المعجم اليمني

قنصع

ق ن ص ع

تعريف-1: القِنْصاع منَ الحجارة والصّخور هو: الطّويل العموديّ المدبّب في حجم الإنسان وأصغر وأكبر قليلا، أمّا ما كان أكبر من ذلك سمكاً وارتفاعاً فهو: القوز وستأتي ـ وجمع القِنصاع: قناصيع. والقِنصاع أيضا: النُّصُب العموديّ من حجارةٍ بعضها فوق بعض. قَنْصَع فلانٌ الحجارة يقَنْصِعها قَنْصَعةً فهو مقنْصِعٌ لها؛ أي: بناها رافعاً منها قنصاعاً عموديًّا على النّحو المذكور. استطــراد: إنّ بعض القناصيع تقام لأغراضٍ معيّنة، فهناك القناصيع الّتي تقام في أطراف المزارع ثمّ تُجعل لها سواعد من أعواد، وتلقى عليها بعض الخرق فتبدو كأطفالٍ أو أشخاصٍ واقفين، فتخيف الطّيور ودوابّ الأرض وتردعها عمّا في المزارع من زرع، وتسمّى عندنا (المَشْعف). انظر: (ش ع ف)، وفي الشّام (الفزّاعة) منَ الإفزاع القاموسيّة، وفي مصر (خيال المآتة) وأصلها (خَيالُ المَقْثأة) والقثّاء يكثر في مصر منذ القديم، ولهذا ذكرٌ في القرآن الكريم باعتباره من خيرات مصر، ويطلق على القثّاء باللّهجة المصرية اليوم اسم (الأَتَّهْ) فقد حوّلوا قافها إلى همزةٍ كما يفعلون مع القاف، وحوّلوا ثاءها المثلّث إلى التّاء المثنّاة كما يحدث كثيراً في اللّهجات العربيّة، وحوّلوا ألف المدّ والهمزة في آخرها إلى تاٍء مربوطةٍ وذلك ما يحدث كثيراً أيضاً في اللّهجات، وبذلك أصبح اسم (خَيال المَقْثَأة) هو (خيال المَأتَّهْ) ثمّ مدّوا الهمزة وخفّفوا شَدَّة التّاء إلى فتحةٍ فأصبح الاسم كما ينطق اليوم هو (خيال المآتة). هذا ما أراه ولعلّ غيري قد سبق إلى هذا الرّأي؛ إذ إنّ هذا هو التّفسير الأقرب لهذا الاسم الّذي طالما أثار تساؤل السّامع أو القارئ له عن أصل معناه. وبعض القناصيع ترفع أعلى من غيرها في الأماكن العالية وبعض القمم الجبليّة الّتي يؤمّها النّاس حينما يخرجون للاستمطار ويؤدّون فيها صلاة الاستسقاء، فالنّاس في بعض المناطق يحافظون على عاداتٍ يرجّح أنّها قديمةٌ وموروثةٌ من ماضي اليمن قبل الإسلام. وذلك أنّهم عند خروجهم للاستمطار، يتوجّهون إلى مكانٍ خاصٍّ لا يأمّونه إلّا لهذه الغاية، ويكون عادةً هو أعلى قمّةٍ جبليّةٍ بجوارهم، وهناك يؤدّون صلاة الاستسقاء ثمّ يضرعون إلى الله تعالى بالأدعية والابتهالات ليغيث البلاد والعباد بالمطر. وفي بعض هذه القمم العالية تجد تلك القناصيع مرفوعةً وهم يبنونها ويحافظون عليها بحكم العادة المتوارثة دون أن يعرفوا لها غايةً محدّدةً غير أنّهم يرون أنّها ممّا يحسن صنعه والمحافظة عليه في هذا المكان المخصّص لهذه الغاية ولا يعرفون لماذا، وإن كانوا يرون أنّ بينها وبين المطر علاقةً ما. وأذكر أنّ أوّل رؤيتي لهذه القناصيع كان في جبلٍ فيه آثار، ففي السّتينيّات صعدت هذا الجبل في