المعجم اليمني

بتل

ب ت ل

تعريف-1: البِتْلة: حِراثة الأرض خدمةً لها قبل بذرها، ويقال: بَتَلَ المزارع الأرض يبْتلُها بِتْلةً وبَتْلةً واحدةً أو عدّةَ بَتَلاتٍ فهي مبْتُوْلَة. والبَتُوْل: العامل الزّراعيّ الأجير الّذي يعمل في حراثة الأرض وخدمة الثّيران عند الملّاك وكبار المزارعين ويطلق البَتُوْل على من يتولّى هذا العمل من أبناء المزارعين، وصغار الملّاك، أمّا كبار الملّاك فلا يكون البَتُوْل عندهم إلّا أجيرا، وجمع البَتُول: أبْتال. ومادّة(بَتَلَ) بشتّى صِيغِها تتردّد كثيراً في حياة المزارعين، وترِد كثيراً في مقولاتهم وحِكمِهم وأمثالهم وأغانيهم. ومن ذلك عددٌ من (أحكام) الحكيم اليمنيّ: عليّ بن زايد، الّتي تتداولها ألسنتهم كأحكامٍ زراعيّةٍ واجتماعيّة، ويغنّونها في أثناء عملهم، ويضربونها أمثالاً في شتّى شؤون الحياة، كقوله من (المجتثّ) شأن كلّ مقولاته الواردة في هذا الكتاب: يقول عَليْ وَلْد زايدْ بِتْلهْ عَلى ثوْرْ زاحِفْ وَلا تِجِدّايَ الاعْجَالْ والثّور الزّاحف: المسنّ الكالُّ والتّجدّاي: الاستجداء والمراد بالأعجال: الثّيران الفتيّة. ويضرب هذا القول مثلاً في: الاعتماد على النّفس، وعلى ما يملكه المرء ولو كان أقلّ ممّا عند الآخرين، وقد يقال في: الرّجل المسنّ يجد فيه المرءُ خيراً لا يجده عند الفتيان مِنَ الرّجال. يقولْ عليْ وَلْد زايدْ
مَا بِتْلهْ الّا من ادْبَعْ إذا ضرَبْ صَوتْ ماغَارْ وِنْ طَبَّلُوا ما تِبَرّعْ والأدْبعُ: الشّابّ القويّ الّذي لا يهتمّ بشيءٍ من شؤون الحياة غير عمله، فهو عندما يرتفع الصّريخ لجمعٍ أو غارةٍ ـ أي نَجْدَة ـ لا يُلبّي، وعندما تُقرع الطّبول لفرحٍ ورقصٍ وبَرَعٍ٭ لا يهتمّ بها كما يفعل الشّبّان. ومن أقواله أيضا: يقولْ عليْ وَلْد زايدْ ما بِتْلَه الّا من ازْوَعْ مَنْ عَلَفِهْ وسْطْ بيْتهْ والحبّ بَمِخْزانِه … ارْجَعْ والأزوَع: القويّ، والمراد أنّ الفلّاح القويّ مهمٌّ بما يملكه من ضروريّاتِ الحياة للمزارع، وأهمّها العَلَف، للمواشي والحبّ للقوت …وكلمة (ارْجَعْ) ليست داخلةً في سياق معنى البيت، بل هي موجّهةٌ إلى (ضِمْد٭) الثّيران الّتي يعمل خلفها، فكأنّه يغنّي بالبيتين وهو يشقّ الأرض، ويصل إلى نهاية (التِّلْم)، فيحثّ الضّمْد للعودة على بدءٍ بقوله: ارجع، ويقولون عادةً ارجع أبي ارجع. وممّا جاءت فيه صيغة المضارع من بَتَل قوله: ذيْ ما يغَرّدْ ويِبتِلْ لا بَخْت لهْ في الزّراعهْ ويغرّد: من (المَغْرَد): وهو ضربٌ مِنَ الغناء المطوّل، ومنها ما يُغنّى في أثناء العمل، والغناء في أثناء العمل يرمز إلى حبِّ العمل الزّراعيّ والحماس له . ومن أحكام ابن زايد: يِقولْ عليْ وَلْد زايِدْ يا لَيْتْ ليْ قَلْبْ ساليْ وابْتِلْ على الثّوْر الابْيَضْ وَلا عَلَيَّ وَلا ليْ ولم يكونوا يبتلون أو يحرثون إلّا على ـ ضِمْد ـ اثنين مِنَ الثّيران، ولكنّه ذكر الثّور الأبيض هنا لحبّه له. وللبَتول ـ الحارث ـ ولجمعه الابْتَال ذكرٌ كثيرٌ في المقولاتِ الشّعبيّة وأحكام ابن زايد، فمن ذلك قوله: يِقولْ عليْ وَلْد زايدْ نخْسَ٭البَتُولْ يِنْفَعَ الثَّوْرْ والنَّخْس: النَّفَسُ، والمراد النّفس الطّيّب. ونخْسُ الإنسان أو نَفَسُهُ يكون في المعتقداتِ الشّعبيّة إمّا طيِّباً ينجُم عنه الخير وإمّا رديئًا كالعين الخبيثة يصيب بالشّر؛ انظر (ن خ س). والبَتُوْل المحبّ لثوره، يكون نَخْسُه طيّبا، فيخدمه ويطعمه بحبّ، وذلك يجعل الخدمة مفيدة، والطّعام ناجعا. وعلى العكس من هذه المقولة قول ابن زايد أيضاً: سُمّ الغَنَمْ راعيَ الوَيْلْ والثَّوْرْ سُمِّهْ بَتوْلِهْ فالرّاعي والبتول هنا من ذوي النّخْس الخبيث. ومن أحكام ابن زايد قوله: خُبْرَ البَقَرْ تَحْتَ الاهْجاجْ ما خُبْرها بالحَوِيّةْ والأهْجاج: جمع هجّ: النِّيْر، والحَوِيَّة: الباحة المسيّجة حول البيت أو بإزائه, وبعضهم يضيف إلى هذه المقولة شطراً ثالثا: وَابْتالها في (عَباصِرْ) أي إنّ مخبر الأبْتال يظهر في الأرض الصّلبة القاسية، مثل أراضي قرية عَباصِر، وهي من قُرَى عنْس. ومن أحكام عليّ بن زايد الزراعيّة: يا تِلْمَةَ ٭الظِّلم ٭الأوّل يا مِحْرِشِهْ بينَ الابْتالْ والظّلم الأوّل، هو آخر نجوم الصّيف، بحساب المزارعين اليمنيّين، وفيه تبذر غلّة الصِّرْبيّ ٭أو العلّانيّ٭، وهو موسمٌ قصيرٌ للبذر، ولذا يتسابق فيه المزارعون وهم المراد بالأبتال هنا وتنشب بينهم المنافسات والمشاجرات. ومن طرائف المزارعين، أنّهم يؤلّفون لغناء بعض الطّيور كلماتٍ على وزن ألحانها ويحاكون بها أصواتها، وبها يعبّرون عن بعض آمالهم، أو مطالبهم، أو فرحهم بهذا الموسم أو ذاك. فهم ينسبون إلى (الأُباج) أو (الهُجاف) ـ وهو أكبر طيرٍ مِنَ اليمام دون الحمام ـ أنّه في الجبال حيثُ تزرع الحبوب يقول في غنائه: قرُوْ، قُوْقُوْ، قُقُوْهْ قُلُوا لا مِّي قـَبُوْلْ يافَرْحَةْ البَتُوْلْ قدَ الوَادِيْ سَبُوْلْ قرُوْ، قُوْقُوْ، قُقُوهْ والسَّبُوْل: السّنابل: والبَتُوْل:المُزارع بصفةٍ عامّة. أمّا هُجاف الوادي حيث يُزرع البُنُّ، ولا يأخذ الشّريك إلّا الرّبع، فهو عندهم يقول في غنائه: قرُوقُو ْقُوْ قُقُوهْ شَريْكَ البنّ زِيْدُوْهْ زِيْدُوْهْ ثمّ زِيْدُوْهْ قرو … إلخ ومن مقولاتِ المزارعين عَنِ الذّرة الرّفيعة وبعض أحوالها: إذا كُيِّمتْ وظُلِّمَتْ وَمِنْ جَوارِح الثَّوْر سلمتْ فابْتالها غَنِمَتْ ومن أحكام ابن زايد ويضرب كمثلٍ لكلّ من أُوكِل إليه عملٌ فأهمله: يا ضيْعَتِشْ يالحَرورَةْ مِنْ حِيْنْ بَتوْلِشْ (حُمادي) والحرورة: اسم جِرْبة، وحُمادي يطلق على من اسمه أحمد, وفي الأمثال: (الضّمد القويّ يشا بتول)؛ أي إنّه لا خيرَ في الثّيران القويّة إذا لم يعمل عليها بتولٌ ـ حارثٌ ـ قويّ. وترمز مادّة (بَتَلَ) إلى العمل الجنسيّ، وفي الحكاياتِ الشّعبيّة البسيطة يحكون أنّ أحدهم واعد أحداهنّ إلى منتصف اللّيل، وأعطاها ريالا، وطبعت له وجْهَها على الوفاء، ولكنّها لم تحضر في موعدها، وفي الصّباح حين ينتشر النّاس، خرج لبعض شأنه، وخرجت هي أيضا، ورآها فغنّى من بعيدٍ وكأنّه لا يعني أحداً (من الرجز): خَرَجْتْ نصَّ اللَّيلْ وِما حَّدَ انْتِي أيْنَ الرّيالْ والوجهْ ذِيْ طَبَعْتيْ وطبع الوجه: أن يخطّ المتعهّد بإصبعه على صفحة وجهه من جانب الجبهة إلى الذّقن قائلا: وجهي وعهد اللّه أن أفعل، وهو أقصى درجاتِ الالتزام. فأجابته معرّضةً بعذرها، وكأنّها تتحدّث عَنِ الأرض والمطر وحِراثة الأرض حيثُ قالت: صَبَّ المَطرْ باللّيل وَاخْلَبَ٭الأرضْ خلّ الجِرَبْ تِنْطعْ ٭وِنِبْتِلِهْ عَرْضْ أي إنّ عادتها الشّهريّة حلّت بها ليلاً. والفلّاح اليمنيّ يَبْتِل الأرض عدّة بَتَلات خدمةً لها وتقليباً لتربتها قبل أن يبذرها ثانية وأهمّها: 1 ـ الشَّصْرُ٭: بِتْلَة الأرض عقب حصاد ما كان عليها من زرع، وهي أشقّها؛ لأنّ الأرض تكون صلبةً قاسية. 