المعجم اليمني

صنع

ص ن ع

تعريف-1: أهمّ دلالات مادّة (ص ن ع) في اللّغة اليمنيّة القديمة، هي دلالتها ـ بمشتقّاتها المختلفة ـ على: الحَصانَةِ والتَّحْصِين والتَّحَصُّن، فهي مرادفةٌ في هذا للدّلالات الّتي لمادّة (ح ص ن) في المعجمات؛ وفعلُها اللّازم: (صَنُعَ المكانُ يَصْنُعُ) مماثلٌ للفعل ـ حَصُنَ يَحْصُنُ وزناً ومعنى، والمزيد ـ بتضعيف النّون ـ المتعدّي: صَنَّعَ فلانٌ المكانَ يُصَنِّعُه، مماثل لحَصَّنَه يحَصِّنُهُ، والمزيد اللّازم: تَصَنَّعَ يَتَصَنَّعُ مماثلٌ لتَحَصَّنَ يَتَحَصَّن؛ والصِّنْعُ في نصوص المسند: الحِصْن، والصَّنِيْعُ: الحصين، والصَّنْعاءُ: الحَصِيْنَةُ، والمَصْنَعَةُ: مَفْعَلة منَ الحصانة وتجمع على مصانع… إلخ. وفي نصوص المسند، ورد عددٌ منَ الصّيغ الفعليّة والاسميّة المشتقّة من هذه المادّة ـ صَنَعَ ـ بهذه الدّلالة، وقد ذكر (المعجم السّبئيّ: 143) كثيراً من هذه الصّيغ كما وردت في النّصوص المسنديّة، ولكنّ شرح واضعي المعجم لها، جاء على أساس استنتاج المعنى من خلال السّياق، ولاشكّ أنّ شرح المفردة اللُّغويّة من خلال سياقها الإنشائيّ في نصٍّ له مضمونه العامّ، يفتح المجال لشرحها بما يناسب المضمون العامّ، ويتناسب مع دلالتها في السّياق المتفرّع من عموميّة مضمون النّصّ ومع سياقها فيه، وهذا قد يؤدّي إلى الابتعاد بالمفردة عن دلالتها الأصليّة الّتي لها أصلٌ في جذرها الأوّل والدّلالات المباشرة له ولِما يشتقّ منه . وكمثالٍ لهذا الشّرح للمفردات باستنتاج معانيها من سياقاتها، وما يؤدّي إليه من ابتعادٍ للكلمة عن دلالتها الأصليّة المباشرة… نشير إلى شرح المعجم للصّيغة الّتي وردت من هذه المادّة ـ (ص ن ع) ـ في النّصّ المسنديّ (جام:585) الّذي يدلّ على أنّه كان لمادّة (ص ن ع) في اللّغة اليمنيّة القديمة تصريفاتٌ تربو على ما لمادّة (ح ص ن) في المعجمات من تصريفات، فقد كانوا يقولون قديما: أَصْنَعَ القومُ أسيرَهم يُصْنِعُوْنَه؛ أي: اعتقلوه أسيراً في صِنْعٍ صَـنِيعٍ أو مَصْنَعَةٍ صنعاء، فهو لا يستطيع فرارا، وأنصارُه لا يستطيعون إليه وصولا، ولا له فكاكا؛ وليس في المعجمات: أحْصَنَ يُحْصِنُ، بهذه الدّلالة على الأسر والاعتقال في حصنٍ حصين, أمّا واضعو (المعجم السّبئيّ)، فقد شرحوا صيغة أَصْنَع الّتي جاءت في هذا النّصّ ـ (جام:585) ـ بثلاث كلماتٍ منَ المعجمات العربيّة هي: (حَبَسَ).. (حَصَرَ) .. (ضيّق)، فابتعدت صيغة أَصْنَع عن دلالتها المباشرة كصيغةٍ مشتقّةٍ من مادّة (ص ن ع) المرادفة تماماً لمادّة (ح ص ن) في الدّلالة على الحصانة والامتناع، وخلوّ الشّرح في المعجم المذكور من أيّ صيغةٍ من صيغ مادّة (ح ص ن) المرادفة لـ (ص ن ع)، أدّى إلى الابتعاد عنِ الدّلالة الأصليّة لهذه الأخيرة، وعدم وجود صيغة (أَحْصن ـ بهذه