رحلة صيدٍ مع بعض الأصدقاء والتحق بنا بعض المواطنين من أهل المنطقة، وعند أسفل أعلى قمّةٍ في هذا الجبل نظرت إلى أعلى فرأيت عدداً منَ القناصيع أثارت انتباهي وهي في تلك الحافة العالية الّتي لا يليها شيءٌ غير صفحة السّماء الزّرقاء. وعبّرت عمّا تبادر إلى ذهني تلقائيًّا فقلت: تلك القناصيع تبدو كأنّها أصابع يد إنسانٍ يتّجه بها نحو السّماء بالدّعاء في ضراعةٍ وابتهالٍ ولهفة. فقال أحد الحاضرين من أبناء المنطقة: هذه قناصيع المطر وعند الاستيضاح عرفت أنّ أهل القرى المجاورة عندما يخرجون للاستمطار الجماعيّ لا يتوجّهون إلّا إلى تلك القمّة، فيأمّونها وهم يبتهلون بالأدعية, وعند وصولهم إليها يؤدّون صلاة الاستسقاء ثمّ يستأنفون الابتهالات، وقد وجدوا ـ هم وآباؤهم وأسلافهم ـ تلك القناصيع هناك فتوارثوا عادّة الحفاظ عليها، ولهذا يوصون الرّعيان الّذين يتردّدون على هذا المكان أكثر من غيرهم بألّا يتعرّضوا لها، بل وبأن يعيدوا بناء ما ينهدم منها، وهكذا استمرّ هذا التّقليد ولا يزال حتّى اليوم. لم تكن القمّة هدفاً لرحلتنا ولكنّي بعد سماع هذه المعلومات توجّهت صاعداً إليها، ولمّا وصلت وجدت ساحةً متّسعةً إلى حدٍّ لا يتوقعه من ينظر إلى القمّة من أَسْفَل، وفي السّاحة وجدت آثار بناءٍ صغيرٍ كان على الأرجح معبداً قديماً للإله (عثتر) إله المطر في تاريخ اليمن قبل الإسلام، ووجدت سبعةً من القناصيع المرفوعة: أربعةٌ في حافة القمّة الشّرقيّة، وثلاثةٌ في حافتها الغربيّة، وكنت في الطّريق إلى القمّة قد فكرت في الأمر وتوقّعت أن أجد عشرةً منَ القناصيع بعدد أصابع اليدين، ولكنّي لم أجد إلّا سبعة. إلاَّ أنَّ الأحجار المتناثرة توحي بإمكان وجود عمودٍ خامسٍ في الجانب الشّرقيّ الّذي فيه الأربعة، وعمودين آخر ين في الجانب الغربيّ الّذي فيه الثّلاثة. وبعد ذلك وجدت مثل هذه القناصيع، وفي مثل هذه القمم، وفي الأماكن الّتي يؤمّها النّاس في الاستمطار. وفي بعض هذه الأماكن رأيت هذه القناصيع تتّخذ شكل عمودٍ حجريٍّ طويلٍ ورفيعٍ منحوتٍ قطعةً واحدة، وليس عموداً من حجارةٍ بعضها فوق بعض، وهذه الأعمدة تلفت النّظر بأنها ليست ممّا يمكن اعتبارها من بقايا بناءٍ لأنّها أعمدةٌ رفيعةٌ غير قويّةٍ ولا حسنة التّشذيب، ولهذا فإنّ غايتها على الأرجح هي نفس ما نرجّحه من غاية القناصيع الّتي تتوجّه إلى السّماء كأنّها أصابع مبتهلة، وفي الغالب يكون في هذه الأماكن الّتي توجد فيها القناصيع بقايا معبدٍ للإله (الشّايم) المحلِّيّ (عثتر)، وفي بعضها يكون المعبد لا يزال قائماً ولكنّه حُوِّر إلى مسجدٍ أو مزارٍ وفي الغالب لا يقصده النّاس إلّا للاستمطار، وهذا من مشاهداتي.


المعجم اليمني في اللغة والتراث بواسطة: أرشيف اليمن twitter