المعجم اليمني

بحض

ب ح ض

تعريف-1: بَحَضَ: في لغة اليمن القديمة جذرٌ لُغويٌّ متصرّف، له دلالاتُه، ووردت صِيَغُه الرّئيسيّة في عددٍ من نصوص المسند. وله ذكرٌ واستعمالٌ عند الحسن بن أحمدَ الهمدانيّ. ولا يزال له استعمالٌ في اللّهجاتِ اليمنيّة وإن كان قد انحصر حتّى اقتصر على صيغةٍ من صيغ النّسبة. ولكنّه مهملٌ إهمالاً تامًّا في المعجمات العربيّة وكتب التّراث، فلم يرد من جذره (ب ح ض) شيءٌ من كلام العرب. فأمّا في لغة النّقوش فإنّ بَحَضَ يَبْحَضُ بَحْضَة، تعني: الهجوم العنيف والسّريع وشنّ الغاراتِ الواسعة، وكذلك المباغتة في الحرب، وفي الدّخول المفاجئ والاقتحام للمكان، وذلك كما في النّقشين (جام:576 و 578) وغيرهما، وكما في (المعجم السّبئيّ: 27) رغم قصوره في ذكر جميع الصّيغ المشتقّة من الجذر (بَحَضَ) وهي صيغٌ متعدّدةٌ ذكرت في سبعة مواضعَ منَ النّصّين المذكورين وحدهما. هذا ومَبْحض أو مبْحُوض في النّقوش المسنديّة أيضاً جاءت اسم علمٍ لرجلٍ له أهمّيّتُه في تاريخ اليمن القديم، لأنّ وضْع التّاريخ بالسّنين المسلسلة تسلسلاً حسابـيًّا بمنطوق العدد منَ الآحاد إلى العشرات فالمئات منسوبٌ إليه، وكأنّه هو الّذي وضعه ليحلّ محلّ التّاريخ الأقدم بأسماء الأشخاص وسِني تولّيهم لمنصبٍ ما، هو الكهانة على الأرجح، وهو تاريخٌ سنويّ متتابع في تسلسلٍ زمنيٍّ مستمرٍّ ومحدّد. والأبحوض اسم عائلةٍ أو عشيرة، وهو بصيغة الجمع اليمنيّة الخاصّة الّتي تأتي على وزن (أفْعُول) عند ذكر الجماعة منَ النّاس منسوبين إلى أبٍ مؤسِّس، يعقتدون أنّهم ينتمون إليه، أو منسوبين إلى البلاد الّتي يقيمون فيها، أو إلى صفةٍ منَ الصّفاتِ الاجتماعيّة، وهي صيغة جمعٍ مفردةٍ في النّقوش، وكثيرةُ الورود في مؤلّفاتِ الهمدانيّ، ومذكورةٌ عند نشوان بن سعيد، ولا تزال جاريةً على ألسنة النّاس، ولعلّه منَ المصادفة أنّ (الأبحوض) هم الأسرة أو العشيرة الّتي ينتمي إليها صاحب الاسم (مبحض) أو (مَبْحُوض) المذكورُ نفسه، ولهذا يأتي في نهاية النّقوش المؤرّخة بالسّنين المدوّنة بمنطوق الأرقام العدديّة المسلسلة قولهم: «وكان هذا في شهر (ذي الصّراب ـ مثلا ـ)من سنة عشرين ومئتين من سِني مَبْحَض أومَبْحُوض الأبْحُوْضِيّ (مبحض بن أبحوض». وأمّا عند أبي محمّدٍ الهمدانيّ في (الإكليل: 2/67) فالقَيْل (ذو باحِض) هو واحدٌ من أولاد (الصّوّار، عبد شمس بن وائل) وعاد إلى ذكره في:(397) من المرجع نفسه عند الحديث عمّن غلبت عليه الأذوائيّة من الحِمْيَريّين، أي لقب (ذو كذا)، فذكر منهم (ذا باحِض)، وهي تعني: (صاحب باحِض)؛ أي: القيل أو كبير الأقيال المقيم في مقرّ عزِّهِ (باحض)، وهذا يعني أنّ (باحض) اسم مكان، وكلّ مَن تولّى الزّعامة فيه فهو (ذو باحِض) مثل (ذي غَيمْان) و(ذي