المعجم اليمني

صبر

ص ب ر

تعريف-1: من الجذر (ص ب ر) اشْتُقّت أسماء بلدانيّة لعدد من الأماكن والبلدان اليمنيّة، وأشهرها بلا شكٍّ جبل (صَبِر) المطلّ من الجهة الجنوبيّة على مدينة (تعزّ) الممتدّة على سفوحة الشّماليّة. وهو مذكور في العديد من كتب التّراث العربيّ البلدانيّة وغيرها، حتّى في كتب الحديث النّبويّ الشّريف جاء له ذكر لأنّ الرّسول X، ضرب به المثل في العِظَم والفخامة في حديث من أحاديثه الشّريفة يحثّ على عمل الخير لأنّه أفضل لفاعله من مثل (صَبِر) ذهباً. وهو مذكور في كتب التّراث اليمنيّ قديمه وحديثه وخاصّة المؤلّفات البلدانيّة اليمنيّة قديمها وحديثها ومعاصرها. وفيما بين يدي من المراجع لم أجد مَن تناول اسم هذا الجبل العظيم من النّاحية اللُّغويّة، رغم أنّ هذا الجانب قريب المتناول لأيّ لُغويّ فمادّة (ص ب ر) ليس منها إلّا صيغة واحدة على وزن (فَعِل، بفتح فكسر)، وليس لهذه الصّيغة الوحيدة إلّا دلالة واحدة، فقد أطلقت اسم جنس لضربٍ من الشّجر هو (الصَّبِر)، ثمّ أطلق اسماً لما تنتجه عصارة هذه الشّجرة من مادّة نفيسة نافعة يستخدمها النّاس عقاراً يتداوون به من أمراض شتّى، كما يُسْتَخدم كمادّة جماليّة، تتزيّن به النّساء بنقش أطرافهنّ، كما تُزَيّن الأواني الفخاريّة وغيرها من الأواني والأعمال الخشبيّة. وقدِ اشتهرت اليمن بإنتاج مادّة (الصَّبِر) والمتاجرة بها مع دول العالم القديم، كما اشتهرت جزيرة (سقطرى) بإنتاج أجود أنواع (الصَّبِر) فصار (الصَّبِر السُّقطريّ) هو الأشهر بين ما تنتجه أماكن يمنيّة أخرى. ومن ثمّ فإنّ أوّل ما يتبادر إلى الأذهان هو أنّ جبل (صَبِر) سمّي بهذه الشّجرة وما تنتجه من مادّة راتِنْجِيّة فيها منافع للنّاس. ولجبل (صَبِر) ذكر كثير في الشّعر العموديّ ـ الحَكَميّ ـ وفي الشّعر (الحُمَينيّ) وبخاصّة عند الشّاعر المبدع (عبد اللّه عبد الوّهاب نعمان)، وفي العفويّ الّذي ينبع من بين صفوف النّاس ويتغنّونه، ومن ذلك قول هذا الفتى المحبّ المعتزّ بقوّة إرادته والمتباهي بما حقّقه من نجاح: جَبَلْ صَبِرْ عاليْ وانا طِلِعْكُهْ رِيْقَ البناتْ حالي وانا طِعِمْكُهْ وقول آخر: جبل صَبِرْ عاليْ على المديْنِهْ يا مَنْ مَعُهْ محبوبْ الله يِعِيْنِهْ وقول آخر أيضاً: جبل صَبِرْ مَلْوِيْ ثلاث لَيّاتْ لَيِّهْ بناتْ وِلَيَّتَيْنْ غصونْ قاتْ وغير ذلك ممّا لا يتبادر إلى الذّهن الآن. تعريف-2: الصّابِر ـ بفتحٍ قبل ألفٍّ ليّنةٍ فباءٍ مكسورةٍ ـ من أيّ شيءٍ: جانبه أو أحد جانبيه, تقول: صَابرٌ من هذا الجبل أخضر، وصابرٌ جافّ. ويقولون عنِ الشّيء الّذي يكون أحد جانبيه حسناً والآخر قبيحا، أو يجمع بين الخير والشّر: صَابِرْ منَ الله وِصابِرْ منَ الشَّيْطان. أو صابِرْ مِنَ الله وِصابِرْ منْ حمارْ, أو صابِرْ من بنيْ آدمْ وصابِرْ مِنْ حمار. وشاعت كلمة صابر اسماً لصفحة وجه الإنسان أو لكلّ جانبٍ من جانبيه حتّى صار الصّابر اسم ذاتٍ له، والجمع: صَوابِر، ولا نقول: صابِري الإنسان بل صَوابِره لِقلّةِ استعمال المثنّى عندنا . ومنَ الأمثال قولهم: «الوَجَعْ بالصَّوابِرْ وِطَرِيْق الحَلقْ سابِرْ». والسّابر: الصّالح, ويقال المثل فيمن يكون مصاباً بالبرد والزّكام ولكنّ شهيّته مفتوحة، وفي كلّ حالةٍ مشابهة. وجاء في الأمثال اليمانية: «إِذا جَاكْ الخاطِبْ نِصَّ اللَّيْلْ عِسّ صابِرِهْ», يقال في الحثّ على تزويج النّساء دون حرصٍ على الشّروط غير شرط الإسلام فحسب، إذ يكفي