المعجم اليمني

حنن

ح ن ن

تعريف-1: الحِنُّ: الإشفاقُ والرأفة، وهي بلهجةٍ قبليّة، يقولون في ما يجري مجرى الأمثال: «إذا حَنّك(مَرِحْ) ما حنَّكْ (العِذَريّ)؛ أيّ: إذا سلمت من أحدهم لأنّه حَنّكَ وأشفق عليك ـ أو تظاهر بذلك ـ فلن تسلم منَ الآخر لأنّه لن يحنّك، والمعنى أنّك لن تسلم منهم، وهو مثل قولهم: «إذا حنّك الموت ما حنّك الكِبَر» . ولهذه المادّة ـ( ح ن ن)ـ في اللّهجات بعامّةٍ استعمالاتٌ مبهمةُ الدّلالة، وذلك مثل قول أحدهم لمن يهدِّده ويتوعّده: افعلْ ما بدا لك الله لا حَنَّك، وإذا كان معناها هنا يمكن أن يفهم على أنّه يعني الرّأفة والإشفاق، كأنّ المهدَّد يتحدّى المهدِّد قائلا: افعلْ ما بدا لك فأنا لا أبالي بك، بل أدعو إن قدرت على فعل شيءٍ أن يخليَ الله قلبك منَ الرّأفة، فإنّ الأمر يزداد إبهاما، حين يقول أحدهم لمن يهدّده: افعلْ ما بدا لك حَنَّيْتكَ الحذاء، أو حنيتكَ الطّريق … إلخ؟! ويقال أيضاً لمن يقوم بالعمل الأسهل تاركاً الأصعب: ما هذا الله لا حنَّك. هل تقدر لهذا؟! تعريف-2: حَنّ: الحنين مشهورٌ معروف، وهو في المعجمات مثل حنين الإبل إلى أعطانها وحنين القوس إذا هي أرنَّت، وريحٌ حنونٌ لها صوتٌ كحنين الإبل . . إلخ. وهذه المادّة واشتقاقاتها شائعةٌ في لهجاتنا كثيرة الاستعمال، وبها نعبّر عنِ الصّوتِ المجهور ابتداءً منَ الزّفرة المتردّدة في الصّدر إلى ما هو أكبر من ذلك من هدير السّيل وزمجرة الرّعود، ثمّ ضجيج هذه الآلاتِ الحديثة مثل المضخّات والسّيارات والطّيارات وغيرها، فأصوات كلّ هذا يقال له الحنين. وأذكر أوّل ما عبرت طائرةٌ ـ بالمصادفة آنذاك ـ أجواء منطقتنا قبل نحو خمسين عاماً ـ وأكثر ـ وكيف كانت ردود أفعالنا كأطفالٍ في الرّيف نحو هذه الظّاهرة غير المألوفة لنا لخروجها عمّا هو معهودٌ لدينا في الطّبيعة. لقد كنّا مجموعةً كبيرةً منَ الأطفال انتهت بنا مطاردتنا القرود إلى مكانٍ بعيد، فلما جلسنا لنستريح وبدأ صوت الطّائرة يصل إلى مسامعنا وهي لا تزال بعيدة، قال أقوانا سمعاً وأوّل من التقطت أذناه صوتها من بعيدٍ في ذلك الهدوء الرّيفيّ التّامّ: اسمعوا هذا صوت نسر مهكِّب٭ ـ أي منقضّ ـ وقال آخر: بل هو مثل حنين السّيل بالوادي أو الجراد المُسَقِّفة٭، وقال ثالث: أو هي نَحْوَة٭مطرٍ وزايب ـ النّحوة: صوت المطر العاصف من بعيد ـ ولم يكد الرّابع يقول: بل هذا مثل خراب الحرار٭ والبيوت، حتّى أعولنا وصرخنا: القيامة . . القيامة . . وتعالى عويلنا لولا أنّ أكبرنا سنًّا قد استعاد إلى ذهنه بعض ما سمع أو قرأ عنِ الطّيارة فصاح: الطّيارة . . الطّيارة. فتوقّف العويل وأخذنا نصيح: الطّيارة . . الطّيارة. وظلّ عبور الطّائرة وحنينها الهادر حديث النّاس في المنطقة لأيّامٍ تالية. ومنَ الحنين المعهود في النّصوص التّراثيّة، أبياتٌ قالها شاعرٌ شعبيٌّ في شابٍّ تزوّج وغادر منزله هارباً صبيحة ليلة عرسه؛ لأنّه عجز في ليلته تلك، وقد لقيه الشّاعر صبيحة ذلك اليوم فقال ـ ممّا أراه تامّ الخفيف ـ: حَنَّ قلبيْ ثَلاثْ حَنّات كَلَّفْ حِجامَهَ وزادْ حَنَّ الجمل لا ما افْتَطَرْ مِنْ سنامَهْ قَدْ لِقِيْتَ (الخَبِيْر) وِقَدْ فُهِمْ لي كلامَهْ مَوْنَتَهْ مِفْسِدِهْ مُذَحِّلِهْ في حِزامَهْ والكناية في الشّطر الأخير ترمز إلى عضو التّذكير العاجز، وهي كنايةٌ لاذعة، فالمونة هي: ذخيرة البندقيّة. والمفْسدة: الفاسدة