المعجم اليمني

وحي

و ح ي

تعريف-1: الوَحْي: الصّوت يسمع دون رؤية مصدره غالبا، والوحي لا يقال لأيّ صوت؛ بل للصّوت الّذي ينمّ عن شيء؛ أي: يوحي به. يُسمع الرّعد فيُقال: يا مُحِنْحِن الرّعود حَيّ وَحْيَكْ، فالرّعد هنا كأَنّه صوتٌ منَ الله يوحِي بالمطر، وهي عبارةٌ تقال هكذا. وتُسمع حركة المريض الّذي كان طريحا، أو يُسمع صوته فيقول القائل مستبشرا: أحيا وَحْيَك؛ أي: أحيا الله صوتك الدّالّ على العافية والموحي بها، وقد يقال في ذلك للمغنّي تشجيعاً وإطراءً، أو يقال: أحْيَيْتنا حيّا وحيك، ويسمع أحدهم مغنيًّا يغنّي بأعلى الصّوت من وادٍ أو جبلٍ وهو لا يراه فيهتف مستحسنا: إيه حيّا وحيك … إلخ. وكلمة (وحي) غير مُعَرَّفَةٍ، لها استعمالاتٌ عديدةٌ للسّماع دون رؤية، أو للإحساس والشّعور من خلال القرائن. يقول أحد الحاضرين في مجلسٍ ما: وَحْي فتحة باب، أو وَحْي إغلاق باب، أو وحي بابٍ انفتح، أو وحي بابٍ انغلق، ويسمع خطوات قادمٍ فيقول: وحي إنسانٍ واصلٍ أو قادمٍ.. إلخ، هذا ممّا يقال للسّماع، وفي الإحساس أو الشّعور يقال: وحي اليوم مطر، أو وحي اليوم صحو، ووحي اليوم برد، أو وحي اليوم حَرّ، ويقال في الأحوال أو الأشياء المعنويّة: وَحْي الأحوال حسنةٌ أو تتحسن، ووحي الأحوال سيّئةٌ أو تسوء، وهكذا تقول عن كلّ ما تتوقّعه أو تستنتجه من شواهدَ أو قرائن. كأن تقول لصديقك: وحْيَك مسرور، أو وحيك حزين.. إلخ, ويقال في كلّ ما سبق: (وحي أنَّ.. إلخ)؛ أي بزيادة (أنّ). وممّا جاء في العفويّ المغنّى قول المحبّة الّتي سمعت خطوات حبيبها بالقرب من بيتها أو أحسّت مجرّد إحساسٍ أنّه مارٌّ فغنّت: قَلْبِيْ رَجَفْ وَحْيَ الحبيب خَلَّفْ ليتهْ وقَفْ واظْهَرْ لنا المكَلَّفْ وخلَّف بمعنى: مرَّ. والمكلّف بصيغة اسم المفعول والمراد اسم الفاعل بكسر اللّام المضعّفة؛ أي:الأمر المكلّف للهجران والمسبّب له. ووحيْ هنا تحمل معنى: (يبدو أنّ) ومن ذلك قولنا أيضا: وحي فلانٍ سيفعل كذا، ووحي السّماء ستمطر، ووحي أنّك جادّ؛ تقولها لمن تظنّه يهزل فإذا به جادٌّ وغاضبٌ.. إلخ. ومن هذا القبيل ما جاء في مثلٍ يقول» :وَحْيِشْ يا دابَهْ حِمارِي». وقصّته أنّ مغفّلاً شديد الغفلة قصد السّوق ليبيع حماره وليشتري دابّةً ـ أتاناً ـ منتجة، وقابله في السّوق من يعرف غفلته فاشترى الحمار وعاد في زحمة السّوق وباعه له على أنّه دابّةٌ أنثى، وفي نهاية السّوق ركب عائدا، ولما دنا الحمار منَ البيت نهق كعادته، فقال صاحبه المثل، ونزل ونظر فعرف أنّه خدع. ويقال المثل لمن يقع في مثل هذه الغفلة البالغة، وقد يقوله من يظنّ نفسه خلص من أمرٍ فإذا به يقع فيه أو فيما يقاربه. وفي لهجاتنا من هذه المادّة فعلان مزيدان، أحدهما مزيدٌ بالألف، هو: (أوْحَى) والثّاني مزيدٌ بالتّاء وتضعيف الحاء، هو (تَوَحَّى). فأمّا الأوّل فيأتي بالمعاني التّالية: أوْحَى فلانٌ الصّوتَ يوحْيِه وَحْيَة؛ أي: سمعه على خفوته وبدون رؤية مصدره. يقال مثلا: أَوْحَى الحارس