المعجم اليمني

مرأ

م ر أ

تعريف-1: المرْء، في اللّغة اليمنيّة القديمة تعني ما يلي: الـمَرْء ـ عند ذكر آلهةٍ من الآلهة ـ له لقب: الرّبّ، أو السّيّد الأعلى المقدّس، ومؤنّثه: الـمَرْأة. والـمَرْء، من خاصّة النّاس: السّيّد الّذي يدان له بالطّاعة والتّبعيّة، أو يحظى بالاحترام والإجلال، كالملك، والقيل، وكبير القوم أو العشيرة أو الأسرة؛ ومؤنّثه: الـمَرْأة أيضا. والـمَرْء، من سائر النّاس: الرّجل أو الإنسان، ويتّضح من خلال السّياقات أنّه كان يطلق على: الرّجل الحُرّ والإنسان السّيّد في ذاته، ومؤنّثه: الـمَرْأة كذلك؛ أي: السّيّدة الحرّة. ومثنّى الـمَرْء: المرْآن، وجمعه: الأمراء أو الأمروء. أمّا في لغتنا العربيّة فإنّ المرء ـ في هذا السّياق ـ هو: الرّجل أيّ رجلٍ كان، أو الإنسان أيّ إنسانٍ كان، ويقال في مَرْء: امرؤ، ومؤنّثه: مَرْأةٌ أو امْرَأة، ويقال فيها: مرة. وتذكر المراجع المعجميّة عدداً من الأقوال في ضبط هذه الصّيغ وفي أشكال رسمها، و تنصّ على أنّه لا جمع لكلمة مَرْءٍ من لفظها، فلا يقال: أمْراءٌ ولا أمْرُؤٌ ولا أَمارئٌ ولا مَرْؤون، ثمّ تستثني فتقول: وسمع جمعه على: (مَرْؤون)، جمع سلامة. استطراد في النّصوص المسنديّة جاءت كلمة (مَرْء) عند ذكر إله من الآلهة لقباً للإله المذكور في النّصّ، وهو لقبٌ يقرّ فيه مدوّن النّصّ لهذا الإله بالرّبوبيّة المطلقة، وبالسّيادة العليا المقدّسة. ولم تأتِ كلمة (مَرْء) في هذا السّياق الدّينيّ، وطبقاً للمتاح من النّصوص حتّى اليوم، إلّا بصيغتين هما: صيغة المفرد المنكّر، وصيغة المثنّى النّكرة أيضا، كما أنّهما لم تأتيا إلّا مضافتين إلى ضمير من ضمائر الغيبة في الأفراد والتّثنية و الجمع. فمن صيغة (مَرْء) في الإفراد والتّنكير، وفي حالة إضافتها إلى مختلف ضمائر الغيبة جاء قول من يدوّنون النّصوص: (مرأهو المقه ـ مثلا) و(مرأهمي المقه) و(مرأهمو المقه) و(مرأها المقه) و(مرأهنّ المقه). ومن صيغة المثنّى المنّكر مع الإضافة جاء: (مرأيهو ـ عثتر عزيز وذات ظهران ـ مثلا) و(مرأيهمي) و(مرأيهمو) و(مرأيها) و(مرأيهنّ). ولم تأتِ صيغة الجمع: أمْراءٌ أو: أمْروءٌ في هذا السّياق الدّينيّ فيما نعلمه من النّصوص. ومع الآلهة المؤنّثة، مثل (ذات حميم) و(ذات بعدان) يقال: (مرأتهو) و(مرأتهما)…إلخ، وجاءت (مرأةٌ) بصيغة التّثنية، ولم تأت بصيغة الجمع. أمّا كلمة (مَرْء) الّتي تسبق كلمة (الملك) أو (القيل) أو(الكبير)…إلخ، فقد جاءت في النّصوص بصيغة الجمع أيضا، وذلك خلافاً لما سبق، فيقال: (أمرءهمو أو أَمروءهمو الأملوكن = أمْراءهم أو أَمْرُوْءَهم الأملوك) والأملوك بمعنى: الملوك، وبالطّبع جاءت صيغة المثنّى (مرأيهمو/ملكنهان) أي: سيّدَيهم الملكَين، ورغم أنّ صيغة التّأنيث قد جاءت في النّصوص، مثل: (مرأتهمو/ملك/ حلك/ ملكة/ حضرموت) ومثل(مرأتهو/ذات/حاضر) أي: سيّدتهم (ملك حلك) ملكة حضرموت، وسيّدتهم ذات حاضر، أو كبيرة حاضر..