المعجم اليمني

جرب

ج ر ب

تعريف-1: الجِرْبة، بكسر الجيم: البقعة الكبيرة الخصيبة المحدّدة من بقع الأراضي الزّراعيّة المختلفة، وتُنطق في لهجةٍ محدودةٍ بضمّ الجيم والصّحيح كسرها. فلا تسمّى الجِرْبَةُ جِرْبَةً إلّا بهذه الشّروط، فتكون أكبر ممّا يسمّى (الرَّفَد٭) و(القسم) و(القطعة) و(الصّانفة٭) و(الرَّقَبَة) و(المَسْوَع٭) و(المَقْلح٭) و(العَدَن٭) و(الرَّوْن٭) و(الكِرْوَة٭) و(الوَدِن٭) و(القَطِيْن) ونحوها. وتكون خصيبةً جيّدةَ التّربة، تشرب من ماءٍ إضافيٍّ غير ما يسقط على مساحة أديمها من ماء المطر، ممّا يفيض عليها من أراضٍ فوقها، أو من مَهارقَ ـ ونسميها مراهق ـ خاصّةٍ بها، أو من رافدٍ من روافدِ الأودية، أو من سيل الوادي إن كانت في وادٍ كبير، وأحسنها ما يدخلها السّيل أو يسقيها الغيل٭. وبشرط سعة المساحة يخرج ما سبق ذكره من أسماء ضُروب القطع الزّراعيّة، حتّى ولو كان بعض هذه القطع ـ الّتي لا تبلغ الجِرْبة مساحة ـ ذا تربةٍ خصبةٍ جيّدة، وبشرط الخصب وجودة التّربة تخرج قطعٌ زراعيّةٌ ذات مساحاتٍ كبيرة، ولكنّها كما نسمّيها (مَساهيْر٭) وواحدتها (مسْهار)؛ أي ذات تربةٍ ضعيفةٍ ولا تشرب إلّا ممّا يهطل عليها ذاتها من ماء المطر، فلا يطلق على المسْهار اسم الجِرْبَة، وإن كبرت مساحته. ولعلّ الجِرْبَة مشتقّةٌ من مادّة جَرَبَ بمعنى: قطع، لأنّ الجِرَب تُقْتَطع من جوانب الأودية وسفوح الجبال وأكتافها اقتطاعا. وإذا كانتِ المعجمات لا تذكر مادّة جَرَب بمعنى قطع، فإنّها عريقةٌ بهذه الدّلالة في اللّغة اليمنيّة، ولا يزال لها هذه الدّلالة في لهجاتنا حتّى اليوم كما سيأتي. والجِربة على كلّ حالٍ كلمةٌ مذكورةٌ في القواميس، وذكرُها فيها لا يختلف عمّا في لهجاتنا إلّا بمقدار ما يكون بين التّجريد اللُّغويّ القائم على السّماع والنّقل والشّواهد المرويّة من جانب، وبين التّطبيق اللُّغويّ والمعايشة الحيّة للمفردة اللُّغويّة مع الحضور المجسّد لما تدلّ عليه من جانب آخر. جاء في لسان العرب حول الجِربَة قوله: «الِجرْبة بالكسر: المزرعة، قال بشر بن أبي خازم: تحدَّرَ ماءُ البئر عن جُرَشِيَّةٍ على جِرْبةٍ تلعو الدِّبار غُرُوْبُها والجِرْبَة: القراح منَ الأرض، قال أبو حنيفة: واستعارها امرؤ القيس للنّخل فقال: عَلَوْنَ بأنطاكيَّةٍ فوق عَقْمَةٍ٭ كجِرْبةِ نخلٍ أو كجَنَّةِ يثربِ وقال مُرَّة: الجِرْبة: كلّ أرضٍ أُصلِحت لزرعٍ أو غرس، قال: والجمع: جِرْبٌ كسدرةٍ وسِدْرٍ وتِبْنةٍ وتِبْن، قال ابن الأعرابيّ: الجِرْبُ: القراح، جمعه جِرَبَة. والجِرْبَة: البُقْعة الحسنة النّبات، وجمعها جِرَب، وقول الشّاعر: وما شَاكِرٌ إلّا عصافير جِرْبةٍ يقوم إليها شارِجٌ فَيُطِيرُها يجوز أن تكون الجِربَة هنا أحد هذه الأشياء المذكورة» انتهى ما في اللّسان، ولم تزد المراجع الأخرى على ما جاء فيه، وليس فيما ذكَره اختلافٌ كبيرٌ عمّا في لهجاتنا، إلّا ما أشرتُ إليه منَ الفرق بين النّقل التّجريديّ للمفردة اللُّغويّة، والاستعمال الحيّ التّطبيقيّ لهذه المفردة، ويتّضح ذلك ممّا يأتي: استطراد (1) قوله «الجِرْبة بالكسر»؛ أي بكسر الجيم هو النّطق الشّائع في الأعمّ الأغلب من لهجاتنا، ولكنّ هناك لهجةً في منطقة الكلاع تنطقها بضمّ الجيم، ومن مميّزات هذه اللّهجة محافظتُها على النّطق القديم لبعض المفردات. (2) وقوله: «… المزرعة» فيه تعميم، فما كلّ بقعةٍ أُصلِحت للزّراعة تُسمّى جِرْبةً كما سبق، فلقِطَع الأرض الزّراعيّة أسماءٌ ومصطلحاتٌ سبق أن ذكرتُ عدداً منها. ولو أخذنا ـ كمثالٍ ـ تجمّعاً زراعيًّا جبليًّا مؤلّفاً من عشراتِ البقع الزّراعيّة على رافدٍ من روافدِ الأودية الكبيرة أو في بطنٍ من بطون الجبل أو على سفحٍ من سفوحه، لوجدنا في الأعمّ الأغلب أنّ عدد الجرب فيه أقلّ من عدد البقع الأخرى الّتي لها أسماءٌ ونعوتٌ تطلق عليها. (3) أمّا قوله: «الجِرْبَة القرَاح منَ الأرض» فإنّ لكلمة القَراح في المعجمات عدداً منَ الدّلالات، منها ما فيه عموميّةٌ أيضا، ومنها ما يجعل القراح أدنى إلى كلمة المِسْهار٭لدينا. (4) وأمّا ما رواه عن أبي حنيفةَ من أنّه قال: إنّ امرأ القيس استعار كلمة الجِرْبة لمزرعة نخلٍ فإنّ فيه تجريديّةً أيضا، لأنّ النّاس في التّطبيق يقولون: جِرْبَةُ نخلٍ وجربة بُنٍّ وجِرْبة عنبٍ ونحو ذلك. (5) أمّا ما ذكره عن مُرَّةَ أنّ «الجِربة كلّ أرضٍ أصلحت لزرعٍ أو غرس» فإنّ فيه التّعميم التّجريديّ المشار إليه سابقاً؛ ويشترط في الجربة جودة زرعها وغرسها. (6) وأمّا قول مُرَّة: «وجمع الجربة جِرْبٌ [بسكون الرّاء] كسِدْرةٍ وسِدْرٍ وتِبْنةٍ وتِبْن» فإنّه تجريدٌ لُغويٌّ عجيب، فبدلاً منَ النّصّ على ما في أفواه النّاس وعلى ألسنتهم آنذاك وإلى الآن عاد إلى القواعد الصّرفيّة للّغة، واختار منها قياساً واحدا، وهو جمع (فِعْلَة) على (فِعَل) مع أنّ جمع (فعلة) على (فِعَل) هو الأكثر مثل قطعةٍ وقطعٍ وكِسْرةٍ وَكِسَرٍ وقرْبةٍ وقِرَبٍ وسلعةٍ وسِلَعٍ وغير