المعجم اليمني

سبر

س ب ر

تعريف-1: السَّبْرَة، والسَّبار هي: الصّلاح، في كلّ ما يرغب الإنسان في صلاحه واستقامته. سَبَر يَسْبِر سَبْرَةً وسَباراً فهو سابرٌ وهي سابرة، وكذلك سُبُور الّتي تفيد الجمع وقد تقال في الإفراد، والمراد التّأكيد. يقال: سَبَرَ لفلانٍ أولادٌ صالحون، وفلانٌ ما سَبَرَ له إلّا ولد، أو ما سَبَرَ له ولا ولد، وسَبَر الزّرع هذا العام، وسَبَرَتِ الدّنيا والأحوال فهي بحمد الله سابِرَةٌ وسُبُور. ومن أحكام عليّ بن زايدٍ قوله: مَا يِأْمَنَ الدَّهْرْ عاقِلْ ولَوْ سَبَرْ واسْتَوَى لَهْ الدَّهْرْ مِثْلَ المُحَنِّبْ٭ ساعَهْ وِجَعْفَرْ غُبارِهْ وجاء في الأمثال اليمنيّة مثلٌ على الوزن الشّعريّ (المجتثّ) لأحكام ابن زايد: إذا سَبَرْ هاجِسَ اللَّيْلْ فِكُلّ هاجِسْ دَلِيِّهْ وهاجس اللّيل: كنايةٌ عنِ الزّوجة، فهي إن سَبَرت أحوالها وقامت بما هو عليها فإنّ كلّ الهواجس والوساوس الأخرى دَلِيَّة٭؛ أي: سهلةٌ هيّنةٌ؛ سبقت (د ل ي). ويقول مثلٌ شعبيٌّ وهو من أمثال النّساء: « مَنْ سَبَرْ بَخْتَها، ضحْكَتْ على اخْتها»، وهو يقال لمن لا يهمّهُ إلّا أمر نفسه غير عابئٍ حتّى بأقرب الأقرباء. والبخت هو: الحظّ والنّصيب في شؤون الحياة. وفي صلاح الأحوال يقال: سَبَرَتْ وعلى الشَّيْطانْ ادْبَرَتْ. ومنَ الأمثال الشّعبيّة ذاتِ الطّابع القبليّ من مجزوء البسيط: إنْ سَبَرتْ قالوا الشَّيْخْ اسْبَرها وِاِنْ بَطَلَتْ قالوا اعْمالَ الفَقيْهْ والفقيه في المجتمع القبليّ ليس له عزوةٌ قبليّةٌ بل له وضعٌ خاصٌّ ولو كان من صميم القبيلة، ولهذا فإنّ أيّ قضيّةٍ تصلح وتستقيم ينسب نجاحها إلى شيخ القبيلة ولو كان للفقيه الجهد الأكبر في نجاحها، وإن هي بطلت نسب فشلها إليه حتّى ولو لم يكن عليه أيّ مسؤوليّة، ويضرب في كلّ حالةٍ فيها افتئاتٌ وغبنٌ وبخسٌ وجعلُ مَن لا قوّةَ له كبشَ فداء. وإذا قيل: سَبَرَتْ لفلان، ففي العبارة محض إخبارٍ أو تعبيرٍ عنِ الاستغراب لأنّ الأمور صلحت له على غير توقّع. وجاء في الأمثال اليمانية: «إِنْ سَبَرَتْ فِمِرَه وِحِمارْ، وِاِنْ بَطَلَتْ فِهِدارْ في هِدارْ»، والهدار هو: لغو الكلام كالهَذَر. وله قصّةٌ خلاصتها أنّ محتالاً نصب حيلةً إن نجحت كسب منها امرأةً ليست زوجته وحماراً ليس له، وإن بطلت لم يصبه ضيرٌ وجعل الموضوع كأنّه محض كلامٍ فارغٍ أو مزاح. ومنَ الأمثال قولهم: «سَبَرَتْ حِجْنِهْ بَطَلَتْ شَرِيم»، والحجنة: معولٌ صغيرٌ يستعمل في الأعمال الزّراعيّة الخفيفة، وفي جَبْلِ الطّين للبناء، والشـّريم٭هو: المنجل. كأنّ المثل في الأصل قيل على جهة الحقيقة في قطعة حديدٍ عثر عليها أحدهم فاحتفظ بها ليسلّمها إلى الحدّاد فإن صلحت ليصنع له منها معولاً فذاك، وإلّا نفعت منجلا. ويقال في كلّ شيءٍ يمكن الاستفادة منه على هذا الوجه أو ذاك. وجاء في الأمثال اليمانية: اِبْتَرِعُوا سابرْ يا اهْلِ (داعِرْ) الشَّيْخْ بِيِرْباكُمْ يا اهلِ داعِرْ والبرع٭سبق وهو: رقص الرّجال القويّ، وداعر: قريةٌ من بني مطرٍ في بعض أكتاف جبل النّبيّ شعيب وِيِرْباكُم: ينظر إليكم، وقد سبقت. ويقال المثل فيمن لا يريد إجادة العمل إلّا رِئاء شخصٍ مهمٍّ رهبةً منه أو رغبةً في إرضائه. ولعلّ هذا أصحّ منَ القول إنّه يضرب لمن يزاول عملاً لا يحذقه. والمتعدّي من سَبَر الشّيء يَسْبِر، يكون بتضعيف الباء فيقال: سبَّر فلانٌ الشّيء بوزن صَلّح. وعند التّعدية يظلّ للفعل أوّلاً نفسُ الدّلالة السّابقة منَ الإصلاح والإنجاح. ما سَبَّر الأحوال إلّا لطف الله، ما سَبَّر الزّراعة إلّا المطر، والمهندس ـ مثلاً ـ يُسَبِّر الآلة إذا بطلت. وقد يكون المثل الصّنعانيّ الّذي جاء في الأمثال اليمانية: «مَنْ سَبَّر الشَّيْ سَبَر» مَنْ أصلحه بخبرةٍ أو عند عارفٍ صَلُح. وتكتسب صيغ المتعدّي من هذه المادّة معاني: صنع، وعمل، وسوّى، وجعل، وما قارب ذلك.يقال: مهنة الحدّاد أن يِسَبِّر مفاتيحَ ـ مثلاً ـ فهذه بمعنى يصنع. وفي العمل تجد صديقاً غبت عنه زمناً فتسأله: ما بِتِسَبِّر هذه الأيّام؟ أي: ماذا تعمل؟ أو ما تفعل؟ وتعني أيضا: ماذا تصنع؟ ومعنى جعل تأتي في قولك مستنكرا: فلانٌ سَبَّر نفسه آمراً عليّ, أو فلانٌ في المجالس يسبِّر نفسه كبيراً للقوم. ومثل قولك: الوالي الفلانيّ سَبَّر أقاربه مساعدين له، وجاء في الأمثال اليمانية: « مَنْ سَبَّر نَفْسهْ رُبّانْ وفّى الرِّيْحْ مِنْ قَرْنِه»؛ أي: أنّ على من يَتولّى عملاً فيه مخاطرُ كقيادة سفينةٍ شراعيّةٍ في البحر، أن يكون كفئًا وقادراً، وعليه أن يوصل السّفينة إلى مرساها إذا تعرّضت لأيّ خطر، فإذا ركدت الرّيح وهي في ثبج البحر فإنّ عليه أن يحتال بكلّ حيلةٍ لسلامتها ولو يوفِّي نقص الرّيح من قرنه؛ أي: رأسه، والمراد تحميله المسؤوليّة لأنّه جعل نفسه ربّانا، أمّا دلالته على معنى سوَّى، فيأتي في مثل قولهم في أغنيةٍ منَ العفويّ (من تامّ الخفيف): ما يِعِسَّ٭الكُعُوْبْ إلّا غَزِيْر الدَّراهِمْ وانْتْ يا المِفْلِسِيْ سَبِّرْ لِقَلْبَكْ عَزايِمْ ويعس٭بمعنى: يلمس، والكعوب: النُّهُوْد، والمفلسي: المُفْلس، والعزايم: التّمائم.