غير الصّالحة للاستعمَال. والمذَحِّلَة٭: الصّدئة. وممّا قيل في الحنين بمعنى الأنين منَ العفويّ المغنّى وهذا من (تامّ الخفيف): يا حَنِيْنيْ حَنَيْنَ العِيْسْ . . ما حمَّلوها حمّلوها زبيبَ اخضر . . سنف اكَّلوها والسّنف: شجرٌ خشنٌ كلّه شوك ـ انظر (س ن ف). وأصوات طلقاتِ الرّصاص المتردّدة أصداؤها بين الجبال يسمّى الحنين، وكثيراً ما يأتي ذلك في الشّعر الشّعبيّ ذي الطّابع القبليّ والّذي يبدأ بعباراتٍ من قبيل: حنّيت ما حنّ كذا، أو حنّيت حنين كيت وكيت، ومن ذلك قول شاعر: حَنَّيْت ما حَنِّتِ (الشَّرْفا) و(طالبْ شَر) حنين (ابو شمس) ذي لِه فعل نَدّارِ ما حَنّ (مركبْ) غِلِطْ في البحر واتْحَيَّرْ وِحَنَّتِ (الميج) بالغازات والنّارِ ما بي مخافهْ ولا موجعْ ولا بيْ شرْ إلّا منَ اهْلَ السّياسهْ واهْلَ الافكارِ والشّرفا وطالب شرّ وابو شمس: أسماءُ أنواعٍ منَ البنادق. وللجراد حنينٌ مهيب، وليس ذلك حنينها في طيرانها المعتاد ولكنّه حنينها عندما (تُسَقِّف)، وتسقيف الجراد هو طيران أرجالها المرتفع بلا توقفٍ إلّا في المساء للمبيت ثمّ استئناف الطّيران، ويكون ذلك حينما يحلّ موعد تغريزها وبيضها وهي بعيدةٌ عنِ الصّحراء الّتي تفعل فيها ذلك، وهنا تبدو هذه الأرجال الكثيفة وكأنّها خاضعةٌ لِقرارٍ جماعيٍّ بالطّيران على هذا النّحو، وحينما تمرّ فوق منطقةٍ فإنّ المرء يسمع لها هذا الدّويّ المستمرّ كما يلاحظ فتوراً في ضوء الشّمس، وإذا كان يجهل هذه الظّاهرة فإنّه قد يقع في الدّهشة والذّهول، لأنّ الجراد في هذه الحالة لا يكاد يرى إلّا كسحابٍ سديميٍّ في الأجواء العليا، وهذا الحنين للجراد المسقّفة هو الّذي عناه ابن زايدٍ بقوله: عِندِيْ تِقُومْ القيامهْ ولا حَنَينَ المَجارِدْ وجاء ممّا يُغنَّى في العفويّ ـ ممّا أراه تامّ الخفيف ـ: حَنَ قلبيْ رَعَدْ حَلَفْتْ ما اشْكِيْ عَلى احَّدْ ما اشْكِي الّا عَلَيْكْ يا خالقَ اللَّيْلَ الاسْوَد وممّا يُغنّى منَ العفويّ أيضاً، بلهجة المعافر والكلاع: حَنّيتَ أنا ما حَنّ سيْلْ جازع حنين مَحبوسْ ما عَلَوْه ْ مُرَاجِع وما عَلَوْهْ: أي ليس له من يراجع عليه عند من حبسه لا طلاقه. وحنّاتِ الجيوش الجرّارة: عبارةٌ ترد في بعض العباراتِ اليمنيّة؛ أي: دويّ ما يصدر عنها منَ الأصوات؛ (روح الرّوح:2/27). تعريف-3: الحِنّ: الرّغبة في الشّيء، تقول:حنِّي هذا الشّيء، أو تقول: ما حِنِّي، والشّائع الأشهر في لهجاتنا، هو أن نقول: أشتي، أو ما أشتي؛ أي أشتهي أو ما أشتهي. ولكنّنا في لهجاتٍ نقول: حنِيْ أو ما حِنِّي. ونقول: أحنّ أو ما أحَنّ, ونسأل فنقول: حِنّك يا فلانُ أو ما حنَّك؟ وفي الأمثال: « اشربْ ولو ما يِحَنَّك », ويروى أيضا: «اشرب منَ الماء ولو ما تِحنِّه» ويقال ترغيباً للإنسان في أخذ ما يقدّم إليه، وحثًّا للمسافر على الشّرب منَ المنهل الّذي يمرّ به، ولو لم يكن ظامئًا فقد لا يجد ماءً بعده أو لا يجده إلّا بعد مسافةٍ طويلة. تعريف-4: المُحَنَّن: من انفتلت له عضلةٌ أو عصبةٌ في صفحة عنقه فتزاور ومال رأسه، فهو ينظر أو يمشي متزاورا، نظرة أو مشية المُحَنَّن المعروفة. و حينما يتعارك حصانان فإنّ كلّ واحدٍ يحاول أن يُحَنِّنَ الآخر بأنّ يعضّه خلف رقبته عضةً تشلّ حركته وتجعله مُحَنَّناً لا يستطيع فكاكا، وكذلك البغال والحمير.


المعجم اليمني في اللغة والتراث بواسطة: أرشيف اليمن twitter