المعجم اليمني

تلم

ت ل م

تعريف-1: التِّلْم: لم يأتِ في المعجمات العربيّة من مادّة (ت ل م) في دلالتها الزّراعيّة إلّا الصّيغةُ الّتي تطلق اسماً على خطّ الحرّاث بالمحراث في الأرض. وهي في المعجمات بصيغتين، أولاهما: التَّلَم ـ بفتحتين ـ وجمعها: أتلام. وثانيتهما التِّلام ـ بكسر التّاء ـ وجمعها: تُلُم. أمّا في لهجاتنا فهي: التّلْم ـ بكسرٍ فسكون ـ وجمعها: أتلام. ولم ترد هذه الصّيغة الّتي هي بكسر التّاء وسكون اللّام، في أيّ معجمٍ عربيّ، اللّهم إلّا عند نشوانَ بن سعيدٍ في كتابه شمس العلوم، حيث أوردها محروسةً بالوزن الفعليّ (فِعْل) المعلوم بسياق الكتاب، وبالضّبط اللّفظيّ، أي بعبارة (بكسر الفاء وسكون اللّام)ثمّ بالضّبط التّشكيليّ، وذلك حيث يقول: (فِعْل ـ بكسر الفاء وسكون العين): التِّلْم: واحد الأتلام، وهي الشّقوق الّتي يشقّها الحرّاث للزّرع. وهذا بالضّبط أيضاً هو ما على ألسنتنا حتّى اليوم، وهي دائرةٌ على الدّوام في السّنة النّاس بخاصّةٍ الفلّاحين في حياتهم الزّراعيّة، ومن أحكام عليّ بن زايد: يِقُولْ عَلِيْ وَلْدِ زايدْ مَا هالنيْ مِثْل (حَيْكانْ) التِّلْم يِمْلِيْ غِرارَهْ والمَسْبَلِيْ يِشْبِعِ انْسَانْ وحَيْكان اسم وادٍ خصيبٍ في الحدأ، ويملي هي: يملأ، والغرارة: أكبر جوالق المزارعين المصنوعة من الغزل: والمسبلي: سنبلة الذّرة خاصّة. ومنَ الأمثال قولهم: (شِيْ بالتِّلْمْ وِشِيْ بالزَّبَرْ) والزَّبَر هو: العَنَفَة، وهي الخطّ البارز من التّراب بين تِلْمَيْن، وأصل المثل في الباذر غير المتقِن لعمله، فهو يرمي شيئًا من الحبّ في قعر التِّلْم حيث يلزم، وشيئًا يَنفُّه على الزّبَر حيث لا يلزم، ويُضرب المثل في كلّ من لا يتقِن عمله على هذا النّحو من الخطأ، أو في كلّ من يتكلّم فيخلط الخطأ بالصّواب، ومن الأمثال قولهم: (تِلْم في جِرْبهْ٭ وَلا سَبْعَةَ اقْسامْ)، والمراد به أنّ القليل من الجيّد خيرٌ ممّا يبدو أكثر وهو أقلّ خيرا. وممّا سبق نجد أنّ المعجمات لم تصنع شيئاً، ولم تأت فيها إلّا صيغتان اسميّتان ليس لهما استعمال في اللّهجات اليمنيّة، ولم يأت بالصّيغة الاسميّة صحيحة إلّا معجميّ يمنيّ. أمّا في لهجاتنا، فإنّ مادّة (ت ل م) مصرَّفةٌ تصريفاً كاملا، كما أنّها مصروفةٌ عن معناها الأصليّ الّذي هو شَقُّ المُزارع للأرض بالمحراث إلى معنى شقّ الأرض بالمحراث وبذرها في وقتٍ واحد، بل إنّ المعنى الأوضح لكلمة تَلَمَ هو: بَذَرَ، حتّى حينما يبذر الإنسان بعض الرّياحين مثلاً بيده، فإنّه يقال فيه: تَلَمَ. أمّا شقُّ الأرض وحراثتها لخدمتها فقد حلّت مادّة (ب ت ل ـ وقد سبقت) و(ش غ ب ـ وستأتي) محلّ مادّة (ت ل م)، ولهذا فإنّه يقال في حرث الأرض وبذرها في الوقت نفسه، أو على الأصحّ يقال في البذر عند مواسمِ البذار: تَلَمَ المزارع أرضه يَتْلِمها