المعجم اليمني

أبب

أ ب ب

تعريف-1: إبّ، بكسرٍ فتضعيف: اسم المدينة اليمنيّة الجميلة، الّتي تعرف بـ (إبّ الخضراء)، وهو مشتقٌّ من جذرٍ قديمٍ هو (أ ب ب) بما كان له من تصريفاتٍ ودلالاتٍ في اللّغات الّتي تندرجُ تحت مصطلح (اللّغاتِ السّاميّة)، ومنها اليمنيّة القديمة ولغتنا العربيّة. ومادّة (أ ب ب) تدلّ بتصريفاتها على: الخصْب والنّماء والازدهار، وعلى الغضارة والنّضارة، وعلى الاخضرار الدّائم والمتجدّد؛ وذلك في الزّرع وما تنبتهُ الأرض. أمّا تصريفُها فلا بدّ أنّه كان مثل تصريف (المضعَّف) في لغتنا العربيّة، فكما يقال في مادّة (ب ر ر) (): بَرّ فلانٌ أباه يَبِرُّ بِرًّا فهو بَرٌّ، يقال: أَبَّ النّبات أو المكان يَئِبُّ إبًّا فهو أبٌّ، فالمصدرُ في هاتين المادّتين جاء بكسر أوّله، ومنه جاء الاسم (إِبّ)، واسم الفاعل منهما جاء بفتح أوّله، ومنه جاء الاسم (أَبَّة) ـ بصيغة المؤنّث ـ وهو اسم بلدتين يمنيّتين في (لَـحْج) هما: (أَبَّة العليا) و(أَبَّة السّفلى) وكانت إحداهما حاضرة لحج قبل أن تحلّ (الحَوْطةُ) محلَّها، ومنه جاء (أبٌّ) بمعنى: المرعى في العربيّة. وإذا كان لـ (إبّ) مِنَ الشّهرة في الخصوبة والازدهار والاخضرار ما هو معلوم، فإنّ لـ (أَبَّة العليا) و(أَبَّة السّفلى) شهرتهما في الازدهار الزّراعيّ والطّبيعيّ، ولهذا جاءتِ التّسميات إبّ وأَبَّةٌ هنا « اسماً على مسمّى» ـ كما يقال ـ وهناك من مادّة أب ب، صيغة (مأبّة) وتُسهّل في اللّهجاتِ اليمنيّة، فيقال (مَيَبّة)، وتطلق اسماً لكلٍّ منَ البلدتين المذكورتين في (لحج). وفي لغتنا العربيّة، بقيت كلمة (الأبّ) الدّالّة على المرعى طبقاً لشرح شارحِيها منَ المفسّرين واللُّغويّين، وستأتي في الاستطراد الآتي إشارةٌ إلى سبب اقتصارها على هذه الدّلالة في اللُّغة العربيّة. استطــراد1() عند أُولى مفردات هذا الكتابِ اللُّغويّة يأتي هذا الاستطراد توخّياً لمزيدٍ منَ التّوضيح للغاية اللُّغويّة المباشرة، وللمنهج العلميّ أو الآليّ المتّبع فيه. فأمّا الغاية فهي ـ باختصارٍ ومنَ النّاحية اللُّغويّة البحتة ـ غايةٌ دلاليّة، المراد بها إيراد ما في لهجاتنا من مفرداتٍ لُغويّة، نرى أنّ لها معنًى خاصًّا أو دلالةً خاصّة، لا نجدها فيما بين أيدينا منَ المعجمات الكبرى للغتنا العربيّة، ولا فيما هو معلومٌ لنا منَ اللّهجات العربيّة الأخرى. وأمّا المنهج الموصِّل إلى القول بأنّ هذه المفردةَ أو تلك لها دلالةٌ خاصّةٌ في اللّهجاتِ اليمنيّة، فإنّ له ستّةُ منابعَ وآليّةٌ ذات شِقّين اتّبعتها. فأمّا المنابعُ باختصارٍ فهي: (1) المعرفة الذّاتيّة العفويّة بحكم الميلاد والنّشأة. (2) المعرفة المكتسبة