المعجم اليمني

جحم

ج ح م

تعريف-1: الجُحمة: الجزء المكوّر منَ الإناء الّذي له عنق، إذا انكسر عنقه ولم يبقَ منه إلّا جزؤه المكوّر كالأباريق الفخّاريّة ـ الجمان ـ ونحوها. تعريف-2: الجَحْم: أخذ النّار من فتحة التّنُّور بالمنوار، وهو قضيبٌ من حديدٍ أو خشبٍ يَجْحَمُ به الجاحِم النّار إلى إناءٍ لتوضعَ في الموقد ويستفاد منها ويقال: جَحَمَ النّار يَجْحَمها، وجَوَحَها٭يَجْوَحُها. وجاء في الأمثال قولهم: «ما احَّدْ يِجْحَمَ النّارْ إلى طَرَفِهْ» ويقال: «ما حَّدْ يِجْوَح.. إلخ»؛ أي: لا أحَد يجلب الشّرَّ لنفسه. تعريف-3: الجَحْمَةُ في قواميس اللّغة العربيّة: العينُ بلغة أهل اليمن؛ هذا ما تذكره معظم المعجمات المرجعيّة، من (العين) للخليل بن أحمد الفراهيديّ، إلى (تاج العروس) لمحمّد مرتضى الزّبيديّ، بما فيهم المعجميّ اليمنيّ نشوان بن سعيدٍ الحِمْيَريّ في (شمس العلوم). وهذه المعجمات تذكر هذه المادّة اللُّغويّة متصرّفةً إلى صيغٍ فعليّةٍ واسميّةٍ منها (الجَحْمَة) اسماً للعين بلغة أهل اليمن. ولكنّ الغريب هو ألّا نجد لهذه المادّة بهذه الدّلالة أيَّ أثرٍ في كلّ ما يتعلق بتراث اليمن ولغته ولهجاته، فاللّغة اليمنيّة القديمة لا تسمّي العين إلّا عينا، وما أجملَ دعاءَ ذلك الرّجل الحضرميّ الّذي يتوسّل إلى الإله «أن يحفظ له نفسه وجميعَ حواسِّه وأولاده وممتلكاته ونورَ عينيه وقوّةَ ذاكرته» (مختارات روسِّيني:102) . كما لا نجد لـ (الجَحْمة) ومادّتها بالدّلالة نفسها، في كتب التّراث اليمنيّ الأخرى، وفي مقدمتها ما بين أيدينا من مؤلّفاتِ الهمدانيّ، الّذي نجد أنّه ـ رغم عدم تأليفه لمعجمٍ لُغويٍّ ـ يذكر في مؤلّفاته منَ الكلماتِ اليمنيّة الخاصّة أكثر ممّا ذكره نشوان في معجمه. وأيضاً لم نجد لهذه المادّة بدلالاتها أيّ أثرٍ باقٍ في اللّهجاتِ اليمنيّة المحكيّة اليوم بعد طول السّؤال والتّحرّي، وعلى كثرة ما استوعبته منَ المفرداتِ اليمنيّة الخاصّة منذ الطّفولة. ورغم صعوبة تصديق أن تخفى أو تختفيَ مادّةٌ لُغويّةٌ كهذه في كلّ مراجعِ التّراث اليمنيّ المباشر، إلّا أنّ منَ الصّعب اطّراح هذا الأمر الّذي تتطابق عليه معجمات اللّغة العربيّة تطابقاً يكاد أن يصل إلى حدّ الإجماع. وكلّ ما يمكن قوله بكثيرٍ منَ اليقين هو أنّ عدداً منَ الكلماتِ الشّاذّة والغريبة والملتبسة بدلالاتٍ أخرى مستنكرة، قد ظهرت في التّراث العربيّ ومعجماته اللُّغويّة نتيجةً لما كان يجري من منافراتٍ ومماحكاتٍ بل ومعارك بين القبائل العربيّة بصفةٍ عامّة، وبين «عرب الجنوب» و«عرب الشَّمال» بصفةٍ خاصّة. وقد أدّى هذا الأمر إلى أن يَتَسَقَّطَ كلّ فريقٍ ما في لغة الفريق الآخر منَ الشّاذّ والنّادر وما لا يقاس عليه، ولا يجوز