الوكْسَة٭، والوكْسة هي: أيّ صوتٍ خافتٍ يصدر عمّن يدبّ في اللّيل. وأوحى فلانٌ صوتاً فقام يبحث عن مصدره، ويقال ـ كما سبق ـ: أوحيت فتحةَ باب، وأوحيت إغلاقَ باب، وأوحيت خطوةَ قادمٍ… إلخ). ويُقال: أَوْحَى يُوْحِي في الإحْساس الجسديّ، مثل: أوحى فلانٌ بألمٍ في جسمه، وفلانٌ أوحى ضربة؛ أي شعر بضربةٍ لم يدرك من أين أتته، وفلانٌ يُوْحِي بوجع، وفلانٌ لا يُوْحِي بشيء، وقد يذهب أحدهم إلى الطّبيب فيقول: أَوْحِي نفسي مريضاً يا دكتور، فيقول:هل توحِي وجعا؟ فيجيب مثلاً: نعم أوحِي وجعاً في بطني، فيضع الطّبيب يده وسط بطنه فاحصاً ويقول: أوْحَيْت؟ فيقول: لا ما أوحيت، ثمّ يضع يده في مكانٍ آخر من بطنه ويقول: أوْحيت؟ فيقول: نعم هنا أوْحيت الألم، أو هنا أوحي بألم.. إلخ. ويقال: أوحيت نفسيْ نشيطا، أو أوحيت نفسي متعبا. ومن هذا المثل الّذي يقول على لسان نهمٍ أنانيّ: «أَكلتْ حَقِّي وِحَقّ صاحبيْ، واوْحيْتْ نفسي تِراجَعَتْ»؛ أي بدأت أحسّ بشيءٍ منَ التّحسّن بعد هذا، ويقال في هذا: « أوحيت بـ… »؛ أي: بزيادة الباء. وتأتي أوحى للتّعبير عنِ الشّعور النّفسيّ، يقال: أَوْحَى فلانٌ بالأمر قبل حدوثه، وأوْحَى أنّ سير الأمور يؤدّي إلى كذا وكذا فتصرّف بكيت وكيت، وأوحى أنّ الظّروف في صالحه فأقدم، وأوحاها ليست في صالحه فأحجم، أو أَوْحاها حاميةً فهرب. وأَوْحَيْت أنا ما في نفسك؛ أي: عرفت رغبتك، أو عرفت ما يدور في خلدك، ويقال: أوحيت ما تعانيه، وأوحيت معك بالحزن ونحو ذلك. أمّا الفعل الثّاني من مادة (و ح ي) فهو المزيد بالتّاء وتضعيف الحاء، وله استعمالان أساسيّان في لهجاتنا، أولهما: التَّوَحِّي بالسّمع للأصواتِ الخفيّة، وثانيهما: التَّوَحِّي المعنويّ بالذّهن. ففي الأوّل يقال: توحَّى فلانٌ الصّوت أو الأصوات يَتَوَحّاه أو يَتَوَحّاها تَوَحِّياً فهو متوَحٍّ. مثل:تَوَحَّى الحارس الوكْسة، وتَوَحّى فلانٌ الصّوت ليعرف من أين يأتي وما مصدره، وفلانٌ يتوحّى المتحدّثين من وراء الباب ليعرف ما يدور بينهم. وفي الثّاني يقال: فلانٌ يتوحَّى الأحداث ليعرف مسار الأمور، وفلانٌ يتوحّى الأخبار متوحّياً لخبرٍ معيّن. ويقال للّذي يظلّ يشكو أو يخاف منَ المرض وسوسة: أنت تتوحَّى نفسك، وإيّاك أن تظلّ تتوحى نفسك فمن يتوحَّى نفسه يتعب، ومُتَوَحِّيْ نفسه يمرض. والخلاصة: أنّ هذه المادّة واسعة الاستعمال، ولها كما ترى استعمالاتٌ في لهجاتنا لم تأتِ في القواميس الكبرى رغم أساسها القاموسيّ، ومنَ الملاحظ أنّ الإيحاء المتعدّي من شخصٍ إلى آخرَ ومِن مُوحٍ إلى مُوْحًى إليه غير مستعملٍ في لهجاتنا، فلا يقول عامّة النّاس: أوحى فلانٌ إلى فلانٍ بكذا، ولا أوحى له، أو أوحى إليه. وفي بعض المؤلّفاتِ اليمنيّة قد تستعمل كلمة (وَحْي) بهذه الدّلالة، مثل: سمعت وحي بندق؛ أي سمعت صوت إطلاق رصاصةٍ من بندقيّةٍ دون أن أرى الرّامي (روح الرّوح ج2 /34) طبعة الإعلام المصوّرة سنة 1981م.


المعجم اليمني في اللغة والتراث بواسطة: أرشيف اليمن twitter