ذلك كثير، ومنه الجاري على ألسنة النّاس في جمع جِرْبةٍ على جِرَب. (7) أمّا قوله: «الجِرِْبة: البقعة الحسنة النّبات، وجمعها جِرَبٌ» فهو الأقرب إلى ما هو جارٍ على ألسنتنا، فقد أشار إلى خصب تربة الجِرْبَة بقوله: حسنة النّبات، إلّا أنّ قطعةً منَ الأراضي الزّراعيّة الّتي سبق ذكر ما يطلق عليها من أسماءٍ قد تكون خصبةً حسنةَ النّبات، ولكنّها لصغر مساحتها ليست ممّا يطلق عليه اسم جِرْبَة. (8) والشّاهد الشّعريّ الّذي أورده شاهدٌ صريحٌ على الجربة الّتي يَشْرحُها شارح٭، ولكنّه قال: «وقول الشّاعر: وما (شَاكِرٌ) إلّا عصافيرُ جِربةٍ يقوم إليها شَارِجٌ فَيُطِيرُها يجوز أن تكون الجِرْبة هنا أحدُ هذه الأشياء المذكورة» فأضْعفها بقوله: «يجوز …» فالشّاعر وهوكما يبدو يمنيٌّ مجاورٌ لقبيلة شاكر، وهي تجمع (وائلة) و(دهمة) أبناء (شاكر) ودهمة هم (ذو محمّد) و(ذو حسين) وربعاؤهم، والشّاعر يهجوهم ويصفهم بالضّعف، فما هم إلّا عصافيرُ تقع على جِرْبةٍ مزروعةٍ لتلتقط الحبّ، وما أن يقوم إليها الشّارح٭ الّذي يحمي زرعها فينشّها فتطير. وقد صُحّفت كلمة (شارح) في اللّسان إلى (شارج) ولا معنى لها، ولكنّها وردت صحيحةً فيه في مادّة (ش ر ح). والجِرْبَة عند أهل اليمن بقعةٌ منَ الأرض عزيزةٌ على النّفوس، أثيرةٌ في القلوب، يعتني بها مالكها ويرعاها، ويعتمد عليها، ويحبّها كما يحبّ الأهل والولد. حدّثني من أثق به أنّ رجلاً ظلّ يزرع ممّا يزرع جِرْبَةً له يُحلّها من نفسه محلًّا خاصّا، وفي شيخوخته ظهر من ينازعه ملكيّتها ورفع عليه قضية، وجنّ جنون الرّجل، فكمن لغريمه وقتله، وحُوكِمَ وحُكِم عليه بالإعدام، وفي يوم التّنفيذ حضر الحاكم في الموقف، وأعاد عرض الدّية على أولياء الدّم لعلّه يعتق نفسا، فقبلوا الدّية بعد لَأْي، ولكنّهم جعلوا الجِرْبَة هي الدّية، فإذا بالمحكوم عليه يرفض ويصرّ قائلا: أنا رجلٌ عجوزٌ إن لم أمتِ اليوم ففي الغد، فليكن موتي اليوم «وتِبْقَى الجِرْبة للعُوَيْلهْ»؛ أي: الأولاد، فأصرّ على موقفه، وأصرّ أولياء الدّم على موقفهم، فنفّذ فيه حكم الإعدام، وأبقى الجربة للعويلة! وأصحاب الجِرَب، يطلقون عليها الأسماء الفخمة والمعبّرة، وخير الجِرَب ما أطلق عليه اسم (ذيْ كذا) و(ذي كيت)، ويقولون عنِ المالك الكبير: فلانٌ غنيٌّ ما يملك إلّا كمْ مِنْ ذِيْ ذِيْ. وظاهرة هذه التّسمية المبدوءة بلفظ (ذيْ) ظاهرةٌ قديمةٌ جاءت في النّقوش المسنديّة، فمن ذلك ما جاء في النّقش الموسوم