تعميمه، فينسبه إليه كلُغةٍ ليس له غيرها، ولا له عنها بديل، بل إنّ هنالك ما يدل على أنّ الأمر قد بلغ حدّ الافتراء والاختلاق إمعاناً في تبكيتِ الخصم وإغاظته. وفي كتب التّراث أمثلةٌ عديدةٌ على ذلك، وفيما يتعلّق بما كان يجري بين (عرب الجنوب) و(عرب الشَّمال)، فإنّه تجاوز حدّ المنافرات والمماحكات والمعارك الكلاميّة إلى إثارة العصبيّة، واستثارة النّعرات لا بالمعارك الكلاميّة فحسب، بل والدّخول في معاركَ حربيّةٍ كثيرةٍ وعنيفة، حتّى إنّ منها ما كان سبباً من أسباب سقوط دُولٍ وقيام أخرى كما هو معروفٌ في كتب التّاريخ. وبعيداً عنِ التّاريخ يكفي القول بأنّه في هذا المناخ المليء بالتّنافر والبغضاء، يصبح اللّعب بالألفاظ والتّلاعب بالدّلالات، والوصول إلى حدّ الافتراء والاختلاق أمراً له حضورٌ أقوى، بحكم ما يقف وراءه منَ الأهواء والدّوافع. ولهذا تسقّط المتحذلقون منَ اللُّغويّين ومنَ الشّعراء ما تسقّطوه منَ الشّاذّ والنّادر والّذي لا قياسَ عليه، في لغة أهل اليمن ولهجاتهم، ولا يستبعد هنا الاختلاق والدّعوى بالباطل، أو جعلُ ما هو لهجةٌ محدودةٌ لبعضٍ من أهل اليمن لغةً عامّةً لهم. وهذا ليس بدْعاً في مجال الصّراع الاجتماعيّ الّذي يخوضه من ليسوا على الدّرجة اللّازمة منَ العلم، ومنَ الالتزام بالمنهجيّة الّتي يوجِزها أهل العلم الحقيق بعبارة «الأمانة العلميّة» بما فيها منَ التّجرّد عنِ الهوى ومنَ التّحقيق والتّدقيق. ولكنّ المستغرب هو أن يتلقّف أهل العلم الحقيقيّ ـ وهم ممّن لا يستحقّون إلّا كلّ تقديرٍ واحترام، ولا ينكر فضلهم إلّا جاهل ـ بعض ما نتج عن هذه المعارك من سَقْطِ الكلام المتعسّف، فيصبح مادّةً لُغويّةً يعتمدونها ويعتمدون عليها فيما يؤلّفونه منَ المراجع التّراثيّة ذاتِ القيمة الكبيرة والرّصانة الّتي لا يمكن إنكارُها، وكانوا يَضعُفون ضعفاً بيّناً أمام «الكلمة» إذا هي جاءت في بيتٍ منِ «الشّعر» وكان للشّعر سحره الخاصّ عند اللُّغويّين المؤسّسين، وكم في المعجمات من مفرداتٍ لُغويّةٍ ليس لها من مصدرٍ إلّا بيتٌ منَ الشّعر وحيدٌ ليس له شافعٌ ولا شفيع، فهي رغم أنّها جاءت مرّةً واحدةً وبصيغةٍ واحدة، تصير عندهم مادّةً لُغويّةً تستحقّ التّدوين، لأنّها جاءت في هذا البيت منَ الشّعر أو ذاك، خاصّةً إذا كان منسوباً بالحقّ أو بالباطل إلى من يسمَّون بـ (فحول الشّعراء). جاء في بعض المراجع: «الهُعْخُعُ: نباتٌ برّيّ ترعاه الإبل، سُئل أعرابيّ عن ناقته فقال: تركتُها في القفر ترعى الهُعُخُع وبهذا الشّطر منَ الرّجز أصبح الهُعْخُعُ نوعاً منَ النّبات، فإذا بحثت عن ذكْرٍ ثانٍ له في أيّ كلامٍ من كلام العرب شعراً أو نثراً لم تجد لهذا القول شفعاً ولا شفيعا. وضيق المجال لا يسمح بإيراد أمثلةٍ أخرى