تَلْماً وتَلْمَةً وتِلاماً فهو تالِمٌ لها وهي مَتْلُوْمَة، وذلك في مَتْلَمِ كذا أو كذا من أنواع الحبوب، أو من مواسم التِّلام. وجميع هذه الصّيغ دائرةٌ على ألسنة النّاس وخاصّةً المزارعين في حياتهم الدّائمة. ولبعض هذه الصّيغ ذكرٌ في المقولات الشّعبيّة، فمن صيغة الماضي جاء حكمٌ من أحكام ابن زايدٍ يقول في حكمةٍ وشهامة: يا مَنْ تَلَمْ بِرّ جا بِرّ وِمَنْ تَلَمْ حَنْذَرَهْ جاتْ وانا تَلَمْت المرُوَّهْ إنْ جاتْ وإلّا فلا جاتْ والحَنْذرة: ضربٌ منَ الزّؤان الضّارّ بأكله إذا اختلط بالحبّ، والمعنى: إنّ مَن بذر بُرًّا جاءه في الحصاد بُرّ، ومن بذر الزّؤان جاءه الزّؤان . وهو مثل قوله تعالى:ﭽﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﭼ [ الزّلزلة]. ومثل عبارة: يحصد الإنسان ما يزرع، وما أجمل قوله: (وانا تلمت المروَّة) … إلخ. ومنَ الأمثال قولهم: (مَنْ تَلَم الحِيْلهْ صَرَبَ الفَقْر) وهو مثل قولهم: (مَنْ يَزْرَع الرّيح يحصد العاصِفة) أو أنَّ من تعامل مع النّاس أو مع سنن الحياة بالمكرلم ينل إلّا الشّرّ والضّرر. ومنَ الأمثال أيضا قولهم: (مجنون تَلَمْ بالجُبا٭. قالْ: مَجنونْ مَنْ ضَاواهْ٭) والجُبا هو: سطح المنزل، والمعنى: أنّ المجنون الحقيقيّ هو من سايره في عمله، ويضرب في كلّ حالةٍ مشابهة. ومنَ الأمثال الّتي تنْهى عن التّعلّق بالأماني والأحلام، قولهم: (لو تَلَمْنا لَوْ، في وادي عَسَى، صَرَبْنا لَيْتْ). ومن أحكام ابن زايدٍ أيضا: يا مَنْ بَزَى وَلْدِ غَيرِهْ يِسِيْرْ وِدَمْعهْ هَمُوْلا وِمَنْ تَلَمْ مال غَيرهْ يِخْرُجْ وِزَرْعهْ سَبُوْلا وبزى بمعنى: ربَّى، والسّبول، جمع: سَبُوْلة، وهي: سنبلة الذّرة. ومنَ الأمثال قولهم: (مَنْ خافَ العصافيرْ ما تَلَمْ الحب) ويروى: (لَوْ خُفْنا … ما تَلَمْنا …). ولا شكّ أنّ صيغةَ المضارع جاءت في عددٍ من المقولات الشّعبيّة، ولكنّه لا يحضرني منها الآن شيء، وأمّا صيغة الأمر فجاءت في حكمٍ زراعيٍّ من أحكام ابن زايدٍ يقول: يِقُوْلْ عَلِيْ وَلْدِ زايِدْ إذا اليَهُوْدي تِحَنَّى في يَوْمِ عِيْدَ الخُضَيْرَى فِاتْلِمْ وَلا عَادْ تَأنَّى وعيد الخُضيرى هو عيد الفِصح عند اليهود، ويصادف وقوعه في شهر نيسانَ الزّراعيّ، وهو من أهم مواسم البذر عند المزارعين اليمنيّين، فابن زايدٍ ينصح من غُمَّ عليه حسابُ الشّهور الزّراعيّة أن يأخذ بهذه العلامة وهي احتفال اليهود بعيد الخضيرى قرينةً على حلول شهر نيسانَ موسمِ أهمّ البذار. أمّا الصّيغة المصدريّة والاسميّة فهي التِّلام نقول: تَلَم الفلّاح أرضه يَتْلمُها تِلاماً، وقليلاً ما نستعمل تَلْماً الّتي ذكرها نشوان، وصيغة التّلام المصدريّة الاسميّة ترِد في عددٍ من المقولاتِ الشّعبيّة، مثل قول ابن زايد: مَا يِجْبِرَ الفَقْرْ صَرْبَهْ ولا تِلامَ المحامي أي إنّه لا يردّ غائلة الفقر إلّا عملٌ مضنٍ وليس محض العمل لحصدةٍ واحدة، ولا بذر الأراضي المحدودة الّتي تكون حول المزارع لحمايتها. وجاءت في مثل يقول: (ثَوْرَ البَلا يِحَفِّيْ بالتِّلامْ)؛ أي يصاب بمرضٍ في أظلافه في وقت الحاجة الشّديدة له، ويضرب في كلّ حالةٍ مماثلة. ومن ظريف ما يُغَنَّى في العفويّ قول أحدهم (من مجزوء البسيط) ـ (انظر الاستطراد على مادّة (ج ب أ)ـ: يَا لَيْتِ مَنْ ماتْ مَوْتَ (اليُبْـيُبِيْ) مِنْ عامِ لا عامْ وِيِظْهَرْ في التِّلامْ واليُبْيُبُ واليُبْيُبي، هو: الاسم العامّيّ للهدهد حكايةً لصوته. وسمعت أكثر من فلّاحٍ يؤكّد من مشاهداته أنّ الهدهد في فصل الشّتاء يلزم وكرَه في ثقبٍ منَ الثّقوب ويبدو ميْتاً تماماً ناصلَ الرّيش منتنَ الرّائحة، حتّى إذا ما حلّ موسم الرّبيع ودفئه وحان موسم التّلام شُوهد وهو يطير حول المكان بريشٍ زاهٍ وحيويّةٍ ظاهرة، فإذا أنت رأيته وعُدت إلى ذلك الثّقب الّذي كان فيه في أثناء الشّتاء لم تجد له أثرا، ممّا يدلّ على أنّ هذا الهدهد المتنقّل بنشاطٍ ليس سوى ذلك الّذي شاهدتَه من قبلُ جثّةً لا حراكَ بها. وهذا يعني ـ إذا نحن صدّقنا هذه الرّوايات ـ أنّ الهدهد طيرٌ من ذوات الدّم البارد، وأنّه يدخل مع بداية الشّتاء في ما يسمّى بالبيات الشّتويّ كغيره من ذوات الدّم البارد. والّذي عرفته من بعض المختصّين أنّ الهدهد من ذوات الدّم الحارّ، ولكنّ الرّوايات الّتي يؤكّدها مزارعون بالملاحظة العمليّة على الطّبيعة تحتاج إلى تفسير، فهل هذه فصيلةٌ من جنس الهدهد تتّصف بهذه الصّفة؟! انظر مادّة (ي ب ب) . واسم المرّة من تَلَم يَتْلِم، هي تَلْمَة، وهي تفيد المرّة الواحدة، كقولك مثلا: أتْلمُ أرضي هذه تَلْمَةً واحدةً في العام، وأتْلمُ هذه تلمتين أو مرّتين، أمّا تلك فَتُتْلَمُ في العام ثلاث تَلَمات، كما تفيد المرّة الّتي يجعلها التّحديد الزّمانيّ اسماً يدلّ على موسمٍ معيّن، مثل قولك: انصرمتْ تَلْمَة نيسان، وحلّت تَلْمَة مبكر، وستأتي تَلْمَة الظِّلم الأوّل، وهذه الصّيغة بمدلولها الثّاني الّذي يدلّ على المرّة ولكن في زمنٍ محدّد، هي الأكثر وروداً في المقولات الشّعبيّة، فمن ذلك قول عليّ بن زايد: يِقُوْلْ عَلِيْ وَلْدِ زايِد قَدَّمْتْ ماليْ تِوَخَّرْ تَلْمَةْ طُلُوْعَ الثُّرَيّا تِسابِقَ النَّجْمَ الاحْمَرْ وهذا الحُكم الزّراعيّ خاصٌّ بالموسمين المعيّنين لتلام أو بذر الذّرة الصّغيرة، وهو يعبّر عمّا تؤدّي إليه التّجارب المتراكمة من خلال القرون من الوصول إلى بعض غوامض الطّبيعة وعلومها، ولكن بدون تحليلٍ وربطٍ واستنتاجٍ بشكلٍ منطقيّ، وبدون تعليلٍ يفسر الظّاهرة، فهؤلاء المزارعون قد وصلوا إلى أنّ الموسمين اللّذَين تصلح بهما الذّرة إذا هي بُذرت في أحدهما يقعان في أوائل (نجم نيسانَ) وأوائل (نجم مبكر) فمن فاته البذر في النّجم الأوّل لأيّ سبب، صبرَ عشرة أيّامٍ أو أكثر ثمّ يبذر في النّجم الثّاني، وفي هذه الحالة تصلح الثّانية صلاح الأولى، ويُحْصدان معا، أمّا إذا حاول بعد فوات أيّام البذر في النّجم الأوّل، أن يقدم فيبذر قبل حلول نجم مبكر، فإنّ ذرته ستتأخّر وتضعف غلّتها؛ انظر (ب ك ر ـ ب ق س ـ ق ر ن). ومن أحكام ابن زايدٍ قوله: يا تَلْمَةَ الظِّلْمَ الاوَّلْ
