المعجم اليمني

أنس

أ ن س

تعريف-1: أَنِس (بفتحٍ فكسر) وآنِس (بمدٍّ فكسر) وألهان ومُأَهْنِف: أربعة أسماءٍ لبلدٍ يمنيٍّ واسع , فهو مخلافٌ كبيرٌ يضمّ عدداً منَ المخاليف المهمّة.

فأمّا آنِس, بالمدّ وكسر النّون: فهو الاسم الّذي يعرفه النّاس اليوم لهذا البلد اليمنيّ المعروف بالخيرات، والآهل الآنس بالسّكّان , وهو اسمٌ لم يَشِع على ألسنة النّاس إلّا منذ القرن العاشر الهجريّ على أكبر تقدير , أمّا قبل ذلك فكان الاسم العامّ الشّائع هو ألهان, ويظهر معه أحياناً الاسم أنس، والاسم الأقدم مُهأْنِف. وآنِس ـ بالمدّ فالكسرـ مشتقٌّ من: أَنِس المكان بالسّكّان يأنس أنساً فهو آنسٌ بهم؛ أي كثر إنسه وناسه أو أناسه. والإنْس؛ بكسرٍ فسكون ـ في لغة اليمن القديمة كما سيأتي، هي: الإنسان، فلفظ إنسٍ منكّراً يرادف تماماً لفظ إنسانٍ في حالة التّنكير بالعربيّة. كانوا ـ كمثالٍ ـ إذا رأوا شخصاً قادماً قالوا: هذا إنسٌ قادم؛ أي: هذا إنسانٌ مجهولٌ قادم. وفي حالة التّعريف يقولون: إنسان؛ أي: الإنس الكلمة المعرّفة. المرادفة تماماً لكلمة: الإنسان في اللُّغة العربيّة. فيقولون مثلاً في الشّخص الّذي كان قادما: هذا إنسان الّذي رأيناه قادماً ؛ أي: هذا هو الإنس … إلخ . فالاسم: آنسٌ مشتقٌّ في الأصل من هذه المادّة اللُّغويّة (أ ن س) بدلالتها هذه على البشر أو بني آدم. وأمّا أَنِس، بفتحٍ فكسر فينطبق عليها منَ النّاحية اللُّغويّة الدّلالية ما سبق في آنس, وأمّا منَ النّاحية الاسميّة المكانيّة , فإنّ أوّل ظهورٍ لها كاسمٍ له علاقةٌ بهذا البلد اليمنيّ الواسع , كان عند الهمدانيّ في (صفة جزيرة العرب) ومؤلّفاته الأخرى. ورغم أنّ الاسم العامّ الشّائع لهذا البلد أو هذه البلاد عند الهمدانيّ كان (ألهان) إلّا أنّه أطلق الاسم: اَنِس على سفوح جبل (ضوران) وما فيه مِنَ القرى والبلدات, بينما تخصّص الاسم (ضوران) عنده كما يبدو على القسم العموديّ الأعلى للجبل , وهو ذلك القسم الشّامخ الّذي يُرى منَ الأماكن البعيدة , وكلمة (ظور أو ظوران بالظّاء المشالة) في اللُّغة اليمنيّة القديمة تعني: العمود، أيّ عمودٍ كأعمدة البيوت والمعابد, وكلّ ما كان مستطيلاً مخروطيًّا منَ الصّخور والجبال, ولعلّ أصل التّسمية منها وصحفت عكس تصحيف الاسم (ضهر) لـ(وادي ضهر) حيث صار اليوم ينطق ويكتب بـ (الظّاء المشالة) والأصل فيه (الضّاد الشَّجْرِيّة) فالاسم (أَنِس) ـ بدون مد ـ , كان يطلق عند الهمدانيّ على جزءٍ من بلاد (آنِس). وكلمة (إِنْسٍ، بكسرٍ فسكون) في اللّغة اليمنيّة القديمة: هي الاسم المفرد النّكرة للواحد من بني البشر، مثل كلمة (إِنْسانٍ) في اللّغة العربيّة. ويذكر اللُّغويّون أنّ الألف والنّون في كلمة إنسان زائدتان كزيادتهما في عطشان وغضبان ونحوهما , أو كزيادتهما في كلمة رحمان في اللُّغة اليمنيّة القديمة. أمّا كلمة (إنسان) في لغة النّصوص المُسنديّة , فهي كلمةٌ معرّفةٌ بالألف والنّون في آخرها فـ (إنسان) هي تماماً (الإنْس) وبهذا تظلّ كلمة (إِنْس) هي الاسم المنكّر للواحد منَ النّاس. وجمع (إِنْسٍ) في لغة النّقوش: (أُناسٌ) وذلك مثل جمع كلمة (إنسان) المنكّرة في اللُّغة العربيّة , وتجمع كلمة (إنسان) في العربيّة على (أَناسين) ولكنّها لغةٌ شاذّة.
