المعجم اليمني

حيد

ح ي د

تعريف-1: الحَيْدُ: شاهقٌ صخريٌّ منسلخٌ في الجبال، وهو منَ المهاوي الزّلّاء الّتي تُرْدِي من يهوي فيها. نجمعه على حِيُود، ولم أسمع أحياد. وأرجّح أنّ الكلمة بدلالتها قديمةٌ في لغة اليمن قبل الإسلام، ولكنّها لم ترد فيما لدينا منَ النّقوش حتّى اليوم في سياق الكلام المركّب، بل جاءت في صيغةٍ اسميّةٍ تتكرّر في النّقوش فـ (حدثنن=حدثنن) هي فيما أرى (حَيْد ثنَيْن)؛ أي الشّاهق الصّخريّ لجبل (ثَنَيْن) أعلى قمّةً في (ناعِط) والإله الهمداني (تألب ريام بعل حيد ثنين) تعنى صاحب المعبد المبني على رأس حيْد هذا الجبل. كما أنّ الكلمة قاموسيٌّة معروفةٌ، ولكنّ لمدلولها ولتصريفها خصوصيّةً يمنيّة. قال في لسان العرب:«حيد الجبل: شاخصٌ يخرج منه فيتقدّم كأنّه جناح. وفي التّهذيب: الحيد ما شخص منَ الجبل واعوجّ يقال: جبل ذو حِيودٍ وأحيادٍ إذا كانت له حروفٌ ناتئةٌ في أعراضه لا في أعاليه، وحيود القرن: ما تلوّى منه، وقرن ذو حيدٍ؛ أي ذو أنابيبَ ملتويةٍ . .». هذا تعريف اللّسان والتّهذيب للحيد، فأمّا أنّه شاخصٌ فذاك، وأمّا شرط اعوجاجه فلا وجه له في مفهومنا للحيد، وأمّا أنّه حروفٌ ناتئةٌ فقد يكون له وجه، وأمّا اشتراط أن تكون في أعراضه لا في أعاليه فليس ممّا هو واردٌ عندنا، فالحيد عندنا كما ذكرت شاهقٌ صخريٌّ منسلخ، ومهواةٌ زلّاء، ومرتقًى وعر، ومهلكةٌ لمن يَتَحَيَّد أو يتردّى فيه. فهذه بعض خصوصيّاتِ الحيد عندنا من حيث المفهوم. أمّا منَ النّاحيّة اللُّغويّة الصّرفيّة، فإنّ لهجاتنا قد نحتت من كلمة (الحيد) أفعالاً واشتقاقات. ففي اللّازم نقول: تَحَيّد فلانٌ يَتَحَيَّد، أي سقط منَ الحيد، وتردّى والمصدر: تحيُّدٌ أو تِحِيَّاد، واسم الفاعل: مُتَحَيِّد. وفي المتعدّي نقول: حيَّد فلانٌ فلاناً أو الشّيء يُحَيِّده، والمصدر: تَحْيِيْدٌ أو حيَّاد، واسم الفاعل: مُحَيِّد ـ بكسر الياء المضعّفة ـ واسم المفعول: مُحَيَّد، بفتحها. ولهما استعمالاتٌ مجازيّةٌ فعبارة: تَحَيَّد فلانٌ منَ الموضوع؛ أي خرج منه صفر اليدين. وحَيَّد فلانٌ فلانا، إذا هو غبنه أو غمطه أو أخرجه من أمرٍ له فيه حقٌّ صفرَ اليدين. والكلمة لها ذكرٌ في المقولاتِ التّراثيّة، من أمثالٍ وأغانٍ عفويّة، وأشعارٍ وأهازيجَ قبليّة. ففي الأمثال قولهم: «من جَابكَ الحَيْد جي به الضّاحَهْ», وقد ضمّنه الشّاعر صالح عبد الله السّعيديّ في بيتٍ من قصيدةٍ له بالعامّيّة: يا شعب أنت القايد اللّمّاح من جابك الحَيْدْ جيْ بِه الضّاحَهْ أي: من جاء بكَ أو قادك إلى الحيد فقده إلى الضّاحة، أو من أراد بك شرًّا فقابله بشرٍّ أكبرَ منه، لأنّ الضّاحة أكبر، فهي أعظم الشّواهق علوّا. وترد كلمة الحيد في الأغاني العفويّة كقولها: حَبَسْتَني حَبْسَ الطُّيُورْ في الحَيْدْ لكْ حَبْس رَبِّي لا سِرِهْ وَلا قَيْد وقولهم: قد صَيَّحوا مِنْ حَيْد لا وَرا حَيْدْ مَحَبَّةَ المِبْعِدْ مُتاوَرَةْ٭ صَيْدْ وفي الأهازيج الشّعبيّة تكثر مناداة الحِيود والجبال والمصانع ـ وهي الحصون والقلاع والجبال الحصينة ـ وأكثر ما يكون ذلك عند وقوع الأحداث الكبيرة، سواءٌ كانت شخصيّةً أو عامّة، وهذه الظّاهرة الذّهنيّة والفنيّة الّتي يتّسم بها شعر العامّيّة في اليمن وخاصّةً في مجال الأهازيج، هي ممّا يستوقف الفكر ويدعو إلى تأمّلها ودراستها، أمّا الآن فأذكر بعض الشّواهد الّتي وُجِّه فيها النّداء إلى الحَيْد أو الحِيُود ما دمنا بصدد هذه المادّة. فمن ذلك قول شاعرٍ من بني الذّهب أصحاب قيفة وقد قتل قريبٌ له غدراً: يا حِيُوْد (اسبيل) فوق (المناسح) غابْ سُلطانِشْ وغابتْ نجومِهْ غابْ ذاكَ القَرْن ذي هو مِناطِحْ مَنْ قُتِلْ بالعَيْبْ٭ ما حَّد يلومِهْ ومن ذلك أهزوجتان قبليّتان في قصّةٍ طويلةٍ حدثت في منطقة (الحدا) في أوائل عهد الإمام يحيى، وقد سمعت القصّة من أحد أبناء المنطقة، وهي طويلة، وخلاصتها: أنّ رجلين تنازعا فذهب الأغنى إلى صنعاء و(عَشَّى ورشَّا) وطلب غريمه إلى صنعاء وأودعه الحبس، ولم يكن للمحبوس إلّا عددٌ منَ الإبل كان قد أودعها عند صديقٍ له اسمه (مقبل أحمد)، فلمّا حبس صاحبها بصنعاء، طمع غريمه بها فأوعز لعددٍ من رجاله على رأسهم أحد أقاربه واسمه (جبران الخليليّ) أن يداهموا (مقبل أحمد) ويستولوا على الإبل، فكمنوا له ببنادقهم في بعض الطّريق وهاجموه وهو لا يملك إلّا (جنبيته) في وسطه، ولمّا طلبوا منه تسليم الإبل رفض، فصوّبوا بنادقهم إلى صدره، ولكنّه اختار الموت فاستلّ جنبيته مقاوماً الرّصاص بالطّعن، فأردوه قتيلاً فقال والده مادحاً لابنه رغم حزنه الشّديد عليه: يالحِيُودَ السُّوْدِ غَنِّي لِمُقْبِلْ ذيْ بَذَلْ راسِهْ وِضَمَّ الوداعَهْ ذيْ حلف بايْمان ما يِدِّيَ الْبِلْ والفسالَهْ طُوْل والموت ساعَهْ والبل: الإبل. وكان للقتيل ولدٌ مساِلمٌ متفرّغٌ للزّراعة، ولكنّ الشّجار طال وعرض في القضيّة حتّى فوجئ ذات مساءٍ بوصول (سواري) وعشرة عسكر (تنفيذ) عليه وعلى جدّه فثار الدّم في رأسه وحرّضه جدّه المقعد فأخذ بندقيّته وتسلّل فأطلق النار على (جبران الخليليّ) وهو على سطح داره يَعُدّ غنمه عند رواحها، فهوى به من سطح الدّار إلى الأرض قتيلاً. وقال شاعرٌ شعبيّ: يالحِيُوْد السُّودْ قُلِيْ للخليليْ منْ رجالِ ما تِهِمَّ القطيعِهْ قَدْ قُتِلْ (جُبْرانْ) في (مُقْبِلَ احْمد) برَّد احزان القلوب الوجيعهْ وهذه القصّة وردت بشكلٍ وافٍ في كتاب (شاهد منَ الرّيف) لعليّ بن عليّ الرّويشان ـ من( ص75 ـ 81) وأوّل بيتي والد مقبل هو «يا هَرُوبيّات» لأنّه قتل في وادي (هروب) ولمّا كان الجانب اللُّغويّ هو الغاية المتوخّاة في هذا الكتاب فقد: أبقيت القصّة بالرّواية الّتي سمعتها قبل أكثر من خمسين عاماً ولمرّةٍ واحدةٍ والموضوع اللُّغويّ.. هو الحيد. استطراد الأوزان الشّعريّة في الأهازيج الثّلاث السّابقة هي منَ (المديد) التّامّ الخليليّ في الشّعر العربيّ الفصيح. و(المديد) من أقلّ البحور وروداً في التّراث العربيّ الشعريّ، وأيّ مطّلعٍ على دواوين الشّعر وكتب الأدب يلاحظ ذلك، وقد نجد أديباً يحفظ الكثير منَ الأبياتِ المفردة والمقطوعات والقصائد في كلّ وزنٍ من أوزان الشّعر الخليليّة كالطّويل والبسيط والكامل والخفيف ونحوها، ولكنّك لو طلبت منه إيراد أبياتٍ أو مقطّعاتٍ من المديد التّامّ لما وجدْت حاضراً في ذهنه على الأرجح إلّا عدّة أبيات؛ ولعلّ أشهر ما يتبادر إلى الذّهن من هذا البحر هو قصيدة تأبّطَ شرًّا في رثاء قريبٍ له، ومنها قوله: إنّ بالشِّعبِ الّذي دونَ سلعٍ لقتيلاً دمه ما يطلُّ خلَّفَ العبءَ عَليَّ وولّى أنا بالعبءِ لهُ مستقلُّ ووراءَ الثّأرِ منّي ابنُ أختٍ مَصِعٌ عُقدتهُ ما تُحلُّ أمّا شعر العامّيّة في اليمن، فإنّه قد حافظ على هذا الوزن من خلال الأهازيج خاصّة، وأعرف لهذا الوزن أكثر من ثلاثة ألحانٍ تنشد به منها الحماسيّ ومنها المرح ومنها الحزين. وعلى ذكر الأوزان والبحور، يمكن أن يقال بكلّ اطمئنانٍ أنّ شعر العامّيّة في اليمن بمختلف ضُروبه، يستقطب أوزان أو بحور الشّعر السّتّة عشر كلّها، وما يدخل عليها منَ الجوازات، وعلاوةً على ذلك فإنّ هنالك عدداً آخرَ منَ الأوزان والبحور اليمنيّة الخاصّة الزّائدة على البحور الخليليّة، منها ما تُنْظَم به القصائد لأغراضٍ شعريّةٍ بحتةٍ وهذا مهمّ، ومنها ما يوضع مطابقاً للحنٍ معيّن؛ أي لداعٍ غنائيٍّ خاصّ، وله أهمّيّته في مجال الحديث عنِ الموشّحاتِ الحمينيّة. وقد درس الدّكتور محمّد عبده غانم أوزان بعض (الحمينيّ) في كتابه المعروف (شعر الغناء الصّنعانيّ)، فأحصى البحور الخليليّة كاملةً مع جوازاتٍ كثيرةٍ تدخل عليها عدا الطّويل، وقد كان كثيرٌ من هذه الجوازات خارجاً عمّا هو معروفٌ في علم العَروض، وكان الأولى بالباحث عند بعض الأوزان أن يقول: وهذا وزنٌ شعريٌّ يمنيٌّ خاصّ. ولا مانع أن يضيف: وهو أقرب إلى بحر كذا أو كذا منَ الأوزان الخليليّة. أمّا خارج نطاق تراث الخاصّة الغنائيّ، فإنّ أحداً لم يقم بدراسة سائر أوزان شعر العامّيّة في اليمن، سواءٌ في مجال القصائد بأغراضها ومواضيعها المعهودة، أو في مجال الغناء والأهازيج والرّزفات والهيدات والمعينات والبالات والحداء والزّوامل وغير ذلك. اللّهم إلّا محاولةً فجّةً لمحمّد عبد القادر بامطرف لم يتوفّق فيها وخرج بها عن كلّ معقول, وأخيراً جاء كتابٌ جيّدٌ في (الزّامل) وأوزانه لصالح أحمد الحارثيّ، وهو موفَّق في تحديد الأوزان والبحور. تعريف-2: حادَ: رأى ونظر في لهجات تهامة، وهي الكلمة الرّئيسيّة فيها للتّعبير عن هذا المعنى. حاد فلانٌ فلاناً يَحِيْدُهُ فهو حايدٌ له: رآه وأبصره. وفي الأمثال التّهاميّة: «مَنْ حَادَكْ قُبَّه قالْ: ذا مزارْ» يقال فيمن يختلف مخبره عن مظهره. وفيها أيضاً: «من حادِهْ يِحُكْ يِحْسِبِه يُفُك», يقال عنِ البخيل. وفي الحمينيّ لعبد الرّحمن الآنسيّ: يا عين حِيدي مضربَ الأطناب فويق جزعَ الواديَ الأثيلْ وقال شاعرٌ على لسان تهاميّةٍ تتدلّل: واسِيْدَ ابيْ حيدِ ذي أم خطره خطرتها شِيء وانا جاهلْ


المعجم اليمني في اللغة والتراث بواسطة: أرشيف اليمن twitter