المعجم اليمني

خيل

خ ي ل

تعريف-1: الخَيْلُ في لغة اليمن القديمة: الحَيْلُ والحول، أو القوّة والقدرة بمعانيهما المادّيّة والمعنويّة. وقد وردت كلمة خَيْلٍ بهذه الدّلالات في عددٍ وافرٍ منَ النّصوص المسنديّة. وبدهيٌّ أنّ أوّل خَيْلٍ وقوّةٍ وقدرةٍ يحرص مدوّنو النّصوص على تمجيدها، والتّنويه بذكرها، هي خَيْلُ الآلهة، ومالها من قوًى خارقةٍ وقدراتٍ مطلقة. ولمّا كان الإله (المقه) هو إله سبأٍ الأعظم، فإنّ كثيراً منَ الأعمال الّتي قام بها السّبئيّون منَ الملوك والقادة وكبار القوم وجموع النّاس، فأنجزوها على خير الوجوه، إنّما تمّ إنجازها على ذلك النّحو الّذي أرضاهم وأسعدهم «بخيل/ ومقام/ المقه/» أو «بخيل/ ومقام/ المقه ثهوان» أو «بخيل/ومقام/ المقه ثهوان بعل/ أوام» ـ حسب تعبير النّصوص المسنديّة ـ الّتي كثيراً ما يعبّر أصحابها بقولهم « وهثابوا تامنم/ لخيل/ المقه/ … إلخ» أي «وإنّهم ليعبّرون عن كامل إيمانهم بما للإله من قوّةٍ مطلقة». وثاني خَيْلٍ وقوّةٍ وقدرةٍ تغنّت بها نصوص المسند، هي خَيْلُ الشّعب أو الجموع أو القبيلة حينما يحتشد أو تحتشد للقيام بالأعمال العمرانيّة والإنشائيّة، وخاصّةً في مجال المرافق العامّة ذاتِ النّفع المشترك وأصحاب النّصوص الّتي من هذا القبيل يعبّرون عن سعادتهم بإنجازهم هذا العمل أو ذاك، منوّهين بأنّه ما تمّ إلّا بخيل إلههم وتأييد ملكهم و« بخيل/ شعبهمو»؛ أي: وبقوّة شعبهم. وعند أوائل الموحّدين كانت نصوصهم تنوّه بـ «خَيْلٍ ذي سماوي». و «خَيْل الإله الّذي في السّماء» ولعلّ أوّل تنويهٍ بـ «خيل الرّحمن» يعود إلى زمنهم. أمّا في عصر التّوحيد العامّ، وبعد اعتناق الملوك للدّيانة التّوحيديّة ـ الرّحمانيّة ـ ابتداءً على غموض من عهد (ثأران يُهَنْعِم) ثمّ بوضح من عهد ابنه (ملكي كرب يُهَأمِن( ـ والد أبي كرب أسعد ـ فأنّ تمجيد «خيل الرّحمن» و«خيل الرّحمن الّذي له ملك السّماوات والأرض» و«خَيْل الرّحمن البارئ ـ الخالق ـ» و«خَيْل الرّحمن الّذي خلق نفسه» … إلخ أصبح متكَرِّراً في عددٍ منَ النّصوص الّتي تمّ العثور عليها حتّى اليوم. فالخيل بالخاء المعجمة المضاهية للحَيْل والحَوْل ـ كلاهما بالحاء المهملةـ والّتي تعني القوّة والقدرة والاستطاعة، هي كلمةٌ عربيّةٌ يمنيّةٌ قديمة، ولكنّها جُهلت بهذه الدّلالة على مطلق القوّة والقدرة الّتي لم تقترن في النّصوص المسنديّة إلّا بالآلهة وبالجمع من بني الإنسان ـ الشّعب أو القبيلة ـ ولم تقترن فيما بين أيدينا من ألوف النّصوص بالفرد منَ النّاس، لا بأحدٍ منَ الملوك، ولا بواحدٍ منَ الأذواء أو الأقيال والقادة، فليس في النّصوص أيّ عملٍ تمّ بخيل أيّ فردٍ كائناً من كان. ورغم الجهل بدلالاتها الأصليّة، فإنّ كلمة الخَيْل في اللّغة العربيّة قد أصبحت اسم جمعٍ مثل جيشٍ وقومٍ ونحوهما، وأُطْلقت اسماً لـ «جماعة الأفراس لا مفرد لها من لفظها ويعمّ الذّكر والأنثى» وذلك حسبما تنصّ عليه أمّهات المعجمات. وحاول عددٌ منَ اللُّغويّين تأصيل كلمة الخيل للأفراس وإعادتها إلى الجذر الّذي اشتقّت منه بدلالته الأولى، فأعادوها إلى الخيلاء والاختيال، وقد عارض هذا التّعليل كثيرٌ من أئمة اللّغة، ولكنّهم لم يقدّموا تفسيراً آخرَ للكلمة، ولا حاولوا تأصيلها وبيان اشتقاقها وما له من دلالة. ومن هنا لا نجد أحداً منَ اللُّغويّين قد تطرّق إلى الرّبط بين كلمتي الخَيْل بدلالتها على القوّة والقدرة في اللّغة اليمنيّة القديمة، والخيل الّتي أطلقت في العربيّة الشَّماليّة اسماً لجماعة الأفراس وفرسانها. والّذي نراه هو أنّ المنطق لا يأبى أنّ كلمة الخيل قد أطلقت على جماعة الأفراس أوّل ما أطلقت، بدلالتها الأصليّة الدّالة على القوّة؛ إذ إن الخيول الجياد بفرسانها ذوي الدّربة كانت في الحروب القديمة هي القوّة الّتي لا تعادلها أيّة قوّة. ولو أمعن اللُّغويّون النّظر في كلماتِ الخَيْل والحيل والحول، وأعملوا ما لديهم منَ المعارف في الآليّة اللُّغويّة الّتي تخضع لها العائلة اللُّغويّة الّتي تنتمي إليها اللّغة العربيّة واليمنيّة القديمة لوجدوا أنّ الكلمات الثّلاث لها سياقٌ واحدٌ يجعلها متقاربةً منَ النّاحيتين البنائيّة والصّوتيّة، خاصّةً إذا علمنا أنّ الخاء المعجمة والحاء المهملة يتبادلان الأماكن في هذه اللّغات، كما أنّ حرفيِ العلّة «الياء والواو» يتبادلان الأماكن أيضا، ولاستنتجوا من ثَمّ أنّ معنى الخَيْل بدلالتها على الأفراس هو معنى الخَيْل بدلالتها على القوّة والقدرة وبذلك يحيون الدّلالة العريقة لكلمةٍ عربيّةٍ أصيلةٍ وردت في لغة اليمن القديمة بكثرة.


المعجم اليمني في اللغة والتراث بواسطة: أرشيف اليمن twitter