والخلاصة هي أنّ مادّة (أ ن س) هي الأصل في الصّيغتين الاسميّتين للواحد المنكّر منَ النّاس وهما (إِنْسٌ) في اللُّغة العربيّة اليمنيّة القديمة, و(إنسان) في لغتنا العربيّة اليوم , إلّا أنّ كلمة (إِنْسٍ) ثلاثيّةٌ مجرّدةٌ مِنَ الزّيادات , وكلمة (إنسان) مزيدةٌ في رأي اللُّغويّين بالألف والنّون في آخرها. والصّيغ الّتي وردت في النّقوش من هذه المادّة هي: (إِنْس غير منوّنة) (إِنْسُمْ منوّنة بالتّمييم طبقاً للقاعدة المسنديّة) بمعنى (إنسان) واحدٍ في حالة الإفراد والتّنكير، وذلك كما في النّقوش (جلازر 509/22 ـ 23 / 1606/5/ 380) . وكذلك صيغة (إِنْس تساوي إنسان) للواحد المعرّف بالألف والنّون في آخره مثل (الإنس) بالعربيّة معرّفاً بالألف واللّام في أوّله , في حالة دلالته على المفرد منَ النّاس لا في حالة مجيئه اسما للجمع , وذلك كما في النّقوش(سي313/3 C) و(إرياني 5/11) ونحوهما. وكذلك صيغة (أُناسٍ) للجمع كما في (جام 629/7) و(جام 643/16) ونحوهما. ولا مجال للمقارنة بين مادّة (أ ن س) وصيَغِها من خلال ما وصل منها في النّقوش الّتي تمّ الحصول عليها حتّى اليوم , وبين هذه المادّة وتصريفاتهاالواسعة في معجمات اللّغة العربيّة. ولكنّ القضيّة اللُّغويّة الّتي تستحقّ أن يتوقّف عندها اللُّغويّون , هي صيغة (إنسان) المعرّفة بالألف والنّون في آخرها طبقاً لقاعدة التّعريف المطّردة في النّقوش, وصيغة (إنسان) المنكّرة في العربيّة , فإذا عرّفت قبل: (الإنسان), والسّؤال الّذي تثيره هذه القضية: هل دخلت كلمة (إنسان) إلى اللُّغة العربيّة معرّفةً طبقاً لقاعدة التّعريف المسنديّة, ولسببٍ ما عُدّت أداة تعريفها حرفين زائدين والأصل فيها (إِنْسٌ) أي (الإنس) معرّفا !؟ وبذلك تكون كلمة (إنْسان) إذا عرّفت بالألف واللّام معرّفةً مرتين؟ إنّ لهذه القضيّة أمثلةً مشابهة, حيثُ دخلت إلى اللُّغة العربيّة كلماتٌ منَ اللُّغة اليمنيّة القديمة بصيغتها الّتي كانت لها قديماً بحسب قواعد لغة النّقوش الصّرفيّة أو النّحويّة , فأصبح ما فيها من تصريفٍ أو حروفٍ زائدةٍ وكأنّه من أصل الكلمة، وذلك مثل (ماوان ـ الماء), و(حلقوم ـ حلق) و(حَبْزوم ـ حَيْز). وفي زمنٍ من تدوين هذه النّقوش, كان كبار (مهأنف) هم (بنوشوذب) المذكورون فيها, أمّا في (العصر السّبئيّ الثّاني) فقد أصبح كبارهم , هم (بنو مذمر)، ثمّ (بنو مذرح) الّذين تذكرهم نقوشٌ مسنديّةٌ أخرى, وطوال هذه المدّة كان (بنوشوذب, هم وبنو مذمرم) حاضرين في (مارب) كممثّلين لمقولتهم العريضة الطّويلة, ومشاركين أساسيّين في كيان الدّولة السّبئيّة , ولا عجبَ في ذلك فقد كان الكيان الّذي هم أقرب إلى الانتماء إليه، وهو الكيان الّذي عُرِف بـ(بني ذي ريدان) داخلاً في الكيان السّبئيّ منذ نشأته، ومؤسّساً لـ(دولة سبأ) منذ ظهورها. أمّا في عصر ظهور (بني ذي ريدان) ككيانٍ له سماته فقد كان كبار (مهأنف) معهم حتّى تمّ إنشاء (الائتلاف السّبئيّ الرّيدانيّ) الّذي ظهر عنه (العصر السّبئيّ الثّالث ـ عصر ملوك سبأ وذي ريدان) ـ عصر اللّقب الثّنائيّ ابتداءً من مطلع القرن الأوّل للميلاد، فلمّا حدث على السّاحة اليمنيّة بعض الأحداث الكبيرة في أوائل الرّبع الأخير منَ القرن الميلاديّ الأوّل، وأدّت إلى انحياز (عمدان بين يهقبض ـ آخر ملوك الائتلاف إلى (ظفار) وتأسيس ملك (بني ذي ريدان) هناك بلقب ملوك سبأ وذي ريدان، كما أدّت إلى ظهور الكيان (الكهلانيّ) أو (سبأ كهلان) وملوكهم المتنافسين بلقب (ملوك سبأ) أو باسم ملوك (سبأ وذي ريدان) كان كبار (مهأنف) وهم في هذه المرحلة (بنو ذي مذرح) مع ملوك (بني ذي ريدان) في (ظفار) ابتداءً من عهد (ياسر يهصدق الأوّل) الّذي حكم بعد (عمدان يهقبض) بزمن، وظلّوا كذلك إلى عهد (شَمَّر يُهَرْعِش الكبير) الّذي عاد في عهده (الائتلاف السّبئيّ الرّيدانيّ) إلى وحدته، بل عمّتِ الوحدة اليمنيّة سائر الكيانات في أرجاء اليمن كلّه. إنّ هذه السّيرة الّتي يجسدها هذا الكيان المسمّى (مهأنف) ثم (ألهان) ثم (آنس) والّتي تسنَّى التّعرف عليها من خلال بعض النّقوش المتاحة للدّارسين، وهي نقوشٌ ـ رغم قلّتها ـ تحتوي على كثيرٍ منَ التّفاصيل التّاريخيّة، فأتاحت للدّارسين أن يستنتجوا منها حقائقَ مهمّةً عن طبيعة (الكيان السّبئيّ) هذا الكيان الاجتماعيّ الحضاريّ الخلّاق، الّذي انبثقت عنه تلك الدّولة العظيمة القادرة من دول العالم القديم. إنّ تعرّف المراحل المبكّرة السّابقة للعصور التّاريخيّة غايةٌ يصبو إليها كلّ متخصّصٍ في مجال دراساتِ العالم القديم وحضاراته السّباقة والمبكّرة. تعريف-2: مُؤْنِس، هو: الاسم التّهاميّ للنّبتة الطّيّبة الّتي تعرف في اللّهجاتِ الأخرى باسم (الخَوْعة أو العِنْصِيْف ـ لعلّها الإنْصِيْف) أو الجِثْجاث، بكسر الجيم. وهذه النّبتة تصلح في كلّ مكانٍ من تهامةَ إلى قمّة جبل النّبيّ شعيب، وكلّما ارتفع المكان كان أصلحَ لها وأطيب، حتّى إنّها كانت تبلغ في بعض القمم العالية مبلغ الشّجيرات، الّتي لا يقتلعها إلّا النّفر منَ النّاس. وهي نبتةٌ طيّبةٌ الرّائحة، فاتحةٌ لشهيّة من يألفها، يستعملها النّاس تابلاً محسّناً لبعض أنواع الطّعام. وكانت تكثر جدًّا في كثيرٍ منَ المناطقِ حتّى إنّك كنت ترى الأراضي الزّراعيّة ـ كالجِرَب ونحوها ـ إذا هي لم تزرع وقد نمت في أرجائها هذه النّبتة، حتّى تبدو وكأنّها مزروعة. وقد أخذ وجودها في التّناقص، بل اختفت تماما من كثيرٍ من المناطق، وكانت حافلةً بها حتّى وصلتها طرق السّيّارات فألحّ عليها النّاس حتّى أفنوها. وهي في اليمن نوعان متشابهان تماماً من حيثُ الحجم، وشكلُ الورق، والزّهر ولونه الأصفر، ولكنّ أحدهما له تلك الرّائحة الطّيّبة، وليس للآخر منها شيء، ولعلّ الجَثجاث ـ بفتح الجيم ـ الّذي تصفه المعجمات وكتب النّبات هو النّوع الثّاني. ويرى بعض المهتمِّين بالنّباتات منَ اليمنيّين أنّ هذه النّبتة بأسمائها وصفاتها السّابقة هي البابونج الّذي تطوِّل كتبُ النّباتيين في وصفه وذكر منافعه الطّبّيّة.


المعجم اليمني في اللغة والتراث بواسطة: أرشيف اليمن twitter