الدّلالة) لا يُعْفِي منَ القول في شرح (أَصْنَعَ): « حبَسَ أحداً في مكانٍ حصين » … إلخ، و لم آخذ على واضعيه إهمال بعض الصّيغ مثل: المصانع … إلخ, هذا عن بعض ما جاء في (المعجم السّبئيّ). تعريف-2: مادّة (صَنَّع) بمعنى: حَصَّن، و(تَصنَّع) بمعنى: تحصَّن.. مادّةٌ لُغويّةٌ قديمة، لها ذكرٌ واضحٌ بهذه الدّلالة في عددٍ منَ النّقوش المسنديّة. وبقيت في لغتنا العربيّة بهذه الدّلالة، وإن هي تشوّشت في المعجمات والقواميس بكثرة (القلقلة) فيها؛ أي قولهم: قيل فيها كذا .. وقيل: كيت .. وقيل: كذا وكذا.. وكيت وكيت. وبقي لها ذكرٌ في لهجاتنا المحكيّة حتّى اليوم، ولكن من حيث الأسماء ودلالاتها، وليس من حيث الأفعال وصيغها. ولهذا أورد لمحةً عنها كما جاءت في نقوش المسند، وكما بقي استعمالها في لغتنا العربيّة وشرح القواميس لها، ثمّ أختم ذلك بما بقي لها من ذكرٍ في لهجاتنا حتّى اليوم. أوّلاً صَنَّع: في نقوش المسند: جاءت في النّقوش صيغة الماضي (صَنَّع) مزيدةً بتضعيف النّون ـ على الأرجح ـ لإفادة التّعدية، فالنّقوش تقول: إنّ فلاناً بن فلانٍ قد صنَّع حصنه المسمّى كذا أو مصنعته الّتي تسمّى كيت وبنى له أو لها منَ المرافق ما يكفي لكي تكون مصنّعةً يتصنّعون فيها منَ العدو؛ وانظر في ذلك النّقش( RY 507/508) مثلاً، والّذي يقول: إنّ الملك يوسف أسأر يثأر، قد صنَّع سلسلة جبال المندب، ترقّباً لعودة الأحباش, (ريكمانز: 507/508). وجاءت في النّقوش صيغة المصدر من صَنَّع يصنِّع وهي صيغة (تَصْنِيْع)؛ أي صنَّع يصنِّع تصنيعاً كما في النّقش (جام:1028): ولا صنْعَ إلّا المشرفيُّ المهنَّد أي: لاحصن إلّا السّيف, والشّاهد لأعشى همدان في معجم البكريّ. وجاءت في النّقوش صيغة (تَصَنَّع) و(اسْتَصْنَع) وكلاهما بمعنى تحصَّن، وللجمع (تصنّعوا) و(استصنعوا) كما في النّقش: )سي /541/c) الّذي يقول فيه أبرهة في نقشه الطّويل: «.. أمّا الأقيال الّذين تصنَّعُوا منه في مصنعة (كدور) فقد وردوا إليه مسالمين..». واستصنعوا جاءت في نقش (حصن الغراب) الشّهير الّذي يقول فيه (سميفع اشوع) إنّه ومن معه من الأقيال قد استصنعوا في حصن ماوية، وانظر: (جام 577، 644، 577). وجاءت في النّقوش صيغة (التَّصَنُّع) وهي المصدر من تصنَّع فلانٌ يتصنَّع تصنُّعا، كما في النّقش (إريانيّ:76) حيث يقول أصحابه من خولان الشّام: إنّهم مع حلفائهم قد اتّفقوا على التَّصَنُّع امتناعاً ومقاومةً للأحباش, وانظر أيضاً (جام:644). وجاءت في النّقوش صيغةٌ خاصّةٌ منَ النّاحية الصّرفيّة والنّحويّة لأنّها تجعل المجرّد اللّازم (صَنُعَ المكان) متعدّياً بزيادة ألفٍ في أوّله بدلاً عن تضعيف نونه؛ أي: إنّ النّقوش تقول: أصْنَعَ فلانٌ فلانًا فتصنَّع؛ أي حاربه حتّى أعاده على عقبيه وألجأه إلى التّصنّع والتّحصّن في حصن كذا أو مصنعة