يا مِحْرِشِهْ بين الابتال٭ ونجم الظّلم الأوّل آخر نجوم الصّيف السّتّة، ويبذرون فيه بُرًّا وشعيراً وغلّاتٍ أخرى تندرج تحت اسم (المعلاة٭)، وغلّاتها هي (الصِّربيّ) أو (العلّانيّ). وأيّام بذارها قصيرةٌ ولهذا يتسابق إليها الأبتال٭ويحصل بينهم التّنافس والاختلاف. وصيغة اسم الفاعل تالم قليلةُ الدّوران على الألسن، ويقولون فيها تالمي بزيادة ياءٍ كياء النّسب الّتي تُزاد كثيراً لأغراضٍ عدّةٍ في الأسماء والصّيغ الاسميّة. واسم المفعول للمذكّر والمؤنّث كثيرُ الدّوران على الألسن، يقال مثلاً: حولٌ٭ مَتْلُوْمٌ وجربةٌ٭ مَتْلُوْمَة، ووادٍ مَتْلُوْمٌ وأودية مَتْلُوْمَة، ونحو ذلك، ولاشكّ أنّها واردةٌ في مقولات، ولكن لم يحضر إلى الذّهن منها شيء. ومن صيغ مادّة (ت ل م) صيغة المَتْلَم، الدّالّ على هذا الموسم أو ذاك من مواسم التّلام. فيقال: حلّ مَتْلَم الرّبيع، أو مَتْلَم الصّيف، أو مَتْلَم الخريف، ويجمع المَتْلَم على مَتالِم، وفي أحكام عليّ بن زايدٍ قوله: الوَقْت كُلّه مَتالِمْ غَيْرَ المَتالِمْ لها اوْقاتْ والوقت في أوّل الحكم، بمعنى: الزّمن أو الدّهر، وغَيْر بمعنى: غير أنّ، أو: ولكنّ. وكلمة الأوقات في آخره، تعني: المواسم والمواعيد المحدَّدة، ويُفْهَم هذا الحكم على وجهين، وعلى أيٍّ منهما فهمته ستجده حكيماً وصادقا، فإن فُسِّر على أنّه خطابٌ للنّاس عامّة، على اختلاف أماكنهم ومناخاتهم وأنواع مزروعاتهم، فستجد أنّ الزّمن فعلا سلسلةٌ متّصلةٌ من مواسم البذار، ينتهي موسمٌ هنا ليبدأ هناك، وينتهي هناك ليبدأ هنالك، وما يكاد موسمُ هذا النّوع من المزروعات ينتهي، حتّى يبدأ موسمٌ آخر، ومن هذا النّوع إلى ذاك إلى ذلك، والمهمّ هو الحساب لكلّ نوعٍ في كلّ مناخٍ ليبذر كلّ شيءٍ في وقته وبشكلٍ مستمرٍّ لا ينقطع. وإن فهمته على أنّه خطابٌ لجماعته وأبناء منطقته المحدودة، فإنّه يقول: أيّها الأصحاب إنّ كلّ بذرٍ صالحٍ لأن تبذره في أيّ وقتٍ وسينبت، وسينمو إلى هذا الحدّ أو ذاك، ولكن هل يصلح ويغلّ الغلّة المطلوبة؟ كلّا إنّ ذلك لا يكون إلّا بحساب المواسم المناسبة لنوع الزّرع المناسب. استطراد والخلاصة هي أنّه ليس في المعجمات العربيّة، من مادّة (ت ل م) بهذه الدّلالة إلّا الاسم الّذي قالوا: إنّه يطلق على خطِّ الحَرّاث، أو على أثر اللُّوْمَة في الأرض، أو مشقّ الكراب في الأرض، وله في (العين) و(الصّحاح) و(البيان) و(الأساس) و(المقاييس) و(التّكملة) و(اللّسان) و(التّاج) وغيرها صيغتان ـ كما سبق ـ هما: التَّلَمُ والتِّلام: وهما ما نسميه التِّلْمَ بكسر التّاء وسكون اللّام، ولم نسمع في لهجاتنا التَّلَم ـ بفتحتين ـ أبدا، كما لم نسمع بكلمة التِّلام اسماً لخطِّ الحارث أبدا، بل لا نستطيع تصوّر أنّ التِّلام الّتي تعني في لهجاتنا: عمليّة الحرث والبذر، وتعني موسم البذر أيضا، يمكن أن تكون اسماً لخطِّ الحرّاث في الأرض. أمّا نشوانُ بن سعيدٍ فلم يأتِ بكلمة التَّلَم أبدا، بل أحلّ محلّها الكلمة الّتي على ألسنتنا من أيّامه، ومن قبل أيّامه وهي كلمة التِّلْم. وأضاف نشوان الحِمْيَريّ صيغةً أخرى هي المصدر المباشر الّذي يأتي بعد الفعلين تَلَمَ يَتْلِمُ ـ أي تَلْماً ـ فقال التَّلْم: شَقّ الحرّاث الأرض، ولكنّه أيضاً لم يورد أيّ فعلٍ من أفعال هذه المادّة شأن غيره من اللُّغويّين، ولا أيّ صيغةٍ أخرى مشتقّةٍ منها، مع أنّ إيراد المصدر يقتضي وجوباً أنّ للكلمة أفعالا؛ لأنّ المصدر يمكن أن يُعدّ مصدراً مؤوّلاً فيشرح أو يفسّر بأن المصدريّة وبعدها الفعل المضارع من المادّة نفسها، فيقال: التِّلْم، هو: أن يتْلِمَ الحرّاث الأرض. ومنَ الضّروريّ أن نذكر أنّ نشوان بن سعيدٍ ذكر أيضاً صيغة التِّلام، ولكن في سياقٍ مبهمٍ قابلٍ للتّأويل، ونصّ ما قاله هو: «التِّلْم: واحد الأتلام، وهي: الشُّقُوقُ الّتي يشقّها الحَرّاثُ للزّرع، بلغة أهل اليمن، وبعضهم يقول: تِلام» انتهى. وأوّل إبهامٍ هو: هل الواو في «وبعضهم» للعطف على (التِّلْم) فيكون المعنى: «وبعضهم يقول في التِّلْم تِلام»؟ وهو جائز. أو أنّها للعطف على الأتلام فيكون المعنى: «وبعضهم يقول في الأتلام الّتي هي الشّقوق الّتي يشقّها الحرّاث للزّرع: تِلام» وهو أيضاً جائز، ولكنّ العطف على الأقرب هو الأصوبُ اللّهم إلّا أن نعتبر جملةَ «وبعضهم يقول: تِلام» جملةً مستأنفةً بعد فاصل، وكأنّه قال: التِّلْم وبعضهم يقول تِلام هو … إلخ؟ ثمّ إنّ الضّمير في «بعضهم» فيه أشكالٌ أيضا، فهل هو عائدٌ على أهل اليمن؟ وكأنّه قال: «وبعض أهل اليمن يقول في التّلم أو في الأتلام: تلام»؟ أو أنّ الضّمير «هم» عائدٌ على غائبِين هم الحاضرون أبداً في ذهن كلّ لُغويّ، وأعني بهم «اللُّغويّين السّابقين» واللُّغويّون وغيرهم ممّن يؤلّفون في فنٍّ سُبقوا إليه وهم إنّما ينسجون على أنوالهم، كثيراً ما يشيرون إلى سابقيهم بضمير الغائب، لشدّة حضورهم في العمل وفي أذهانهم، ولأنّه لا يخشى من ذلك وقوع القارئ في اللّبس، ولكنّ اللّبس وقع هنا، وذلك رغم أنّ عودة الضّمير على الأقرب رتبةً في سياق الكلام، وهم هنا «أهل اليمن» هو الأصحّ، إلّا أنّ اللُّغويّين السّابقين قد يكونون هم الأقرب رتبةً إلى ذهن المؤلّف، فأعاد الضّمير عليهم.


المعجم اليمني في اللغة والتراث بواسطة: أرشيف اليمن twitter