أي: إنّه لا ينال المرأة زواجاً أو صحبةً إلّا من كان ذا دراهمَ غزيرةٍ كثيرةٍ أمّا أنت أيّها المفلس ـ ويخاطب بذلك نفسه ـ فسوّي لقلبك تمائمَ حتّى لا ينفطر ألمَا. ومثله قول العبارة السّائرة الّتي تردُّ بها على من يتوعّدك: «سَبِّرْ فيْ شَرْيِمَكْ مِيَةْ سنِّه», قيل أوّل ما قيل على جهة الحقيقة ردًّا على من يهدّد شخصاً بحصد زرعه, ثمّ يضرب الآن كمثلٍ في كلّ حالةٍ مشابهة، كأنّك تقول: اجهد جهدك، لمن يهدّدك بأيّ شيء، كما يقال: أعْلَى ما في خَيْلَكْ اِرْكَبهْ، ومنَ الشّعر الّذي وردت كلمة (سَبَر) قول صالح بن هادي من مشايخ الطّفة عندما سأله حسين الرّصاص عن رأيه في الحرب الدّائرة بين أهل البيضاء وجيوش الإمام يحيـى. وايْش با نِقُوْل اليَومْ يا سُلطانْنا يا النّاصري ذي شاع علمك والخبر بَرْدَ الزّيودْ اَيْبَسْ عظاة الشّافعيْ قُلْ لي متى يِرجَعْ وَرَقها ذِي هَبَرْ هوْ ما تِشوفَ اليومْ ما سوّى بِكُمْ كُلَّنْ تِعلّمْ مَضْمَدِهْ لا ما سَبَرْ أي: أوَمَا ترى ماذا صنع جيش الإمام بكم بعدما استنصرت به على قومك؟ لقد أذلّكم حتّى عرف كلٌّ منكم كيف يخضع للنّير في مضمده وحتّى صلح وسبر أمره للخضوع للإمام. والسّبار كما سبق هو: أحد مصدري أفعال هذه المادّة. وممّا جاء فيه منَ الأمثال قولهم: «البِرْ هُوَ البِرْ وِلِهْ فيْ كلّ دَيْمِهْ سَبَار»؛ أي: صلاحٌ وإصلاحٌ أو معالجةٌ حسب كفاءة القائمة على عمل الطّعام منه في الدّيمة٭؛ أي: المطبخ ويضرب في معناه الحقيقيّ، وفي كلّ عملين يكونان مشتركين في مادّتيهما ومبادئ صنعهما، ولكنّ أحدهما مختلفٌ عنِ الآخر طبقاً لبراعة الصّانعين له. والسَّبار أيضا، هو: اسمٌ لجِراية البيت اليوميّة منَ الحبوب وحاجاتِ الطّعام الأخرى، وهو بالحبّ أخصّ. تقول: سَبار بيت فلانٍ يبلغ في اليوم كذا أو لا يبلغ في اليوم إلّا كذا مستكثراً أو مستقلّاً بحسب الحالة الّتي تريد أن تعبّر عنها, وكان أرباب البيوت فيما مضـى يُجْرُون سبارَ بيوتهم من مخازنهم كلّ يومٍ بيومه حسب الحاجات, وحينما تقال كلمة السَّبار مطلقةً فإنّها لا تعني إلّا الجراية منَ الحبّ, ويقول المعدم شاكيا: والله ما أملك حتّى السَّبار، وتقول عن مثله: فلانٌ مسكينٌ لا يملك حتّى السّبار, ويقال في ماضي أفعاله: أَسْبَر فلانٌ بيته، وسَبَر فلانٌ بيته، وأَسْبَرَ فلانٌ البرّ، أي: جعله سباره الأوّل إذا كان موسراً، وكان الفقير في الغالب لا يَسْتَبِر إلّا الذّرة والشّعير. ويقال: سَبار الشّهر أو الموسم أو السّنة, وكان السّعيد منَ الفلّاحين من يملك سبار السّنة.


المعجم اليمني في اللغة والتراث بواسطة: أرشيف اليمن twitter