كيت؛ انظر (جام:585). وقد أورد (المعجم السّبئيّ) صيغة (أصنع) هذه أو (هَصْنَع) حسب القواعد الصّرفيّة للهجة النّقوش، وشرحها بأنّها تعني (حَبس) و(حصر) و(ضيَّق), وهذا في الواقع شرحٌ للكلمة بحسب مفهومها منَ السّياق، وليس بحسب صيغتها ودلالتها الأصليّة، ومع أنّ غاية المعجمات لُغَوِيّة أوّلاً أنّ تهتمّ بمنطوق الكلمة ودلالتها الأصليّة، فإنّه إذا كان السّياق يوحي بدلالةٍ جديدةٍ لها، يكون منَ الواجب أن تشرح بعبارةٍ تحتوي على صيغةٍ من منطوقها اللّفظيّ بدلالته الأساسيّة. وللتّوضيح فإنّ شاهد واضعي (المعجم السّبئيّ) هو نقش (جام: 585) المشار إليه ونصّه يقول: «إنّ فلانًا وفلانًا يحمدان إلههما الّذي أعاد والدهما بسلامٍ من مهمّةٍ انتدبه لها الملك ضدّ الأحباش ولكنّ الأحباش تمكّنوا منه فأصنعوه في مدينة السّواء لمدّة بارقٍ وخريفين، وكادوا له بالسّحر فمرض مرضاً شديدا، ولكنّ الإله نجّاه وأعاده بسلام … إلخ». فالأحباش هنا أصنعوه وهذا تعبيرٌ كان جائزاً في القواعد اللُّغويّة الأقدم، وكان الأولى لتجنّب استعمال صيغة أصْنع أنّ يكون الشّرح هو: إلجاؤه إلى التّصنّع؛ أي: التّحصن ليبقى المدلول الأصليّ للكلمة لأنّ المعجمات مهمّتها الأولى منطوق الألفاظ ودلالاتها الحقيقيّة الأصليّة، أمّا ا لشّرح بحسب السّياق فعملٌ إنشائيٌّ وليس لُغويّا. ومنَ الصّيغ الخاصّة لهذه المادّة في النّقوش، مجيء مؤنّث صيغة (فَعِيْل) منها على (فَعْلاء)، وفي اللّغة القاموسيّة لم تبق هذه الصّيغة للمؤنّث، فلا يقال مثلا: حِصْنٌ حصينٌ وقلعةٌ (حَصْناء) بل نقول قلعةٌ حصينة، أمّا القواعد الأقدم فكانت تُجيز صيغة تأنيث (فَعيْل) على (فعلاء) فكانوا يقولون مثلا: حصنٌ صَنِيْع، ومَصْنَعةٌ (صنعاء) أو مدينةٌ (صنعاء) ومن هذه الصّيغة صنعاء التي قَصَرَتْها المعجمات على وصف المرأة، جاء اسم عاصمة اليمن التّاريخيّة (صنعاء) لأنّها عزيزةٌ (حصناء)؛ أي حصينةٌ منيعةٌ على الأعداء. والمصنعة في نقوش المسند هي البلدة أو القرية المحصّنة بالشّواهق أو التّسلّخات الصّخريّة كأيّ حصنٍ منَ الحصون, ولكنّ ما كان ضيّقًا لا يحتوي إلّا على بضعة بيوتٍ هو الّذي كان يسمّى (صِنْعاً) أو (حصنًا) أمّا ما كان حصينًا وهو واسعٌ يضمّ قريةً أو بلدةً أو بيوتًا عديدةً مع مرافقَ واسعة، فإنّه يسمّى (مَصْنَعة) كما نعرفها اليوم، ويجمع على مصانعَ كما نفعل أيضا، وقد ذكرت النّقوش عدداً من المصانع،أمّا الجبل ذو القمّة المحصّنة وليس بمسكون وإنّما يلجؤون إليه عند الخوف، فهو: عُرٌّ. والخلاصة أنّ مادّة (صنع) واضحة الدّلالة في النّقوش على الحصانة والمناعة، ومنَ الاستنتاج المنطقيّ أنّ نقول إنّ أصله الثّلاثيّ المجرّد اللّازم كان من باب (كرُم يكْرُم)؛ أي إنّهم كانوا يقولون: صَنُع الصِّنْع، أي: الحصن يَصْنُع صِنْعَةً فهو