المعجم اليمني

شرح

ش ر ح

تعريف-1: شَرَح يَشْرح: حَفظ وحمى. هذه مادّةٌ قديمةٌ لا تزال حَيَّةً في لهجاتنا اليوم نقول: شَرَح فلانٌ الزّرع يشْرَحه شِراحةً فهو شارحٌ له والزّرع مشْرُوْح، والشّارِح: اسمٌ لمن يقوم بذلك، والمِشْراح مكان جلوس الشّارِح، والشُّرّاحة: أجرة الشّارِح أو ما يجمعه المزارعون من مالٍ ليؤجّروا شُرّاحاً، وشَرَّح المزارعون على زروعهم يُشَرِّحون شِرّاحاً وتشريحا: أقاموا عليها شُرّاحاً يشرحونها، فزروعهم مشْرُوْحَةٌ أو مشَرّحٌ عليها,وجمع الشّارح: شُرّاح, وقال شاعرٌ شعبيٌّ من لحج: شُرّاحِي ها سَمِّعُوْنِيْ الأوْظافْ٭ لا تُوْكُنُوْنيْ٭با أجِيْبْ ليْ شُرّاح والمُشارَحَة: المتابعة بالنّظر، تقول: شارَحْتُ فلاناً أو مازلت أُشارِحه مُشارَحَةً حتّى غاب عن ناظري. والشُّرْحَة هي: الوديعة أو الأمانة؛ أي أن تُشَرِّح أو تودع لدى شخصٍ شيئًا تملكه ليحفظه لك إلى أجلٍ محدّدٍ فهو شُرْحَةٌ عنده, وأفعالها شَرَّح فلانٌ ماله عند فلانٍ يشَرِّحه تشريحاً فهو مشرِّحٌ له والمال عند الآخر مشرَّحٌ فهو شرْحَةٌ لديه يحفظها بالأمانة إلى حينها. ومنَ الأمثال قولهم: «ما احَّدْ يشَرِّحْ النَّسَم الثَّرْبَه» والنّسم: القطّة، والثَّربة: الشّحمة, يقال في الحثّ على عدم إيداع الأمانة عند من لا يؤتمن عليها، ويقال أيضا: «لا تِشَرِّحَ الدِّمّ الرِّيِة» والدِّمّ: القطّ, والرّية: تسهيل الرّئة. ويقال: «لا تشَرِّحَ النَّسَمْ الخَفيْفِهْ» والخفيفة: الرّئة أيضا. وجاء في الأمثال أيضا: «شَرَّحَ النَّوْدَ الطَّحِيْنْ»؛ أي إنه أودع الشّيء عند من لا يؤتمن عليه كمن يودع الرِّيح الطّحين لتحفظه وهل يبقى الطّحين على هبوب الرّيح؟ استطراد مادّة (شَرَحَ) بمعنى حفظ وبمختلف صيغها الاسميّة الفعليّة مادّةٌ لُغويّةٌ يمنيّةٌ عربيّةٌ أصيلةٌ وقديمةٌ لها استعمالاتٌ واسعةٌ في نقوش المسند ومستمرّةٌ على ألسنتنا منذئذٍ وحتّى اليوم. ومع ذلك نجدها في المعجمات العربيّة ترد مرّةً مصحّفةً ومرّةً مبتسرةً أو غامضةً بعَدّها من غريب اللّغة وحُوشيّ الكلام، فهي ممّا ل يعط حقّه في مراجع التّراث. ونكتفي باللّسان الّذي أخذ عمّا قبله منَ المعجمات وأخذت عنه المعجمات فيما بعد، وهنا نجد أنّ صيغة من هذه المادّة، قد وردت في مادّة (شرج) بالجيم أوّلاً, قال: «والشَّارج: النّاطور, يمانيةٌ عن أبي حنيفةَ, وأنشد: وما (شاكرٌ) إلّا عصافير جُرْبةٍ يقوم إليها شارجٌ فيُطيرُها انتهى, وشاكر: اسم قبيلةٍ من بكيل، والجربة: كلمةٌ ذات خصوصيّةٍ يمنيّة، والشّارج ما هو إلّا الشّارح بالحاء الّذي يشرح الزّرع في الجربة حافظاً له وحامياً منَ النّاس والحيوانات والطّيور