بـ (جام/ 555) حيث عدّد فيه صاحبه أسماء مواضعَ زراعيّةٍ يملكها على وادي أذنة في مارب، فذكر منها: (ذي صوم) و(ذي رمدن = رمدان) و(ذي أنويان= الأنواء) و(ذي مسقم) و(ذي مشامان) و(ذي مقلدان)، (المقْلَد) والمقْلَد لا يزال اسماً مستعملاً, فمن ذلك موضع (المقلد) في البخاريّ بجبل (سمارة) ـ صيْد ـ وقد غرس قاتاً وكان له شهرة، ولهذا يقول الهازج: حَنِيْنِيْ وِشَوْقِيْ وِكَمْ لِيْ أَنَهَّدْ عَلى بِنْتِ بَيْضا وِمَدْكا وِمَسْنَدْ مِعَ رُبْطَتَيْنْ قاتْ مِنْ وَسْط مَقْلَدْ … إلخ. وتنتشر أسماء الجِرب المركّبة على هذا النّحو في عددٍ منَ المناطق، وخاصّةً في المناطق الوسطى، ومنها منطقتِي المحدودة في بني سيف ـ من يحصب العلو ـ الّتي أستطيع أن أورد منها وحدها بل ممّا عرفته وتذكّرته الأسماء الآتية: (1) ذِيْ الماجِل: الماجِل: صهريجٌ كبيرٌ يتجمّع فيه الماء للرّيّ الزّراعيّ. (2) ذِيْ عَزَّة؟ (3) ذِيْ شامَة: الواقعة شَمال الوادي، وشامة ترد في النّقوش بمعنى الشَّمال مقابل الجنوب. (4) ذِيْ يمين: يمين الطّريق. (5) ذِيْ يسار: يسار الطّريق. (6) ذي المِرْخام: لعلّها من الرّخام. (7) ذِيْ البَلَس، البَلَس: التّين كما سبق. (8) ذِيْ الأعماد، والأعماد: جمع عمود، وفي نقوش المسند تطلق (الأعماد) أحياناً على مزارعِ العنب. (9) ذِيْ الشّاثِث: لعلّ الشّاثث نباتٌ برّيّ. (10) ذِيْ النُّمَة، النُّمَة: نباتٌ برّيّ. (11) ذِيْ خُدَر، الخُدَر:نباتٌ برّيٌّ معروف. (12) ذِيْ حوار، حوار: اسم واد. (13) ذِيْ الجَلْب: لعلّها آتيةٌ ممّا يجلبه السّيل من تربة. (14) ذِيْ أثْلَة، الأثل: شجرٌ معروف. (15) ذِيْ عليّ: بوزن الاسم العلم، وأظنّها من علوّ الموضع أو من أعلى الوادي. (16) ذِيْ عَزاهل؟. (17) ذِيْ السَّفْت؟. (18) ذِيْ حُمَر، الحُمَر: جمع حُمَرَة، وهو شجر وثمر التّمر الهنديّ الّذي يُتّخذ حمضاً للطّعام. (19) ذِيْ التّالَبِي، التّالبي: تذكيرٌ خاصٌّ لتالَبَةٍ واحدة التّالَب، وهو شجرٌ معروف. (20) ذِيْ أسماء (بوزن العلم المؤنّث المعروف)؟ (21) ذِيْ صَماعِر؟. (22) ذِيْ الوسط: وسط الوادي. (23) ذِيْ الأوْجاح: الأوْجاح: الصّخور، مفردها: وِجْح. (24) ذِيْ مَنِيّة، المنيّة: الموت، ولعلّ أصلها بياءٍ مخفّفةٍ منَ الأُمْنِيَة. (25) ذِيْ مَضالع: لعلّها الصّخور. (26) ذِيْ خَلَف:؟ هذا العدد من أسماء الجِرَب يقع حول قريتي، في دائرةٍ لا يزيد قطرها عن بضعة كيلومترات. وللجِرَب ذكرٌ في المقولات الشّعبيّة، فمن ذلك قول ابن زايد: جِرْبِهْ مِنَ المالْ تِكْفِيْ معَ وَلَدْ لا اصْلَحَ اللهْ وهذا مثلٌ للقناعة والرّضى بأدنى معيشة. ولا بمعنى: إذا. ومنَ الأمثال قولهم: «عَمَّهْ وَلا جِرْبِهْ على الغَيْل» والغيل: الماء الجاري. والعَمَّة: أمّ الزّوجة، وهي في اليمنِ ليست كالحماة في بعض الأعراف العربيّة المقلّدة للأتراك العثمانيّين، فهي في اليمن محبّةٌ لزوج ابنتها مؤثرةٌ له، ومن له عمَّةٌ كهذه، فكأنّه ملَكَ أنفسَ ما يُملك من المال، وهو جِرْبةٌ على غيلٍ جارٍ يرويها فتغلّ أوفر الثّمار. ومنَ الأمثال قولهم: «مَنْدَبْ بجِرْبِهْ ولا سَبْعَةَ اقسام»، والمندب٭ خطٌّ يندُب الجربة من أحد طرفيها إلى الطّرف الآخر، وقد سبق المثل في (ت ل م) لأنّه يروى: «تِلْم بِجِرْبِهْ …» أيضا، والأقسام: قِطَع الأرض الصّغيرة الملحقة بالجِرَب، ويضرب المثل في أنّ قليل الجيِّد خيرٌ من كثير الضّعيف. ويعمل المزارع في حراثة الأرض، وعند الظّهيرة تأتي له زوجته بغدائه إلى الحقل، وهو يعمل خلف ثوريه، ويغنّي بشتّى المقولات الّتي تتعلّق بالأرض والمطر والزّرع، وحينما يرى زوجته مقبلةً حاملةً غداءَهُ على رأسها فإنّه يغنّي متغزّلاً ومرحّباً بها فيقول (من الرّجز): يامَرَتِيْ وِيا خِيار مالِيْ وِأَيِّ جِرْبِهْ تِنْبِتَ الرِّجالِ فهذا من طريف غزل المزارعين، وتعبيرهم عنِ الحبّ، فزوجته هي أحسن جِرْبةٍ لديه، فلا توجد جربةٌ تُحْرَث فتنبت رجالا، وزوجته فحسب تفعل ذلك حين يأتيها حارثاً لها. ومنَ الغناء الشّعبيّ، وسبق في (ب ت ل) قول تلك الماجنة محاورةً صاحبها: صَبَّ المطرْ بِاللَّيْل وَاخْلَبَ الأرْضْ خَلَّ الجرب تِنْطَعْ ونِبْتِلِهْ عَرْضْ وفي الأحاجي الشّعبيَّة يقولون: حاجيتك عن: «جِرْبِهْ صَلَبْ، وجِربِهْ خُلَبْ، وجِرْبِهْ عليها النّارْ تِلْهَب» ويعنون بذلك «بُوْرِيَ المَداعَة»؛ أي «حجر الأرجيلة أو الشّيشة»، فالجِرْبَة الصّلَب هي: القَعر الفخّاريّ للبوريّ، والجِربَة الخُلَب هي: التّبغ المبلول بالماء، والجِرْبَة الأخيرة هي: ما على البوريّ منَ النّار. وأمّا كون الجِرْبة بقعةً مميّزةً محدّدةً فإنّهم يقولون ـ مثلاً ـ في وثائقِ البيع والشّراء: «اشترى فلانُ بن فلانٍ من فلانِ بن فلانٍ الجربة المسمّاة (كذا) بُنًّا راجياً٭ وغيلاً ساقيا، بمبلغ كذا وكذا ريالاً فرانصيًّا حَجَرا. ويحدُّها من الشّرق (كذا) ومن الغرب (كذا) ومن الشَّمال (كيت) ومن الجنوب (كيت).. إلخ». ومن مادّة (جَرَبَ) بهذه