صَنِيْعٌ ومؤنّثُه صنعاء، أو لعلّهم كانوا من قبيل التّفخيم والإطراء يصفونه بصيغة (أفعل) الّتي للتّفضيل من نفس المادّة فيقولون:صِنْعٌ أصنع، مثل: وادي أفيح. أمّا المزيد المتعدّي منَ المادّة فكان بتضعيف النّون منها، سواءٌ كان المكان هو المقصود بالإسناد أو الإنسان، وفي النّادر بزيادة الألف في أوّله إذا أسند الفعل من إنسانٍ إلى إنسان, أمّا إذا كانت التّعدية بحرف الجرّ(في) فإنّ الزّيادة تكون بالتّاء وبتضعيف النّون كما سبق. ثانياً، صنع: في المعجمات: بقي لمادّة (صنع) المدلول المسنديّ نفسه عند بداية سيادة لهجات شَمال الجزيرة، فقد جاء في الشّعر الجاهليّ قول لبيد: بلينا وما تبلى النّجومُ الطَّوالِعُ وتبقى الدّيارُ بعْدَنا والمصانِع فالمصانع هي منَ الدّيار ولكنّها الدّيار الحصينة؛ أي بمنطوق ومفهوم النّقوش، وإن لم يشرحه اللُّغويّون بهذا المعنى مباشرة. أمّا بعد ذلك وفي فجر الإسلام، فيكفي ورودها في القرآن بالمنطوق نفسه وبالمفهوم نفسه، وذلك في قوله تعالى: ﭽ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮﭼ [الشّعراء]. وتعليل اتّخاذ المصانع بعلَّة الرّغبة في الخلود، هو شرحٌ وافٍ لدلالتها يغني عن كلّ توضيح. أمّا في القواميس فلا أدري لماذا تكثر (القلقلة)؛ أي ترديد قيل فيها كذا وقيل كيت.. وقيل كذا وكذا، وقيل كيت وكيت … إلخ, وبذلك تضطرب الكلمات، وتتشوّش معانيها، ويلقى على دلالاتها ظلالٌ منَ الشّكّ وأحيانًا منَ الإبهام، حتّى ولو أنّ الدّلالة الصّحيحة للكلمة واردةٌ من خلال هذه القلقلة المقلقة. ففي لسان العرب وتاج العروس، وهما من الأمّهات الكبرى في اللّغة، نجدهما حينما يدنوان من هذه الدّلالة يبتعدان عنها، ففي اللّسان جاء ما يلي: «… والصِّنْعُ: الحوضُ، وقيل: شِبْه الصّهريج، وقيل: خشبةٌ يُحبَس بها الماء والجمع: أصناع، والمصنَعة: كالصّنع. والمَصَانِع أيضا: ما يصنعه النّاس منَ الآبار والأبنية وغيرها, ويقال للقصور أيضا: مصانع, وفي التّنزيل: ﭽ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮﭼ؛ المصانع في قول: الأبنية، وقيل:هي أحباسٌ تتّخذ للماء، وقيل: هي ما أُخذ للماء, وعن أبي عمر أنّه قال: الحبس مثل المصنعة, والمصانع هي مسكاتٌ لماء السّماء يحفرها النّاس. وقال الأصمعيّ: العرب تسمّى القرى مصانع, والمَصْنَعَة والمصانع: الحصون, قال ابن برّيّ: شاهده قول البُعيث: بنى زيادٌ لذكر الله مصنعةً منَ الحجارة لم تُصنع منَ الطّين و الصِّنْع: الحصن, والمصانع: مواضع تُعزل للنّحل منتبذة، واحدتها: مصنعة. وينتقل بعد ذلك إلى معنًى آخر من معاني (صنع) ولكن بعد دوّامةٍ مربكةٍ منَ الكلام, ولم يزد في (التّاج) عمّا جاء في (اللّسان) ولهذا فإنّه يكفي هنا ملاحظة ما يلي: 1 ـ هنالك خلطٌ بين (الصِّنع) وجمعها (أصناع) وبين (المصنعة) وجمعها (مصانع). 