2 ـ العِرّاض ـ التّعريض ـ: أن يَبْتِل الأرض أتلاماً بالعَرض مع شيءٍ من الميل. 3 ـ الرِّواس ـ التَّرْوِيْس ـ: حراثتها رأسيًّا أو بالطّول، مع شيءٍ مِنَ الميل. 4 ـ الزَّبَر ـ التَّزْبِيْر ـ: البَتْلَة الأخيرة وتكون في الاتجاه الّذي ينوي البَتُول أو المُزارع أن يبذرها فيه، وتكون أتْلام الزَّبَر متباعدةً قليلا، والتّراب الّذي بين كلّ تلمين وهو الزَّبَر أيضاً يكون سميكا. وكان للْبَتُوْلِ في المجتمع الزّراعيّ اليمنيّ وضعٌ خاصٌّ في أسفل السّلّم الاجتماعيّ، وكان الأبتال يؤلّفون فئةً اجتماعيّةً لها خصائصُها، وتمثّل الأُجَراء الزّراعيّين خير تمثيل. وكان عددهم لا بأس به في مثل ذلك المجتمع، وأهمّ شيءٍ أنّ وحدة الظّروف الشّاقّة الّتي كانوا يعملون فيها أوجدت لهم شيئًا من وحدة الكيان، ولا أدلّ على ذلك من أنّ ضرباً مِنَ الأدب الشّعبيّ وخاصّةً في مجال القصّة الشّعبيّة (الحدّوته) قد نشأ معبّراً عن واقع هذه الفئة وعن آمالها، فهناك حكاياتُ البَتُول الّذي تعشقه ابنة المالك فتهرب معه، أو ينتهي الأمر إلى الزّواج وهناك حكايات هذا البَتُول أو ذاك ممّن يعثرون على الكنوز القديمة في أثناء عملهم حيث تصطدم حديدة المحراث بشيءٍ تحت الأرض وتتوقّف الثّيران، ويحفر فيجدُ الكنز الّذي يُغنيه ويزوّجه بمن يحبّ.. ألخ. والبَتّال: العجل الّذي وصل إلى سنّ العمل ودُرّبَ عليه، ويقال هذا لابن المزارع حين يبلغ القدرة على هذا العمل. والبَيْتَلة: إجادة هذا العمل والوصول به إلى مستوى الصّنعة ذاتِ المهارات، يقال: بَيْتَلةٌ مثل هذه البَيْتَلة وإلّا فلا, والمَبْتُولة: الأرض المحروثة. وفي اللّهجات البدويّة يصفون الأكفّاء القادرين على أيّ أمرٍ بأنّهم (أبْتال) هذا الأمر حتّى الحرب يقولون عن القادرين عليها هم أبْتالها. قال شاعرهم في زاملٍ له (سريع): حيّا الله اللّيْلِهْ بِلَمَّتْكُمْ يا ابْتالها لامْسَتْ لها لَجَّهْ أي: يا أبتال الحرب، وحينما تأتي عبارة (أبْتالْ سود النُّخَر) في شعر شاعرٍ من منطقةٍ فلاحيّةٍ فالمراد بـ (سود النُّخَر) الثّيران، ولكنّ هذه العبارة تعني البنادق في شعر شاعرٍ بدويٍّ ينظم شعره بروحٍ ولهجةٍ بدويّةٍ مثل قول صالح أحمد الحارثيّ في مدح قوم: ابْتالْ سُوْدُ النَّخَر فلا قَدَ الدَّمِّ سَايِلْ فخَصْمُهم يِخْضِعُوْهْ وهذا التّأثير الفلاحيّ البسيط على التّعبير البدويّ ممّا يدعو إلى التّأمّل؛ لأنّ تأثير اللّغة البدويّة والفكر البدويّ والطّبيعة البدويّة على المجتمعاتِ العربيّة الحضريّة أكثر من أن تحصر، وذلك منذ عصر ما قُبيل الإسلام وبعده، وتراجع في الفرق الدّلاليّ للكلمة الواحدة في المجتمع الحضريّ والمجتمع البدويّ ما سبق في مادّة (أ ب ب).


المعجم اليمني في اللغة والتراث بواسطة: أرشيف اليمن twitter