المعجم اليمني

عصي

ع ص ي

تعريف-1: عُصُوُّ الرَّقبة، هو: قوّتها ومتانة تكوينها. فالرّقبة العاصيةُ، هي: السّميكة الجاسية الّتي لا تلين لمن يجرّها ويقتاد صاحبها منها. يقال: رقبةٌ عاصيةٌ ورقابٌ عاصيةٌ أيضاً. فالعُصُوّ اسمٌ مادّيٌّ لهذه الصّفة في الرّقاب، والعاصية صفةٌ حسّيّةٌ لها. أمّا المجاز، فإنّ عاصي الرّقبة هو: القويّ المتمرّد الّذي لا يلين قياده كأنّ رقبته سميكةٌ جاسيةٌ قويّةٌ لا تُلوى ولا تُثنى بالقوّة حتّى ولو لم تكن رقبته كذلك في الواقع الحسي. والرّجال أهل الرّقاب العاصية: مثل ذلك. ومن هذا وصفهم للقويّ بعاصي الرّقبة. وفي الحكاياتِ الشّعبيّة البسيطة، يتّهمون أهل بلدةٍ بالجبن من باب تبادل المماحكات بين البلدان والقرى، فيروون أنّ سبعةَ رجالٍ من سكّان هذه البلدة حَكَوا عن مغامرةٍ لهم يقولون فيها: نحن سبعةٌ من بلدة كذا، خرجنا للسّفر وقت الظهرْ بلا مُؤانسْ، وفي الطّريقْ لقينا الأرْنَبَهْ بنت عمّ الأسدْ، ولكنْ من الألطافْ أنّها خَيَّبَتْ ـ أي نكصت فارَّةً ـ ولو كانت صَوَّبَتْ بمقْدارْ ما خيَّبَتْ، ما خَلَّتْ منّنا ولا عاصِي رَقبة؛ أي: لو كانت هاجمت بقوّة فرارها لما أبقت منّا ولا بطلاً منَ الأبطال, ومنَ الأهازيج ما يفاخرون به فيقولون: وِاحْنا مذِلِّيْنَ الرِّقاب العاصيهْ وفي الجزائر يستعملون عاصي بمعنى : صلبٌ وقاسٍ، وصعبٌ لا يطاوع.


استطــراد: عملاً بالقاعدة اللُّغوية الّتي تقول: إنّه إذا كان للكلمة دلالتان إحداهما حسيَّةٌ والثّانية معنويّة، فإنّ الدّلالة الحسيّة هي غالباً الأصل الأقدم، والدّلالة المعنويّة هي الفرع الحادث عن هذا الأصل. فإنّه يبدو أنّ الاسم (العِصُوّ) والصّفة (العاصية ـ الرّقبة العاصيةـ) هي الأصل الحسيّ الأقدم ولكنّها لم تبق إلّا في لهجاتنا اليمنيّة، وكانت صفةً تختصّ بالرّقبة وتقتصر عليها، ثمّ أهملت في لغتنا القاموسيّة، ولكنّه بقي منها الفرع ذي الدّلالة غير الحسيّة المحدّدة، وهو (العصيان) الّذي هو: ضدّ الطّاعة. ومن غريب المصادفات، أنّ المثل الّذي يحضرني للتّدليل على هذه الآليّة اللُّغويّة في مجيء المعنويِّ منَ المادّي، هو كلمةٌ تؤكّد أيضاً العلاقة بين غلظ الرّقبة وقوّة تكوينها، وبين المعنى المشتقّ منها وهو العصيان والتّمرّد والخروج عنِ الطّاعة. والكلمة هي من مادّة ( ق س د) الّتي تأتي منها صيغةٌ تدلّ على معنًى حسّيٍّ هو: غلظ الرّقبة وقوّتها. وتأتي منها صيغٌ بمعنى عصى وعاصٍ وعصيان. وهذه الكلمة ( ق س د) ومشتقّاتها ليست في لهجاتنا، بل هي مشتركةٌ بين لغتنا العربيّة المسنديّة القديمة، ولغتنا القاموسيّة كما نتكلّمها اليوم. والدّلالة الحسيّة لمادّة (قَسَد) والدّالة على غلظ الرّقبة ومتانة تكوينها، لم تصلنا من خلال ما لدينا حتّى الآن من لغة النّقوش المسنديّة وهو قدرٌ محدودٌ جدًّا بمحدوديّة النّقوش المسنديّة وما عرف لنا منها، وإنّما جاءت في النّقوش المسنديّة، دلالتها المعنويّة على العصيان وعدم إسلاس القياد، فجاء في النّقوش الفعل (قَسَد/جام577 و/سي541) ومعناه في النّقشين المشار إليهما: عَصى وتمرّد. وجاء اسم الفاعل (قاسد/ ري 510) ومعناه: عاصٍ ومتمرّدٍ وثائر. وجاء اسم الحالة والمرّة وهو (قَسْدَة/ جام 577 و / جام 667) ومعناه: ثورةٌ وتمرّد. أمّا دلالة مادّة (قَسَدَ) على معناها الحسيّ الأصليّ الأقدم، وهو: غلظ الرّقبة فهو ما بقي منَ المادّة في لغتنا القاموسيّة وإن كان منَ الألفاظ المماتة أو الّتي لم يشع استعمالها. فقد جاء في (لسان العرب) و (تاج العروس) و (التّكملة) تحت الجذر (ق س د) قولهم: «… (القِسْوَدُّ) منَ النّاس هو: الغليظ الرّقبة القويّ»، واستشهدوا لهذا بقول الرّاجز: ضَخْمُ الذَّفارَى قاسِياً قِسْوَدَّا وهكذا نرى كيف تأتي الدّلالة المعنويّة مِنَ الحسيّة، ونرى بمصادفةٍ غريبةٍ العلاقةَ بين غلظ الرّقبة ومتانتها، وبين العصيان وعدم إسلاس القياد، وذلك ليس في مادّة (ع ص ي) فحسب، بل وفي مادّة ( ق س د) أيضاً. وصيغة القِسْوَدّ هي للمبالغة، والأصل (قاسد) مثل (عاصي). وانظر مادّة (غ ل ب) فهي شبيهةٌ بمادّة (ع ص ي) من حيث دلالتهما الحسيّة الأصليّة ثمّ ما أصبح لهما من دلالةٍ معنويّةٍ. وفي لهجاتٍ من لهجاتنا, يقال للعصيان: العُصوان, ومنه المثل: « كُثْرَ الدَّلَعْ يِرِّثَ العُصْوان », ورغم أنّه لا يوصف بالعصوّ إلّا الرّقبة، إلّا أنّ صيغة عاصي تأتي في الشّعر فحسب صفة لـ (القرن) فيقال قرن عَصِي, قال حسين بن أحمد الرّصّاص حينما تعاون مع الإمام وأدخل جيشه إلى البيضاء على كرهٍ وخوف قال الحسينيّ: قرن عاصي بارق برق من تحت راسيْ لوما سَوَّسْ حَبّ الغرارهْ ما كان فكّيت الرّياسيْ يعني أنّ خلافه مع الحميقانيّ هو البارق الذي برق تحت رأسه؛ أي من داخل البلاد, وأنه كان كالسّوس في الحب المحفوظ والمخيط عليه بالرّياس في الغرارة.


المعجم اليمني في اللغة والتراث بواسطة: أرشيف اليمن twitter