2 ـ لم يأتِ فيما أتى عن هذه المادّة ومدلولها، ولا فعلٌ واحد، مثل صَنَّع يُصَنِّع، بمعنى: حصّن يحصّن, ولا تَصَنَّع يَتَصَنَّع، بمعنى: تحصّن يتحصّن. وكأنّ هذه المادّة ليس منها إلّا اسمان وجمعهما، وهما الصّنع والأصناع والمصنعة والمصانع. 3 ـ لاحظ عبارته الّتي تقول: والمصانع أيضا: ما يصنعه النّاس منَ الآبار والأبنية وغيرها, فقوله: (ما يصنعه النّاس) بعد كلمة (المصانع) توحي بأنّه يتوهّم أنّ جذر المصنعة هو من صَنَعَ بمعنى عمل، والأمر ليس كذلك, فصنع بمعنى: عمل، والّتي هي الأصل عنده هي بفتحتين وزنها (فَعَل يَفْعَل) من باب (فتح يفتح) وهي فعلٌ متعدٍّ في حالته الثّلاثيّة المجرّدة وفي مزيده أيضا، أمّا المصانع فإنّ جذرها الثّلاثيّ هو الفعل صَنُعَ المكان يَصْنُع، من باب (كَرُم يكرمُ) وهو لازمٌ لا يتعدّى إلّا بالزّيادات مثل: صَنَّع يصنِّع؛ أي:حصّن، وأصنع؛ أي: أحصّن؛ أي: ألجأه إلى التّصنُّع, ولا علاقة بين الفعلين. 4 ـ إنّ المرادف الّذي يشرح الجذر (ص ن ع) هو الجذر (ح ص ن) ولم يأتِ ما ينصّ على ذلك فيما أوردناه سابقًا من كلام اللّسان ولا غيره منَ القواميس . 5 ـ عبارته القائلة: المصنعة والمصانع: الحصون, هي خير ما جاء في كلامه وأقربها إلى الدّلالة المطلوبة، لولا خطأٌ في جعل الحصون خبراً للمصنعة كما هي خبٌر للمصانع وفي هذا عدم تطابق، وكان الأولى أن يقول: المصنعة: الحصن، والمصانع: الحصون، وعبارته عنِ الشّاهد على ذلك من شعر البُعيث، تدلّ على أنّ في المسألة إبهاماً وغموضاً كأنّ لا شاهد عليها إلّا بيت البعيث. وبالمناسبة فإنّ في رواية البيت خطأً فيما أعتقد، فالمصانع لا تبنى لذكر الله, ولعلّ الأصل فيه: بنى زيادٌ لغير الله مصنعة … إلخ, وأظنّني قرأتها بهذا اللّفظ في مصدرٍ آخر غائبٍ عنِ الذّهن, وأظنّ أنّ هناك خطأً آخر في شرح كلمة المصانع مرّةً بأنّها: ما أُخذ للماء، ولعلّ الصّحيح: مآخِذُ للماء، جمع مأْخَذ, ولعلّ الخطأ منَ النّاسخ. ثالثًا صنع: في لهجاتنا: وأهمّ ما بقي من مادّة (صنع) على ألسنتنا حتّى اليوم، هو اسم (المَصْنَعَة) و(المَصانِع) وما شابهها. فنحن نطلق على المكان الواسع المدوَّر إذا كان حصيناً في رؤوس الجبال: مصنعة، والجمع: مصانع, ومنَ الأهازيج الّتي تكون عادةً من بيتين، قال عليّ ناصر القردعيّ أهازيجَ كثيرةً بعد فراره منَ القصر منها: يا ذِيْ المَصانِعْ ذِيْ بَدَيْتِيْ ما شِيْ عَلى الشَّارِدْ مَلامَهْ قُوْلِيْ لِيِحيى بِنْ محمّد با نِلْتَقـِيْ يَـوْمَ القِيامَـهْ ذي الأولى: اسم إشارة, والثّانية: اسمٌ موصولٌ بمعنى الّذي أو الّتي, وما شِي: لا شيء على الشّارد منَ اللّوم. وبعد أن اشترك في قتل الإمام يحيى قرب بلدة (حِزْيَز)، قال مجهولٌ على لسان القردعيّ: يا ذيْ المَصانِعْ ذِيْ بَدَيْتِيْ ما شِيْ على الشّـارِدْ إذا فزْ قُولِي لِيَحْيى بنْ محمّد با نِلتقِيْ في قَاعْ حِزْيَزْ وقد استبعدت نسبة من ينسبها إليه، حيث إنّ القردعيّ لم يعلم بمكان تنفيذ عمليّة اغتيال الإمام يحيى، إلّا في اليوم الّذي نفّذت فيه العمليّة، ولكنّ مسألة أن تكون له ممكنة؛ إذ إنّ الشّعراء المبدعين كالقردعيّ، يرتجلون الشّعر في صميم الموقف، وقد يكون ارتجلها وهم خارجون إلى (قاع حزيز) وأسمعها بعض زملائه ممّن نجوا فرواها عنه وشاعت في النّاس. أمّا القلاع والحصون الواسعة بل القرى والبلدان الّتي يطلق على كلّ واحدةٍ منها اسم (المصنعة) فكثيرةٌ يميّزون بينها بإضافة كلّ واحدةٍ إلى اسمٍ بعدها قد يكون اسم القبيلة أو الأسرة الّتي تسكنها وقد يكون اسم مَعْلَمٍ بارزٍ قريبٍ منها كجبلٍ مشهورٍ أو وادٍ أو مدينة. وقد ذكر القاضي العلّامة محمّد بن أحمد الحجريّ في كتابه (معجم بلدان اليمن وقبائلها) عشراً منها ولم يتعمّد الاستقصاء، ويمكن لأيّ واحدٍ أن يضيف إليها من منطقته على الأقلّ أو من مناطقَ مختلفةٍ حسب علمه. وقد أضاف الأستاذ إبراهيم المقحفي عدداً كبيراً منَ الأسماء البلدانيّة المشتقّة من مادّة (صنع) بمعنى (حصين) بصيغها المختلفة، فبلغ ما أحصيته خمسين اسماً دون استقصاء نهائيّ؛ وهذا أمر يؤكّد الخصوصيّة اليمنيّة الّتي سبق الحديث عنها في مادّة (ر ي م). ولا شكّ أنّ اختفاء صيغها الفعليّة ومشتقّاتها، يقدّم عذراً للُّغويّين، وخاصّةً المتأخّرين منهم، ولكنّي على يقينٍ أنّ المادّة بمختلف صيغها كانت لا تزال شائعةً على الألسنة في اليمن في أثناء المرحلة المبكّرة منَ التّدوين اللُّغويّ، ولكنّه لحقها ما لحق غيرها منَ الطّرح والإهمال، وأعتقد أنّه لولا ورود كلمة (مصانع) في القرآن الكريم لكان هذا الاسم ومفرده (المصنعة) قد اختفيا أيضاً منَ القواميس. تعريف-3: مادّة (صنع) تأتي منها في لهجاتنا دلالة أخرى، فأفعالها مضعّفة النّون تستعمل، وتدلّ على الاستخفاف والاستهانة وعدم المبالاة بالتّهديد. فإذا هدّد شخصٌ فإنّ من وقع عليه التّهديد يقول: «صنَّعتك رجلي» أو «صنَّعتك الحذا» أو «صنَّعتك الطّريق»؛ أي:إنّي لا أُبالي بكَ ولا بتهديدك ولا أخاف منك, وفي هذه المادّة فعلٌ آخر يدلّ أيضاً على الاستخفاف بمن يعمل عملاً معتاداً ويعتدّ به, فيقال في هذا: «الله لا صنَّعَك»؛ أي: إنّ هذا عملٌ سهلٌ ومُيَسّرٌ ويمكن أن يقوم به أيّ إنسان. ويقال أيضاً لمن يترك العمل الصّعب ويقوم بالعمل السّهل: أمّا العمل الّذي قمت به فالله لا صنَّعك هلّا قمت بالعمل الآخر؟! ويقال لمن ينكص عن مواجهة الخصم، ويمعن في إيذاء الخصم الضّعيف: « الله لا صَنَّعك ما حيْرَك٭إلّا على الضّعيف هلّا أقدمت على فلان »؟! ولا ندري ما أصل دلا لة صَنَّعَ هنا؟؟.


المعجم اليمني في اللغة والتراث بواسطة: أرشيف اليمن twitter