إلخ، إلّا أنّ صيغتي التّثنية والجمع لم تأتِ فيما نعلمه من النّصوص. وفي الدّلالتين السّابقتين جاءت كلمة (مَرْء) بصيغ المفرد والمثنّى والجمع، وصيغتي التّذكير والتّأنيث، مضافةً دائماً إلى مختلف ضمائر الغيبة، ومن الواضح أنّها دائماً جاءت لقباً للآلهة والملوك والأقيال وكبار القوم، وللآلهات والملكات وكبيرات القوم، فهي ليست اسماً خاصّ الاسميّة، بل هي صيغة اسميّةٌ وصفيّة، تتساوى مع مادّة (م ر أ) من حيث الدّلالة الأصليّة، مع مادّة (س و د)وما يأتي منها من الصّيغ الدّالّة على السّيادة، وقد جاءت بهذه المعاني مئات المرّات في العشرات من نصوص المسند، بل آلاف المرّات في مئات النّصوص. وأمّا الدّلالات الأخيرة، وهي: (مرأم = مرأم = مرء) بمعنى: رجلٍ أو إنسانٍ أيًّا كان. و (مرآن = مرآن = المرء) المعرّف تعريف تخصيص، والمؤنّث منه: (مرأتم = مرأتم = مرأة) منكّرةٌ منوّنةٌ بالتّمييم، و(مرأتن = مرأتان = المرأة) بالتّعريف، و(مرأتنهن = مرأتنهن = مرأتان) بصيغة المثنّى؛ فلم ترد في نصوص المسند إلّا قليلا، ولكنّ سياقاتها في النّصوص تتيح ـ فيما أرى ـ أن نستنتج من كلمة (المرء) و(المرأة) ما هو أكثر من رجلٍ أيًّا كان، و أكثر من مرأةٍ مجرّد امرأةٍ مَنْ كانت. فـ (المرء = مرأن) فيما نرجّح تطلق على: الرّجل الحرّ الّذي له مكانةٌ في محيطه الاجتماعيّ، وعلى من يتّصف بقدرٍ من الصّفات الحميدة، و(المرأة = مرأةن) تطلق على: السّيّدة الحرّة الّتي تملك أمرها، وتتّصف بالخلال الحميدة. ويكفي الإشارة هنا إلى النّصّ (إ/24) فقد جاءت فيه كلمة: (مرأتن = المرأة) بهذه الدّلالة، فصاحب النّصّ وهو (ربّ عثت يغنم التزأدي) خطب الصّبيّة (تحيئل الجرافيّة)، وقبل أنّ تزفّ إليه، وفي انتظار يوم عرسه المشهود، تقرّب إلى (المقه) في معبد بـ ( أوام) بقربانٍ ضارعاً أنّ يمنّ عليه بـ «أملاء/وتبشر/ ستملاء/ وتبشر/ بعمهو/ كيستكملن/ وستوفين/ لهو/ أولن/ وهكربن/وهكللن/ مرأتن/ ذتستمين/ تحيئل/ بت/ بني/ جرفم/عدي/ بيته/ بيت/ تزأد/» أي: «إنّه يسأل الإله أنّ يمنّ عليه بتحقيق التّعاقدات والتّمالؤات الّتي عقدها معه، لكي يستكمل ويستوفي له إيفاء قرانه وتقريبه وتكليله بقرينته المرأة ـ السّيّدة ـ الّتي تسمّى (تحيئل بنت بني جراف) وإيصالها إلى بيت آل تزأد». وبعد أن سأله أن يحقق له مزيداً من الآمال يضرع إلى الإله «لخمر/ عبدهو/ ربّ عثت/ يغنم/ أولدم/ أذكر/ هنأم/ بن/ أثتهو/ تحيئل/ ذت/ تزأد/» أي: إنّه يسأله منّه عليه فيرزقه أولاداً صالحين من أنثاه ـ زوجه ـ (تحيئل ذات تزأد) ..» فها هو يعبّر عن شوقه لعروسه في الفقرة الأولى بكثرة كلمات الرّجاء لكي تتمّ الأمور على خير الوجوه، فهناك إملاءاتٌ وبشائرُ وتباشيرُ واستكمالاتٌ واستيفاءاتٌ من أجل الإلحاق والإيواء والتّقريب ـ الوصل ـ والتّكليل بهذه المرأة السّيّدة المسمّاة ـ قبل وصولها إلى بيته ـ «تحيئل الجرافيّة» أي إنّ نسبتها هنا لا تزال إلى أسرتها و أهلها (بني جراف)، وبعد أن استحضر ذهنيًّا زفافها ومجيئها إلى بيته (بيت بني تزأد) ، واستحضر إنجابها للبنين الصّالحين، فإنّها قد أصبحت أنثاهُ ـ زوجه ـ كما أنّها لم تعد منسوبةً إلى أهلها، بل إلى أسرة زوجها، لا بعبارة «بنت بني تزأد» بل بعبارة «ذات تزأد» أي: سيّدةٌ من سادتهم وكبيرةٌ من كبار «بني تزأد». ومن الأدلّة على ما في كلمة الـمَرْء ومشتقّاتها، ومن المعاني الّتي لا تذكرها المعجمات أنّ كلمة (مَرْء) مضافةً إلى ضمائر الغيبة كانت أو أصبحت في لغة النّصوص المسنديّة لقباً تعظيميًّا لا يطلق على الملوك والأقيال وغيرهم من كبار القوم فحسب، بل أصبحت لقباً لتعظيم الآلهة وتقديسها، وذلك كما تقدّم. ويشرح بعض اللُّغويّين المحدثين كلمة الـمَرْء حينما تطلق بمعنى رجل بـ : الرّجل المكتمل الرّجولة، وليس بالرّجل فحسب كما في المعجمات التّقليديّة، وهذا هو الأقرب إلى دلالتها الأصليّة في اللّغة القديمة.