رَيْدان) ونحو ذلك، ولكنّ الهمدانيّ اتبع اسم المكان بإعطائه دلالةً لُغويّةً فقال: «وباحِض معناه: مُحتفرُ الغِيُوْل» وعلّق القاضي محمّد بن الأكوع قائلاً في الحاشية: «البَحْضُ، بمعنى: الحَفْر لغةٌ يمانيةٌ فصحى، مستعملةٌ إلى هذه الغاية، ولم أجدْها في معجمات اللّغة»، وكذلك لم نجدها لا في المعجمات ولا في غيرها من كتب التّراث المرحليّة، لأنّ جذرها (ب ح ض) مهمل أصلا.. وأمّا في اللّهجات اليمنيّة اليوم، فلم يبقَ من مادّة (ب ح ض) إلاّ صيغةُ النّسْبَةِ(باحِضيّ) الّتي يوصفُ بها ضربٌ منَ القضْب ـ البِرسِيم ـ الّذي يصلح في الأرض العَقَر ـ البعل ـ مكتفياً بالسّقي المطريّ دون ريٍّ بمياه الغيول أو الآبار، فيقال: هذا قضْبٌ باحِضيٌّ يتحمّل العطش ويكتفي بماء المطر، ومنَ الأرجح أنّ النّسبة هنا هي إلى منطقةٍ أو بلادٍ اشتهرت بزراعة القضب على هذا النّحو فنُسبَ إليها، وإن كان جائزاً أن يكون منسوباً إلى أسرةٍ أو عشيرةٍ تسمّى (بني باحِض) على لغةِ من لا يستعمل صيغة (أفعول) في نسبة الجماعاتِ منَ النّاس. ممّا تقدّم يمكن الاستنتاجُ بأنّ مادّة (بَحَضَ) كانت منَ المشترك الّذي تدلُّ على معنيين فأكثر، وقد جاءت دلالتها على الهجوم والإغارة والاقتحام والمباغتة صريحةً وواضحةً في النّقوش المسنديّة، كما يستلهم المتأمّل اللُّغويّ منَ الاسم (مَبْحُوض) ومن اسم الجمع(الأبْحُوض)وصلة رجُلِهِم المسمّى بصيغةٍ منَ المادّة اللّغويّة نفسها، بالتّاريخ المتسلسل الدّائم زمنيًّا والمحدّد تحديداً عدديًّا متصاعداً، وهو أمرٌ يهتدي إليه من يَنهَمِك في العمل الزّراعيّ، بما فيه منَ الاعتماد على السّقي المطريّ في مواسمِ المطر، وعلى الرّيّ بالمياه الجارية والمستنبطة، بجرّ الغيول وحفر الآبار واستثمارها في مواقيتَ محدّدةٍ للرّيّ.
كلّ ذلك مرتبطٌ بالزّمن كارتباط التّاريخ وأحداثه ووقائعه وأعمال الإنسان الهامّة بالزّمن أيضاً من حيثُ كينونتُها ومن حيثُ تدوينُها كتابةً لتبقى للأجيال من خلال الزّمن، وهذا كلّه يقارب بين الدّلالاتِ الّتي جاءت لمادّة (بحض)في النّقوش، وعند الهمدانيّ، وحتّى في دلالة صيغة النّسبة الباقية في اللّهجاتِ المحكيّة، كما يستنتج المتأمّل من صيغها الّتي تمّ ورودها حتّى الآن، أنّها مادةٌ كاملةُ التّصريف، متعدّدةُ الدّلالات. ومن ثَمّ فإنّ السّؤال الّذي يتبادر إلى الأذهان، هو: لماذا لم يأتِ من أحرف (ب ح ض) شيءٌ في اللّغة العربيّة أصلا، ومن ثَمّ في جميع معجماتها المرجعيّة وقواميسها العامّة والمتخصّصة؟! وهذه الحروف ليست ممّا يستحيل أو يصعب التقاؤها في كلمةٍ مفردةٍ منَ اللّغة العربيّة مع مشتقّاتها، كما أنّها ليست من متقارِب المخارج أو متنافرِها؟؟!


المعجم اليمني في اللغة والتراث بواسطة: أرشيف اليمن twitter