّا جاء في النّقوش فصّلناها هنا، وهي مذكورة في المعجم السّبئي: ص 7. وأمّا في اللّهجاتِ المشار إليها فاستعمالها جارٍ يوميًّا، وصيغتا الفعلين الماضي والمضارع أكثر الصّيغ استعمالا، وبالأخصّ الأولى، فيقول المتكلّم: أَسَوْكُ وأَسَيْكُ؛ أي: أَسوتُ وأسيتُ بمعنى وجدت، ويقول في المخاطبة: أنت أَسَيْكَ؛ أي: أسيتَ بمعنى وجدت، ونحن أَسَيْنا، وأنتم: أَسَيتم. ومنَ الأمثال الشّائعة في هذه اللّهجات قولهم: «مَنْ جا أَسَيْناه ومن جِزِعْ نَسْيناه» وجزِع بمعنى ذهب؛ أي: من حضر بيننا وجدناه وعملنا له حسابا، ومن ذهب وغاب نسيناه وأغفلناه، وهو شبيهٌ بمثلٍ آخرَ يقول: « مَنْ غابْ جِسْمُهْ غابْ اسْمُهْ» ويروى (… غابْ قَسْمُهْ) أي: نصيبه. والأسِيَّةُ هي اللّقيّةُ، فيقال في العبارة المشهورة «لَقِيّة الله حَلال» « أَسِيَّة اللّه حلال» تقال لمن وجد شيئًا له قيمة، وأعلن عنه فلم يجد له صاحبا؛ أي: رزقٌ ساقه الله إليك. ومن أمثالهم « اقْلِبْ حَجَرْ تحتَ الحَجَرْ أَسِيَّة» ولعلّه للحثّ على العمل في الأرض وقلع حجاراتها وحملها أو تقليبها بعيداً لإعداد الأرض وتسويتها من أجل زرعها، والكنز أو اللّقيّة هو ما ستنتجه الأرض منَ الغلال والثّمار. والأسِيَّة بلهجتنا هذه هي اللّقِيُّ أو اللّقيّة, ممّا يُعثر عليه منَ الكنوز أو الأشياء النّفيسة. والمثل الشّائع « لِقِيْنا لَقِيِّة ومِطِرْنا زَوْمْ٭» يضرب فيمن يتبع كلامه الصّحيح بكلامٍ فاسدٍ فيفسده. وهو بهذه اللّهجة « أسَيْنا أَسِيَّة ومِطِرْنا زُوْمْ» وله قصّةٌ تقول: إنّ رجلاً وزوجته أَسَيا أسِيَّةً في صحن دارهما، ولم يطّلع على ذلك إلّا ابنٌ صغير أبلهٌ لهما، فخشيا أن يفشي السّرّ، ولذا عمدا إلى أن يجعلا في كلامه تخليطاً فأدخلاه الدّيمة ـ المطبخ ـ وأغلقا عليه الباب, وصعدا إلى السّطح وأخذتِ الأمّ تنثر الزَّوْم ـ إدامٌ منَ اللّبن المغلَّى ـ منَ المقاطِيْر؛ أي: الفتحات الّتي في سطح المطبخ والّتي تكون لخروج الدّخان, وفي أثناء نثرها لذلك الزّوم كان الأبُ يُحْدِث في الدُّبية ـ أكبر إناءٍ منَ القرع ـ صوتاً كزمجرة الرّعد، والابن في المطبخ يلعق ما يُنثر عليه، ثمّ نزلا إليه وقالا له: انظر إلى حكمة اللّه، فقد أمطرتنا السّماء اليوم زوما! فصدّق ذلك ثمّ أخذ فيما بعد يقول للنّاس: لقد أسَينا أسِيَّةً فيقولون له متى؟ فيقول في ذلك اليوم الّذي أمطرت فيه السّماء زوما، فيقولون: ما هذه إلّا هذيان طفلٍ ويتركونه. ويزيدون في المثل فيقال: «أَسَيْنا أسِيِّه ومِطِرْنا زَوْمْ، وِحَنَّ٭الرّاعِدْ منَ الدُّبْيِهْ». ويقال للأسِيّة الأسِّيّ، كما يقال للّقيّة: اللّقيّ، ولعلّ من ذلك تسمية جبل الأسِيّ إلى الشّرق بجنوبٍ من مدينة ذَمار, وقد ذكره الهمدانيّ في (صفة جزيرة العرب: 225) باسم أسِيّ؛ أي لقيّ، ونحن نقول اليوم الأسيّ، ولكنّنا نحذف همزته فنقول: اللّسِيّ عملاً بالقاعدة الّتي سبق شرحها في (أزب) وجبل الأسيّ جبلٌ أثريٌّ في أعلاه آثارٌ قديمةٌ باقيةٌ إلى اليوم, ولا يبعد أنّ النّاس قد أسوا فيه أَسِيَّةً ممّا خلّفه الأقدمون فأطلقوا عليه هذا الاسم.


المعجم اليمني في اللغة والتراث بواسطة: أرشيف اليمن twitter