ولكنّ الكلمة تصحّفت إلى الجيم ولا مجال للقول عمّا جاء عن أبي حنيفةَ (اللُّغويّ) في اللّسان أنّه من تصحيفات النّسّاخ المحدثة فيما بعد؛ لأنّ مادّة (شرج) مستقلّةٌ عن مادّة (شرح) في القواميس بحسب ترتيبها الأبجديّ، سواءٌ كان ترتيبها بحسب أوائل الكلمات أو على أواخرها، ولكنّه في الواقع تحريفٌ قديمٌ تناقله اللُّغويّون حتّى وصل إلى ابن منظورٍ وهو مَن هو، ثمّ غيره منَ اللُّغويّين بعده فالخطأ من هنا خطأٌ قديمٌ ومؤصَّل, وما هذا إلّا بسبب القالب الضّيّق الّذي وضع أوائل اللُّغويّين أنفسهم فيه حينما استبعدوا قدر الإمكان لهجات الحضر منَ العرب وفي المقدّمة لهجات اليمن وأهل اليمن وهم الغالبيّة من سكّان الجزيرة العربيّة مهد اللّغة العربيّة ومسرح تطورها، فلم يوردوا منها إلّا القليل. ونلاحظ هذا الاضطراب، عند حديث المعجمات عن أسماء الأعلام المشتقّة من مادّة (شرح) مضافةً إلى كلمة (إلّ) بمعنى إله ولهذه الأسماء عدّة صيغٍ وتركيباتٍ والمعجمات (تقلقلها)؛ أي تقول: قيل فيها كذا … وقيل كذا وكذا … إلى أن ينتهي بعضها إلى القول: «وقيل هي أعجميّة» وهم يقولون بأعجميتها رغم أن كلمة (إلّ) أو (إيل) كلمةٌ عربيّةٌ ساميّةٌ قديمة وتعني الإله أو تحلّ محلّ لفظ الجلالة، وقد وردت في القرآن الكريم وفي كلام أبي بكرٍ M، حينما قال عن كلام مسيلمة الكذّاب: «هذا كلامٌ ما جاء من عند إلّ»، كما أنّ مادّة (شرح) مادّةٌ عربيّةٌ عريقةٌ وتركيب الأسماء من هذه المادّة مع لفظ (إل أو إيل) لا يعني إلّا أنّ الأعلام المركّبة منهما تجعل أشخاصَ مَن يتسمّون بها مودعين في حفظ الله وحمايته، وإن اختلف بعض هذه الأسماء عمّا أصبح معهوداً من تركيبها مع لفظ الجلالة وسائر أسمائه الحسنى ولكنّ المعجمات لا تشير إلى معنى الحفظ والحماية منَ الآلهة لهذه الأسماء المركّبة من إحدى صيغ (شرح)ولفظ (إلّ) وذلك بسبب الغموض الّذي أحاط بمادّة (شرح) وإن كانتِ المعجمات حينما تأتي إلى مادّة (شرح) بالحاء المهملة تصل إلى معناها الحقيقيّ ولكن في سياقٍ يجعلها تبدو كما لو كانت من غريب اللّغة أو منَ الكلمات الوحشيّة الّتي يندر استعمالها، حيث تأتي في المعجمات في سياقٍ يقول: «قال رجلٌ منَ العرب لفتاهُ: أَبْغِنِيْ شارحاً فإنّ إشاءَنا مُغَوَّسٌ وإنّي أخاف عليه الطَّمْل». فهذه عبارةٌ حافلةٌ بغريب اللّغة والشّارح: الحافظ، ولكنّها في هذا السّياق تبدو عندهم حوشيّةً وحشيّةً مثل كلمة الإشاء الّتي تعني: بستان النّخل المثمر والمغوَّس: المنقّح من شوك النّخل، والطَّمْل: السّرقة, ونعود إلى المشتقّات اللُّغويّة لكلمة (شرح) كما وردت في بابها لنجد أنّه قد جاء منها صيغة شارَحَ فلانٌ فلاناً يُشارِحُه مُشارَحَةً فهو مُشارِحٌ له, أي: نظر إليه مراقباً له حتّى غاب عن عينيه، أو حتّى كان كذا وكذا. وهنا يتبادر إلى الأذهان تساؤلٌ لُغويٌّ حول الدّلالتين الأصليّتين القديمتين لمادّة (شرح) ومادّة (حرس). ففي المادّة الأولى، نجد أنّ (الشّراحة) لا تكون إلّا في النّهار وتدلّ على الحفظ والحماية اعتماداً على العين وحاسّة النّظر والإبصار. وفي الثّانية لا تكون الحراسة إلّا ليلاً وتدلّ على الحفظ والحماية اعتماداً على الأذن وحاسّة السّمع والإنصات, والتّساؤل اللُّغويّ إذاً: ما العلاقة بين (شَرَحَ) و(أبصر) من جانب، وبين (حرس) و(سمع) من جانبٍ آخر؟ إنّ من يرَ الشّارح في مِشْراحه وهو يَشْرَحُ شِرْحَتَه الّتي أوكلت إليه وقد تكون وادياً أو مساحةً منَ الأرض فيها عددٌ منَ القطع الزّراعيّة أو مزرعةٌ واحدةٌ.. يجدْه وهو يقلّب طرفيه ويحدّد بصره فيوقن أنّه يعتمد في عمله هذا على حاسّة الإبصار ودقّة الملاحظة. ومَن يزُرْ حارساً للبنّ في محراسه القابع في أعماق وادٍ من أودية اليمن السّحيقة والّتي يسودها الظّلام الدّامس بمحض غروب الشّمس.. يجدْه وهو يتزاور موجّهاً لأذنيه ومرهفاً لسمعه نحو أيّ نأمة صوتٍ أو طقّةِ حصاةٍ فيوقن أنّه يعتمد في مهمّته هذه على حاسّة السّمع وكفاءته في تحديد مصدر الصّوت وتقدير ماهيّته. ومن يفعل ذلك، يعود إلى نفسه فيسأل: هل هناك ترابطٌ بين (شرح) و(أبصر) من جهة؟ ثمّ هل هناك تراابطٌ بين (حرس) و(سمع) من جهةٍ أخرى؟ هذا رأيٌ أبديته في الطّبعة الأولى لهذا الكتاب، وفي هذه الطّبعة أعود فأقول: حمداً لله فقد وجدت لرأيي شاهداً من شعر ذي الرُّمَّة وهو من هو إحاطة باللّغة، قال في وصف الإبل النّجيبة: إذا استحرست آذانُها استأنست لها أناسيُّ ملحود لها في الحواجب جاء البيت في اللّسان والتّاج مادّة (أنس)، وآذانُها فاعل استحرس، فالأُذنُ إذاً تستحرس أي: تتسمَّع وتتنصّت لتلتقط أدقّ صوت وأدنى نأمة، وهنا تظهر العلاقة بين: استحرس وتسمع، ومن ثم بين حَرسَ وسمع، وكأنّ حرس بمعنى: اسمع بإذن مرهفة فحرست أو سمعت خفيّ الأصوات، بينما سمع تعني مطلق السّماع، فالدلالة واحدة والفارق نسبيّ، ولو أنّ ذا الرُّمَّة قال: إذا استحرست آذانها، (شارحت) لها أناسيّ، ملحودٌ لها في الحواجبِ بالمعنى المذكور لـ(شارح يشارح) فيما سبق لما تغيّر المعنى، وكلمة (أناسيّ) في البيت صيغة جمع لـ(إنسان العيون) والمراد هنا العيون. ولا نستبعد أنّ ذا الرُّمَّة بحاسّته اللُّغويّة اهتدى إلى هذه المعاني الدّقيقة، فهو لغويٌّ من كبار الشّعراء وشاعر من كبار اللُّغويّين.


المعجم اليمني في اللغة والتراث بواسطة: أرشيف اليمن twitter