الدّلالة جاء: (الجِرْبُ) بكسرٍ فسكون، لما هو أصغر من (الجِرْبة) و(الجرِيب) لما هو أصغر منهما() . تعريف-2: جَرَب: مادّةٌ لُغويّةٌ لها عددٌ منَ الدّلالات، في اللّغة اليمنيّة القديمة، ومنها دلالتها على: القَطعُ والاقتطاع، فمن القطع جاء: قطع الحجارة من مقاطعها أو من المحاجر، ومنها جاء: الجاربون للحجارة، أي الممتهنون لمهنة قطع الحجارة للبناء ونحوه، والواحد منهم جِرْبِيٌّ على النّسبة إلى أصحاب هذه المهنة، ومنها جاء الجَروب اسماً للحجر أو للحجارة الكبيرة الّتي تُبنى بها الأساسات كما هي دون تشذيب، فهي جروبٌ لأنّها قُطِعت وبُني بها توّا، ويجمع الحجر الجَروب ـ بفتح الجيم ـ على جُرُوب بضمّها، كما في بيتٍ ممّا ينسب إلى علقمةَ بن ذي جدن، في وصف غمدان: أعلاهُ مُنْهَمَةٌ رُخامٌ عالٍ، وأسفلُه جُرُوب ـ والمنهمة: المشذّبة تشذيباً جيّدا؛ ومن الاقتطاع جاء اجْترابُ الجِرَبِ من تراب الأرض في جوانب الأودية ومن سفوح الجبال وشعابها ومناكبها، وجاء اسم الجِربة والجِرَبِ والجِرْب والجروب. ومادّة (جَرَبَ) لها عددٌ منَ الدّلالات في لغتنا العربيّة، ولكنّه ليس فيها دلالتها على القطع لا للحجارة ولا للجِرَب، لأنّ البيئة لم تكن بحاجةٍ إلى هذه الدّلالة بالقدر نفسه الّذي تحتاج إليه البيئة الطّبيعيّة والاجتماعيّة في اليمن، وجاء في العربيّة عددٌ من المفردات الدّالّة على القطع، ولكن في المجالات الأخرى. واللّهجات اليمنيّة لا يزال فيها استعمالٌ لمادّة (جَرَبَ) بدلالتها القديمة، ففي تهامةَ يقولون: جَرَب فلانٌ الأرض يجربها جربا؛ أي: اقتطعها كجربة، فقطع أو جرَبَ ما عليها منَ الأشجار وسوّاها لتكون أرضاً زراعيّة. والمطحن الجَرُوبُ تطلق في أماكنَ كثيرةٍ على المطحن الجديدة الّتي فرغوا حديثاً من اقتطاعها وإعدادها، قالت إحداهنّ مغنّيةً وهي تطحن بمطحنٍ جَرُوْب لا تزال جديدةً ثقيلة، تكاد تنزع السّواعد: مطحنْ جَرُوْبْ قد نَتْوَعَتْ جُنُوبي يا ربّ ساعدني واغفرْ ذنوبيْ تعريف-3: (الجَرْب: القطع، جَرَبَ العاملون في استصلاح أرض الأشجار يجربونها جَرْبا: قطّعوها. كانتِ الأحراش والغابات في تهامةَ كثيرة، وكنّا نتردّد عليها للصّيد، ثمّ أخذ النّاس منذ سبعينيّات القرن الماضي يستصلحون الأراضي لإنشاء المزارع، وحينما كنّا نعود ونسأل أهل المنطقة عنِ الأشجار وأين ذهبت كان الجواب عادة: جَرَبُنِّه أو جَرَبُنّها.


المعجم اليمني في اللغة والتراث بواسطة: أرشيف اليمن twitter