بالتّعلُّم والاختصاص والمتابعة الميدانيّة طول سنواتٍ عديدة. (3) المعرفة المرجعيّة، من خلال الكتب وتراث العامّيّة اليمنيّة وإنتاجِها المدوّن، ومن خلال البحوث والدّراسات المتعلّقة بالموضوع من يمنيّينَ وغيرهم. (4) المعرفة المرجعيّة العامّة، من خلال معجمات اللُّغة العربيّة وكُتبِ اللُّغة، مع المعارف المستنتجة بالمقارنة. (5) الاهتمام باللّغة اليمنيّة قبل الإسلام، وتكريسُ الجهود لها من خلال سنواتٍ طويلة. (6) مزاولة الإنتاج الأدبيّ باللّهجات العامّيّة اليمنيّة، وخاصّةً لهجة منطقتِي وما حولها, وأمّا الآليّة الّتي اتّبعتُها بشِقّيها فهي: أوّلاً: الإدارة الذّهنيّة المسلسلة للحروف الأبجديّة بجميع تركيباتها، حتّى الوصول إلى الكلمة الّتي أعرف أنّ لها دلالةً خاصّةً في لهجاتنا، أو أحدسُ علميًّا أنّ لها هذه الخصوصيّة. ثانياً: تمحيص هذه الكلمة من خلال المنابع والمعايير السّتّة السّابقة، ثمّ يكون تدوينها بعد هذا التّمحيص والتّدقيق. ونضرب مثلاً لتركيب الحروف الهجائيّة على وجوهها المختلفة، للوصولِ إلى الكلمة المطلوبة، ونكتفي هنا بالكلمة الّتي نحن بصددها، لا لشيءٍ إلّا أنّها أُولى مفردات هذا الكتاب، وطبقاً لتركيب الحروف الهجائيّة على مختلف الوجوه، فإنّ الوصول إليها يمرّ من خلال المراحل الآتية، على اعتبار الأصل الثّلاثيّ للمفردات، وهو الأعمُّ الأغلب. استطراد 2 إنّ الدّلالاتِ الّتي ذكرناها لمادّة (أ ب ب) بتعريفاتها قد أصبحت دلالاتٍ مجهولةً لنا، فهي لم تأتِ حتّى اليوم فيما نعرفه من نصوص المسند، ولم تأتِ لها هذه الدّلالة بأبعادها في لغتنا العربيّة، كما أنّها غير مستعملةٍ في اللّهجاتِ اليمنيّة بتصريفاتها ودلالاتها، غير ما يأتي استنتاجاً ممّا بقي لها فيها منَ الصّيغ الاسميّة البلدانيّة. ولعلّ هذا هو ما جعل مَن ذكر اسم (إبّ) من البلدانيّين واللُّغويّين يحجمون عن ذكر اشتقاقه وشرح دلالته، وهو عاملٌ مثبّطٌ عن هذا حتى اليوم، ولكنّ معرفة دلالات مادّة (أ ب ب) في بعض اللّغاتِ السّاميّة ـ وهي شقيقاتٌ للغتينا اليمنيّة القديمة والعربيّة ـ يعدّ عاملاً مشجّعاً على التّصدّي لهذا الأمر، وخاصّةً إذا قُرِن هذا العامل بعاملٍ آخرَ هو منطق اللّغة ومنطق الواقع الموضوعيّ، ومنطق الرّبط اللُّغويّ بين الدّلالة والمدلول، ومنطق ما يحكم اللُّغات أو اللّهجات، الّتي تشكّل عائلةً تنتمي إلى أصلٍ واحدٍ منَ القواسم المشتركة، لا في الجذور والمفردات فحسب، بل وفي التّركيب والتّصريف والاشتقاق. وبناءً على هذا؛ كان استنتاج الدّلالاتِ اللُّغويّة للصِّيغ الاسميّة (إبّ) و(أبّة) و(مَيَبَّة) مع كثيرٍ منَ اليقين بصحّة هذا الاستنتاج. فمن