أن تعرف أنّه مسلمٌ بلمس صَابِره للتّأكّد من أنّه ليس يهوديًّا له سوالف منَ الشّعر ـ زنانيرـ يرسلها على صَوابِره؛ أي على جانبي وجهه, وجاء فيها أيضا:«لا خَلْق وَلا خُلُقْ وَلا صَوابِرْ مِلاحْ», وكذالك قولهم: « لطمَ الصّوابِرْ اسلاف»، أي: ديون. ومنَ التّقاليد الاجتماعيّة، أنّ الملْطَام على الصّابر من رجلٍ لآخر يعدّ من أكبر الجرائر حتّى ليصبح الرّدّ بالطّعن مُسَوَّغاً إذا هو حدث، لأنّ هذا الملْطَام «كسرٌ للنّاموس والشّرف» ولا يصلحه إلّا الرّدّ العنيف، أو (الهَجَر٭) الكبير والاسترضاء التّامّ. تعريف-3: الصَّبَرَة ـ بفتحاتٍ ثلاث ـ منَ الأدوات الحديديّة: العَتَلَة الّتي تُهدُّ بها الأبنيةُ وتُقلع بها الصّخور، وهي ذلك القضيب الحديديّ الطّويل والقويّ الّذي يستطيع به الإنسان أن يقلع منَ الأرض صخرةً بأضعاف وزنه رافعاً لها على أحد جانبيها، وبالصِّبار ـ جمع: صَبَرَة ـ يستطيع النّاس وبطرقٍ يعرفونها أن يقتلعوا أضخم الصّخور وأن يُقَلِّبُوها بعيداً إلى حيث يريدون, وبالصّبَرة كانوا يثقبون في الصّخور ثقوباً عميقةً تسمّى المغارات ثمّ يعبّئونها بالبارود، ويدكّ صانع المغارات ذلك البارود بأسفل الصَّبَرَة المدوَّر دكًّا حتّى يصبح داخل ذلك المغار الّذي يبلغ عمقه ذراعاً أو ذراعاً ونصفا وكأنّه الصَّخر، ثمّ يخترق ذلك العمود منَ البارود داخل الثّقب بالسّنّارة الّتي يستلّها فتترك ثقباً إلى قعر المغار، ثمّ يذرّ فيه باروداً ناعماً ذرّا، ثمّ يمدّ خيطاً من هذا البارود إلى مسافةٍ بعيدةٍ عنِ المغار، وبعد ذلك يشعل طرف هذا الخطّ ويجري هارباً ليختبئ، فتسري النّار في خطّ البارود حتّى تصل إلى المغار فتندفع في ثقب البارود المذرور، وحينها ينفجر المغار محطِّماً للصّخرة مهما كانت عاتية، وكان عمل المغار يستغرق يوماً كاملاً منَ الصّباح حتّى الأصيل حيث يُفجّر، فأين نحن اليوم من هذا الجهد أمام ثقّابة الصّخور الآليّة وأصابع الدّيناميت. وكانت الصَّبَرة في بيوت معظم المزارعين إذ لا غَناء عنها في أرضنا الصّخريّة لزراعةٍ أو لبناء، وهي فعّالةٌ في حياتهم لأنّ الفرد يعمل بها عمل مجموعة، ولهذا يقولون في أمثالهم «صَبَرَهْ ولا عَشَره». تعريف-4: الصُّبْرَة ـ بضمٍّ فسكون ـ من حلية النّساء: دائرةٌ مزخرفةٌ منَ الذّهب أو الفضّة فيها بعض الفصوص، وعلى حافاتها نمانم، وتلبسها المرأة مدلّاةً وسط الجبين, وجمعها: صُبَر. تعريف-5: المُصَبَّر، منَ المكاييل: (الثُّمْنَة) الخشبيّة المقوّاة بأطواقٍ منَ الحديد تحيط بحافتها فلا تتآكل فتنقص، وتطوّقها أحزمةٌ حولها فلا تحطّمها الأيّام، وعثر في بلاد حجّةَ على مكيالٍ مُصَبَّرٍ من هذا القبيل، يعود إلى عهد ما قبل الإسلام وعليه كتابةٌ مسنديّةٌ لم تتح لي قراءتها. وممّا يتندّرون به على المتنبّئين بالكنوز الأثريّة أنّ الهاتف الموحي بهذه اللّقايا وهو منَ الجنّ أتى إلى أحدهم ليلاً فقال له: «سِعْدْ مَنْ شَلَّها، قُوْمْ وِبَكِّرْ لها، سِيْرْ وِارْحَلْ لها، لا قُبال الجَبَلْ، ذِيْ مُقابل لها، جَنْبْ ذِيْ جَنْبَها، فَوْقْ ذِيْ تحْتَها، تَحْتْ ذِيْ فَوْقَها … ألفْ مَحْلـِيْ وألف خَنْجَرْ، وألفْ كَيْلهْ بالمُصَبَّرْ، من ذَهبْ أصْفَر وأحْمَرْ، مِنْ زَمان مِنْ عَهْدْ حِمْيَر..» وفي هذا الكلام سخرية ٌـ كما هو واضحٌ من حيث تحديد المكان بحيث لا يمكن الاهتداء إليه، وكلمات (ذِيْ) فيها بمعنى: الّذي.


المعجم اليمني في اللغة والتراث بواسطة: أرشيف اليمن twitter