وأخيراً يستحسن إبداء ملاحظةٍ حول الصّيغة الّتي تُجمع بها كلمة مرءٍ في اليمنيّة القديمة. وقد سبقت الإشارة إلى أنّ المعجمات تنصّ أوّلاً على أنّه ليس لهذه الكلمة صيغة جمعٍ من لفظها، ويقولون: إنّها لا تجمع، لا على أمْراء، ولا على: أمْرُؤ، ولا على (مرؤون)، ولا على أمارئ؛ ثمّ يستدركون فيذكرون أنّ الجمع: (مَرْؤون) قد جاء نادراً في كلام العرب. أمّا في نصوص المسند فقد سبقت الإشارة إلى أنّ كلمة (مرْء) تجمع فيها بصيغةٍ تكتب بالرّسم المسنديّ هكذا: (أمرء = أ م ر ء) ومن الواضح أنّ صيغة الجمع هذه ينقصها حرفٌ من حروف اللّين الّتي لا تكتب في الرّسم المسنديّ كما هو معلوم، وحرفا اللّين اللّذَينِ يمكن تقديرهما هما الألف اللّيّنة والواو السّاكنة؛ فأمّا الألف فيمكن تقديرها بعد الرّاء فتصبح الصّيغة هي (أ م ر ا ء = أَمْراء) وهي صيغة جمعٍ جائزةٍ كما في المعجمات؛ ويمكن ـ على ضعف ـ تقديرها بعد الميم، فتصبح الصّيغة هي (أ م ا ر ء = أمارئ) وهي جائزةٌ أيضاً كما سبق. أمّا إذا قدّرنا المحذوف واواً فإنّه ليس لتقديره إلّا موضعٌ واحد، وذلك بعد الرّاء، فتصير الصّيغة هي: (أ م و ء = أََمْروء) وهي صيغة جمعٍ يمنيّةٍ خاصّةٍ على وزن (أَفْعول) كان لها استعمالٌ واسعٌ في اليمن القديمة، ولا يزال لها استعمالاتٌ في لهجاتنا اليوم، ويجمع بها الأفراد أو الجماعات ممّن توحّدهم صفةٌ من الصّفات أو حالةٌ من الحالات، كوحدة الانتساب إلى كيانٍ اجتماعيّ، أو وحدة الاعتزاء إلى منطقةٍ أو اسمٍ مكانيّ، أو وحدة الانتماء إلى فئةٍ اجتماعيّةٍ معيّنةٍ لها مرتبةٌ سياسيّةٌ تربطها أو درجةٌ في السّلّم الاجتماعيّ تميّزها. وجمع مَرْءٍ على (أمْرُوْء) هو من باب هذا الانتماء الأخير، مثل (أَمْلُوك) و (أَقْوُول) و (أكْبُور) ..إلخ. ورغم أنّ الصّيغة (أمرء) تحتمل قراءتها على صيغ الجمع الثّلاث المذكورة ـ أَمْراء، وأمارئ، وأَمْرُوء ـ إلّا أنّ ما نميل إليه هو الأخذ بصيغة (أَمْرُوء) لتوافقها مع قاعدةٍ مطّردةٍ من قواعد اللّغة العربيّة القديمة، للجمع على (أَفْعُول) في مثل هذه الحالة. وبناءً عليه؛ فإنّ الأحسن في عبارات مثل (أمرأهمو/ بني/ ذريدن = أ م ر أ ه م و/ ب ن ي/ ذ ر ي د ن) ومثل (أمرأهمو/ بني/ بتع/) ومثل (أمرأهمو/بني/ سخيمم) ونحوها، أن تشرح فيها كلمة (أَمْرُوئهم) ـ أي سادتهم ـ . خاصّةً إذا علمنا أنّ بعض المشتغلين في مجال الدّراسات اليمنيّة القديمة يشرحون مثل هذه العبارات ـ وهي تتردّد في النّصوص كثيراً ـ بعبارة: (أُمَرائهم بني فلان)..إلخ، أي بصيغة جمع (أميرٍ) كما نعرفها، وليس بصيغة جمع (مَرْء) كما تأتي في لغة اليمن القديمة منطوقاً ومفهوما، ولا شكَّ أنّ شرح (أمْرُوْء) بـ (أُمَراء) خطأٌ فاحشٌ لغةً ودلالة، حتّى حين تجيء عبارة: (أمرأهمو/أملكن) أي: (سادتهم الأَمْلُوك = الملوك) فإنّهم يشرحونها بعبارة (أُمَرائهم الملوك) فكيف يكون الأمراء ملوكاً والملوك أمراء؟ وإنّما هي: (أمروْء هم) على صيغة (أفعول) المشهورة.


المعجم اليمني في اللغة والتراث بواسطة: أرشيف اليمن twitter