يعرفُ (إبًّا) وأكنافَها المباشرة، ومحيطها الأوسع، يعرف أنّها تمثّل خِصباً عظيماً في قلب خِصبٍ واسعٍ عظيم، فهي (إبّ الخضراء) حاضرة حواضرِ (الكلاع) قديما، و(إبّ الخضراء) عاصمة اللّواء الأخضر بالأمس، (وإبّ الخضراء) مركز المحافظة الخضراء اليوم، فالاخضرار يتوالى عليها من دوائرها الأوسع إلى الواسعة إلى محيطها وأكنافها، ليتركّز عندها، ويتجسّد فيها. ومن يعرف أيضاً ما للّغة ـ بإرادةٍ فرديّةٍ أو جماعيّةٍ أو بعفويّة العقل الجمعيّ ـ من قدرةٍ على الرّبط بين الواقع الموضوعيّ وصورته الذّهنيّة، ومن ثَمَّ التّرابط بين المفرداتِ اللُّغويّة منطوقا، وبين دلالاتها الذّهنيّة مفهوما، وبين مسمّياتها المكانيّة وواقعها الموضوعيّ طبيعيّا، وما يتجسّد عنه منَ الصّور على صعيد واقعه عمليّا، ثمّ ما ينعكس منه على الأذهان من الصّور ذاتيّا، وتنقله الدّلالات اللُّغويّة إلى أيّ ذهن استيعاباً تصوريّا، دون معرفةٍ سابقة، ولا مشاهدةٍ حاضرة. والواقع الطّبيعيّ اللّافت للأنظار يشكّل مثيراً موضوعيّا، تقابله استجابةٌ ذاتيّة، إمّا منْ فردٍ وإمّا من جماعةٍ من الأفراد، فيتمّ إطلاق هذا الاسم أو ذاك علىه، ليعبّر الاسم بدلالته اللُّغويّة عنِ الواقع الطّبيعيّ وصورته الذّهنيّة. وقد يتوالى انطباعُ صورة المثير على الأذهان، فيتولّد عن ذلك آليّةٌ منَ آليّاتِ عمل العقل الجمعيّ، فيتوافق النّاس عفويًّا على إطلاق اسمٍ منَ الأسماء على هذا المسمّى أو ذاك، بطريقةٍ فيها تطابقٌ أو توافقٌ بين الاسم والمسمّى. والمرجّح أنّ الاسم (إبّ) أُطلق أوّلَ ما أطلق ـ وبطريقةٍ من هذه الطّرق ـ على المكان وهو لايزال مكاناً طبيعيّا، ثمّ أُطلق اسماً على ما نشأ عليه من عمرانٍ وسكن، من قريةٍ إلى بلدةٍ إلى مدينةٍ مزدهرةٍ ولاتزال تزدهر، وذلك بإضافة المكان باسمه إلى ما نشأ عليه. وما دام هذا هو الأمر المرجّح؛ فإنّ المنطقَ يحتّم أنّ الاسم أُطلق على المكان في العصور التّاريخيّة القديمة، حينما كانت مادّة (أ ب ب) ـ بتصريفاتها ودلالاتها ـ لاتزال مستعملةً ومفهومة. ولهذا فإنّ الاسم (إبّ) لم يشتهر إلّا بعد أن أصبح ما نشأ عليه من عُمرانٍ بلدةً كبيرةً أو مدينةً عامرة، وهذا يدلّ على أنّ المكان قد لفت الأنظار إليه بخِصبه وازدهاره وجماله الطّبيعيّ الخلّاب منذ أقدم العصور، فأُطلق عليه الاسم الّذي تحمل دلالاته اللُّغويّة ما يعبّر عن واقعه الطّبيعيّ، ومثل ذلك يقال في الاسم المؤنّث (أبَّة)، وصيغه الأخرى (مأبّة ـ ميّبة) الآكَد في دلالتها المكانيّة. أمّا إطلاقُ (الأبّ) اسماً للمرعى، فإنّها تسميةٌ لا تبتعد كثيراً عنِ الدّلالة الأصليّة الأوسع للمادّة كما سبق شرحها، ولكنّها متكيّفةٌ مع الواقع الطّبيعيّ والواقع الاجتماعيّ للمكان والزّمان الّذي أُطلقت فيه اسماً بهذه الدّلالة المحدودة على هذا المسمّى المحدّد. لقد عرّف عددٌ من علماء الشّرق والغرب اللُّغة بعددٍ منَ التّعريفات، وكلُّ تعريفٍ منها صالحٌ للأخذ به والاعتماد عليه، ولكنّ لكلِّ تعريفٍ مجاله الّذي يناسبه أكثر من غيره، وذلك منَ المجالات الدّراسيّة المتعدِّدة، والّتي أصبح علم الدّراساتِ اللُّغويّة طرفاً مشاركاً فيها، وبخاصّةٍ بعدَ تأسيس الألسنيّة الحديثة، وما لها منْ أهمّيّةٍ في كثيرٍ منَ المجالات العلميّة المتنوّعة. ولعلّ التّعريف الّذي يناسب السّياق هنا هو التّعريف الّذي يشبِّه اللُّغة بالكائن الحيّ القابلِ للنّموّ والتّطوّر، والقادرِ على التّكيُّف في محيطه الحياتيّ، بحيث يلائم محيطه هذا، وبخاصّةٍ مع بيئته الطّبيعيّة بمختلفِ جوانبها، وواقعهِ الاجتماعيّ طبقاً لما يمرُّ به منْ مراحلِ تطوّره.
ولهذا فإنّ (الأبَّ) اسماً للمرعى اسمٌ متكيّفٌ مع البيئة الصّحراويّة بما لها من صفات، ومع الواقع الاجتماعيّ الّذي كان لا يزال في طور الرّعْوَيَة المترحّلة. إنّ اللّغة الأمّ حينما تتفرّع إلى لهجاتٍ ثمّ إلى لغات، يظلّ بين فروعها الكثيرُ منَ المشترك، وبخاصّةٍ في الأصوات والأبنية، ثمّ في الآليّة اللُّغويّة، ثمّ في المفردات ذاتِ الدّلالات الأصليّة المباشرة، ويظلّ هذا المشتركُ مستمرًّا على درجاتٍ منَ التّفاوت، ولكنّ التّفاوت في الدّلالات لا بدّ أن تظهر له حالاتٌ متعدِّدةٌ تبعاً للبيئة الطّبيعيّة وما يسودها من واقعٍ اجتماعيّ، فالفرع الّذي استقرّ النّاطقون به في بيئةٍ طبيعيّةٍ صالحة للاستقرار الحضريّ والتّطوّر الاجتماعيّ، يصبح لمفرداته اللُّغويّة منَ الدّلالات ما يتناسبُ مع هذا الواقع، وهي دلالاتٌ متطوّرةٌ عنِ الدّلالات الأصليّة للمفردات، إلّا أنّها تكيّفت مع الواقع الموضوعيّ، فتوسّعت دلالاتها وتشكّلت، بحيثُ يكون مفهومها انعكاساً للواقع، يجسّد ما له من صورٍ موضوعيّةٍ في صورٍ ذهنيّةٍ معبِّرة. وهذا هو شأن أيِّ فرعين منَ العائلة اللُّغويّة الّتي تنتمي فروعها إلى أصلٍ واحد، والّتي تندرج تحت مصطلح (اللُّغات السّاميّة)، وذلك كالفرع الجنوبيّ الّذي استقرّ النّاطقون به في اليمن، والفرعِ الشَّماليّ الّذي يترحّل النّاطقون به في بيئةٍ صحراويّةٍ تناسبها الحياة البدويّة المترحّلة أو شبه المستقرّة. وموضوعُ المقارنة بين الدّلالات في فرعين كهذين موضوعٌ دراسيٌّ هامّ، ليس هذا مجالُه، ولكنّ هذا الكتابَ سيشتمل على عددٍ منَ الأمثلة الّتي ستأتي بشكلٍ تلقائيٍّ من خلال بعض المفردات.


المعجم اليمني في اللغة والتراث بواسطة: أرشيف اليمن twitter