كثيرةٍ وأكثر أهمّيةً من هذا. والمهمّ هنا أنّ المتحذلقين منَ اللُّغويّين قد تسقّطوا من كلام أهل اليمن، أو اختلقوا ما راقَ لهم، وجاء شاعرٌ متكلّفٌ متنطّعٌ غير مُجِيْدٍ لفنّ الشّعر، فحشَر في عددٍ منَ الأبياتِ المتكلَّفة المتصنَّعة من هذه الكلماتِ الّتي تمّ تسقُّطها عن غرضٍ وهوًى فقال كما لو كان شاعراً ينتمي إلى اليمن يرثي ـ كما قالوا ـ أمَّه الّتي افترسها الذّئب: ـ أَيا جَحْمَتا بَكِّيْ على أمِّ مالكٍ أكِيْلَةِ قِلَّوْبٍ بإحدى المذانبِ أُتِيْحَ لها القِلَّيْبُ في أرض قرقرى وقد تَجْلبُ الشَّرَّ البعيدَ الجوالبُ فلم يُبقِ منها غير بعضِ عجانِها وشُنْتِرةً منها وإحدى الذّوائبِ ففاضتْ دموعُ الجَحْمَتِيْنِ بِعَبْرَةٍ على الزُّبِّ حتّى الزُّبُّ في الماءِ غامِسُ ـ والزّبّ عندهم اللّحية ـ والأبيات كما يراها القارئ الفصيح تنضحُ تكلّفاً وضعفا، ففيها (إقواءٌ) في قافية البيتِ الثّاني، و(إجازةٌ) قبيحةٌ في البيتِ الأخير، و(الإجازة) كما يقول البيانيّون قد تحدث للشّاعر في الحروف المتقاربة المخارج وتكون ممجوجة، أمّا الباء والسّين فلا تقارب بينهما، وعلاوةً على ذلك ففي هذه الإجازة (إقواءٌ) أيضا، فهي إجازةٌ قبيحةٌ من كلّ الوجوه، وانظر إلى الحذلقة في اسم الذّئب، فلكون اللُّغويّين يقولون: القِلَّوْبُ والقِلَّيب: اسم للذّئب في لغة اليمن، فأنّ الشّاعر قد استوفى الجانب اللُّغويّ بذكر الصّيغتين، وهي قضيّةٌ لا يقتضيها ما في الشّعر من انطلاقٍ فطريّ، وإنّما تقتضيها التّحرّيات والتّدقيقات اللُّغويّة في كتب اللّغة، والتّقعُّر في الأدب وخاصّةً في الشّعر. ورغم ما في الأبيات من زيفٍ ظاهر، إلّا أنّ اللُّغويّين تحت تأثير انجذابهم إلى سحر الشّعر، استقبلوها بالتّسليم، وما من لُغويٍّ كبيرٍ إلّا واستشهد ببيتٍ منها على الأقلّ أو بأبياتها الثّلاثة الأولى، وأورد كلّ بيتٍ في بابه، أمّا البيت الرّابع فإنّ أوّلَ من انفرد به هو المؤسّس الأوّل للمعجميّة العربيّة الخليل بن أحمدَ الفراهيديّ، وفي الحقّ أنّنا لا ندري هل (غامِسُ) هذه من عنده أو من عند الشّاعرِ المجهول الّتي تنسب إليه هذه الأبيات. والغاية المتوخّاة من كتابة هذه الفقرة عن (الجَحْمَة) وأخواتها هو التّنبيه إلى هذه الظّاهرة مع القول بأنّ إبداء بعض الملاحظات على بعض المعجمات المرجعيّة لا يُنْقِص من أهمّيّتها مثقالَ ذرّة، ولا ينال من مكانتها في تراثنا وفي أنفسنا شيئا، فهي أعمالٌ عظيمةٌ خالدة، اضطلع بها علماءٌ أعلامٌ في علوم العربيّة، وأئمةٌ عظامٌ من أئمّة اللّغة، وبذلوا في سبيل ذلك جهوداً خارقةً يشهد لهم بها البعيد قبل القريب، ويقدّرهم من أجلها علماء الشّرق والغرب.


المعجم اليمني في اللغة والتراث بواسطة: أرشيف اليمن twitter