المعجم اليمني

لطط

ل ط ط

تعريف-1: لَطَّ فلانٌ الشّيء بشيء آخر: لَصَقه؛ وصارع فلانٌ فلاناً فَلَطَّ أحدُهما الآخرَ بالجدار يلطُّهُ لطًّا ولَطوطاً ولَطَّةً شديدة، أي ألصقه ضاغطاً له ومضيِّقاً عليه. والْتَطَّ فلانٌ بفلان: جلس أو وقف ملاصقاً له فهو مُلْتَطٌّ به أو ملطوط بشقِّه وجانب جسمه. ويقال في لطّ فلانٌ الشّيءَ بشيء آخر: لَطَّطَهُ به يُلَطِّطِه تلْطِيطاً ولِطّاطاً، لإفادة الإكثار من اللّصق والتّلطيخ. وتَلَطَّطَ فلانٌ يتلطّط تلطّطاً وتِلطّاطاً، أي: تلطّخت ثيابه وأطرافه بما يعمل عليه من نُوْرة أو جِصّ أو طين أو زيت أو أيّ شيء يعتمد عليه فيصير ملطّطاً أو ملطّخاً به، حتّى الجزّار يقال فيه إنّه مُلَطّط بدماء الذّبائح ونحو ذلك. فمعاني هذه المادّة هي: اللّصوق واللّصق والالتصاق والإلصاق، بمختلف الحالات. وليس مستبعداً أن تكون محورة من المادّة المعجميّة (ل ا ط) أي: لاطَ فلانٌ الشّيءَ بشيءٍ آخر، يلوطُهُ لَوْطاً ولِياطاً، أي ألصقه به، أو طلاه به، كقولهم: لاط الحوضَ، أي: طيّنه وملسه. ومن يتأمّل ماد (ل و ط) بأصلها الواوي واليائي في المعجمات اللُّغويّة المرجعيّة الكبرى، فإنّه سيجدها بمختلف الصّيغ المشتقّة منها، تدلّ أوّلّ ما تدلّ على: اللّصق واللّصوق، والإلصاق والالتصاق، مثل مادّة (لطَّ) و(لطّط) في اللّهجات اليمنيّة تماما. والدّلالات الّتي تذكرها المعجمات تبدو بعيدةً عن معنى اللّصق واللّصوق، وهي تعود لمن ينعم النّظر في النّهاية، إلى هذا المعنى ولا تخرج عنه إلّا بعض الدّلالات الّتي جعلتها المعجمات بعيدة، مثل قولهم: لاط، بمعنى: لُعِن، أي طرد من رحمته، مستشهدين على ذلك ببيت انتزعوه مفرداً من قصيدةٍ لعديّ بن زيد العِباديّ يقول فيها عن الحيّة الّتي أغوت حوّاء وآدم: فلاطَها الله إذ أغوت خليفتَه طول اللّيالي، ولم يجعل لها أجلا أي إنّها لا تموت إلّا مقتولة. وقالوا: إنّ لاط هنا، بمعنى: لعن. وإخراج لاط في البيت من دلالتها الأصليّة على اللّصق والالتصاق، ليس إلّا رأياً قال به اللُّغويّون، بينما الواضح أنّ لاط في البيت لم تخرج عن دلالتها الأصليّة على اللّصق والالتصاق، ويزداد الأمر وضوحاً إذا قرئ البيت مع بيت سابق من القصيدة فهما معا يقولان: وكانت الحيّةُ الرّقشاءُ إذ خُلِقَتْ كما ترى ناقةً في الخلق أو جملا فلاطَها الله إذ أغوت خليفته طول اللّيالي، ولم يجعل لها أجلا أي: إنّ الله سبحانه وتعالى عاقبها بحرمانها من قوائمها، وألصقها بالأرض لتصير زاحفةً من الزّواحف الّتي تسير على بطنها لاصقهً بالأرض. ومعلوم أنّ عديّ بن زيد العِباديّ شاعرٌ جاهليّ توفّي نحو عام 35 قبل الهجرة، وفي أيّامه لم تكن لاط يلوط بدلالتها على فعل الفاحشة بين ذَكَرَين .. قائمة في الأذهان .. لا في ذهن عديّ بن زيد ولا غيره؛ إذ إنّ هذه الدّلالة لم تدخل إلى اللّغة العربيّة إلّا بعد أن ذكر القرآن الكريم قصّة نبيّ الله لوط مع قومه في سورة (العنكبوت) ـ خاصّة ـ فشاعت هذه الدّلالة حتّى صار أوّل ما يتبادر إلى الأذهان من لاط يلوط ومشتّقاتها، هو هذه الدّلالة. والمادّة بهذه الدّلالة ليست مشتقّة من لاط يلوط أو يليط بمعنى: ألصق يلصق، بل هي مشتقّة من الاسم العلم للنّبيّ (لوط) أو على الأصحّ من عبارة (قوم لوط) أو (آل لوط) ولا أدلّ على ذلك من أنّنا لو حوّرنا بيت عديّ بن زيد، ووضعنا من اللّهجات كلمة (لطّها) مكان (لاطها) لما خرج المعنى عن أنّ الحيّة أزيلت قوائمها فـ(لُطَّت) بالأرض (لَطًّا)، أي: أُلْصقت إلصاقاً. وأمّا الاسم (لوط) فاسمٌ كنعانيٌّ أو سريانيّ لم يكن له ـ قبل قصّته مع قومه ـ أي علاقة بالكلمة العربيّة (لاط) ـ أو لَطَّ ـ ولا بأيّ دلالة من دلالتها الأصليّة الّتي ليس منها الدّلالة على فعل تلك الفاحشة، لأنّ هذه الدلالة ليست مشتقّة إلّا من اسمٍ سريانيّ لا نعرف ما معناه، ولا ندري من أي دلالة في تلك اللُّغة اشتقّ ليصير اسماً، ومن هذا الاسم طرأت في اللّغة العربيّة، دلالة لاط يلوط والتبست بدلالاتها الأصليّة التباساً شديداً حتّى تغلّبت الدلالة الطّارئة على الدّلالات الأصليّة، وأصبح من الصّعب الحيلولة بين الدلالة الطّارئة وبين أن تكون أوّل ما يتبادر إلى الأذهان. وممّا زاد الأمر سوءاً والتباساً أنّ الدّلالة الطّارئة فيها من حيث الواقع الفعلي شكلاً، مظهر اللّصق والإلصاق، وقد أدّى هذا إلى احتلال الدّلالة الطّارئة، لبؤرة الأذهان مستعصية على الإزالة أو الزّحزحة. وهذا هو ما جعل اللُّغويّين عند شرح بيت عديّ بن زيد، يهربون من اللّصق والإلصاق، إلى اللّعنة والطّرد من رحمة الله، مع العلم بأنّ عديّ بن زيد شاعر نصرانيّ كتابيّ، وللفظ الجلالة عند كامل التّقديس والتّنزيه، ولكن المعنى الطّارئ لم يكن ـ كما ذكرت سابقاً ـ قائماً في ذهنه، فلم يكن في زمنه ممّا يتبادر إلى أيّ ذهن، على أيّ نحو من الأنحاء. ولي في صعوبة إزاحة المعنى المستحدث من الأذهان، تجربة قريبة العهد؛ ففي ندوة من ندوات الحوار، جاء ذكر الملك اليمنيّ القديم (العز/يلط=إلي عز/يلط)، وحول لقب هذا الملك تساءل أحدٌ الحاضرين عن معناه، فقلت: إنّه يمكن أن يقرأ ـ طبقاً لقواعد قراءة الكتابات المسنديّة ـ بصيغة: يلوط، أو بصيغة يُليط، فتساءل آخرون: هل معنى هذا أنّ اللّواط كان منتشراً في تاريخ اليمن القديم!؟ وأجبت: إنّ معنى الصّيغة الأولى، هو: يغلب الأعداء بنفسه ويُسْقِطهم مصرَّعَين أو خانعين، وأنّ معنى الصّيغة الثّانية، هو: يُمَكِّنُ قومَه من إسقاط الأعداء وإلصاقهم بالأرض بين صرعى ومتذلّلين. فتصاعد اللّغط، وقالوا: إنّ المعنى هو المعنى نفسه. فأنكرت واستنكرت أن يكون المعنى الطّارئ لمشتقّات .. لاط يلوط هو المتبادر إلى أذهانهم. وأوضحت رأيي كما سبق أن شرحته فيما تقدّم، ولكن من الحاضرين من قال: إنّ المعنى لا يزال هو المعنى نفسه. وأعدت توضيح الفكرة، ولكنّ الرّيبة ظلّت مقروءة في عيون الحاضرين، فتذكّرت بيتَي عدي بن زيد العِباديّ، فلمّا قرأتهما استطاع الحاضرون بما هم عليه من المعرفة والثّقافة أن يفصلوا بمزيد من التمعّن والتّفكير بين الدّلالات الأصليّة والدّلالة الطّارئة المستحدثة. وأخيرا قلت: لو وضعنا (لطّ) مكان (لاط) في بيت عدي بن زيد، وأنشدته: فلطّها اللهُ، إذ أغوت خليفته طول اللّيالي، ولم يجعل لها أجلا أفلا ترون بأنّ المعنى ليس إلّا: ألصقها؟ وهذا هو ما يجب أن نشرح به لَطّ يلُطّ ، ولاط يلوط لوطاً ولَيْطاً، وما عدا ذلك فإنّه ليس الأصل.


المعجم اليمني في اللغة والتراث بواسطة: أرشيف اليمن twitter