المعجم اليمني

أجب

أ ج ب

تعريف-1: الأجَب: كلمةٌ ليست في لهجتِي، وأوّلُ سماعي لها كان منذُ بداية ستّينيّاتِ القرن الماضي في أثناء عملي في مدينة تعزّ، فقد كان منظر نساءِ جبلِ صبرٍ وفتياته وهنَّ يهبطن إلى المدينة حاملاتٍ آجابَهنّ على رؤوسهنَّ معبّئةً بغلّاتِ الجبل ومحاصيله لبيعها، ثمّ عودتهنّ مُصْعِداتٍ وآجابُهنّ على رؤوسهنَّ معبّئاتٍ بما تبضّعْنَهُ من أسواق المدينة منظراً لافتا، وسمعت أنّ ذلك الإناء الخوصيّ يسمّى: (الأجَبَ)، ولمّا كان اهتمامي بالمفرداتِ اللُّغويّة اليمنيّة الخاصّة مبكّرا، فقد لفت الاسم اهتمامي، ولكنّني قدّرت افتراضاً أنّه من مادّة (جَ بَ بَ)؛ أي: جبَّ بتضعيف الباء بمعنى: قطع؛ إذ لاحظت أنّ هذا الإناء بلا مقبضين متقابلين في محيطة، ليحمل بهما رفعاً إلى الرّأس أو عند استخدامه، فقلت في نفسي: هذا إناءٌ أجَبُّ لم يُزَوَّدْ بمقبضين أو أُذُنين فكأنّ أُذُنيه جُبَّتا فهو (أجبُّ) قياساً افتراضيًّا على ما أعرفه عن مادّة (جَبَبَ) في تراث اللُّغةِ العربيّة ومعجماتها ـ ولهذا لم أورد الكلمة في (المعجم اليمني) لانتفاء خصوصيّتها عندي (آنئذٍ). ورغم الصّحّة المنطقيّة الشّكليّة الظّاهرة لهذا الافتراض، إلّا أنّه ليس كلّ ما بدا منطقيًّا يظلُّ منطقيًّا في مجال الدّراسات اللُّغويّة النّظرية المحفوفة بالمتاهات, وذلك حينما تظهر القرائن ـ الظّاهريّة أيضاً ـ الدّاعية إلى إعادة النّظر للإدلاء برأيٍ افتراضيٍّ آخر، أو حينما تظهر الدّلالة القطعيّة ـ إلى الحدِّ الممكن في هذا المجال ـ للتّصحيح التّامّ ولوضع هذه القضيّة اللُّغويّة أو تلك في إطارها السّليم. وبعد صدور الطّبعةِ الأولى لهذا المشروع اللُّغويّ، كانت أوّل قرينةٍ ـ تدعو إلى إعادة النّظر في مادّة (أ ج ب) اليمنيّة بعَدِّ ألفها المهموز حرفاً أصليًّا هو (فاء) الاسم (أجب) مثل: (أجاء، اسم جبل) و(أجل) و(أسد) و(أمل) ونحو ذلك ـ هو اطّلاعي على مَثلٍ منَ المناطق الشَّماليّة والغربيّة لصنعاء، في كتاب (الأمثال اليمانية) للقاضي العلّامة إسماعيلَ بن عليٍّ الأكوع، والمثل يقول: (كُلِّمَنْ يِعْمَلْ في أَجَبِهْ ما يِعْجِبِهْ) فأزال المثل أوّلاً طابع المحلّيّة للاسم (أجَب) وأعطاه طابعه العامّ، وأثار ثانياً التّساؤل حول مجيء الباء مخفيّةً في عبارة المثل ـ أَجَبه ـ مع أنّ تضعيفَها ممكن، ولا يخلّ تماماً بإيقاع المثل السّجعيّ، فزاد ترجيح الرّأي بأنّ الاسم ثلاثيّ، فلا ألفُه زائدةٌ كزيادتها في صيغة (أفْعَل) ولا باؤُه مضعّفةٌ هنا في المثل، ولا في صيغة تعريفه بالألف واللّام كما كان الاسم يُسْمعُ ويُقرأ. ثمّ سمعتُ صيغة الجمع وهي (آجابٌ) فوجدتها بالحاسّة اللُّغويّة وبالأعمِّ منَ القواعد أقربَ إلى صيغ جمعِ الاسم الثّلاثيّ من (أج ب) فلو كان من (ج ب ب) لكان الأصحّ أن يجمع بصيغة (أجبّات) بتضعيف الباء، فزاد الرّأيَ بترجيح ثلاثيّة الاسم قوّة. ومنذُ وقتٍ غير بعيدٍ وفي أثناء الإعداد لهذه الطّبعة منَ الكتاب صدر عن (المعهد الفرنسيّ للآثار والعلوم الاجتماعيّة بصنعاء) كتاب (نور المعارف ـ في نُظُم وقوانين وأعراف اليمن في العهد المظفّريّ الوارف) من إعداد وتحقيق الباحث اليمنيّ الأستاذ محمّد عبد الرّحيم جازم، فجاء فيه الاسم (أجبٌ) منكّراً ومعرّفاً وبصيغتي المثنّى: أجَبَين، والجمع: آجَابٌ مكرّراً مرّاتٍ عدّةً في صفحات الكتاب بمجلّدَيه. وبذلك يمكن القول بأنّ الاسم (أجَباً) بصيغِه قد وُضع في المسار اللُّغَويّ الأصحّ، من حيثُ صيغتُه الصّرفيّة الثّلاثيّة، وفي إطار دخوله مجال المفردات اليمنيّة الخاصّة، واستناداً إلى هذا فإنّ الشّرح الّذي أورده الأخ الأستاذ محمّد عبد الرّحيم جازم في الكتاب المذكور: ) 1/34)، هو خيرُ ما يدوَّنُ هنا مع بعض التّصرّف من خلال ما أمدّني به الأخُ الأستاذُ أحمد شرف الحكيميّ منَ المفردات. (الأَجَبُ) والجمع (آجابٌ): وعاءٌ ما زال معروفاً إلى اليوم في اليمن باسمه واستعماله، وهو يتّخذ من (سَعَفِ النّخل ـ الطفي أو الخوصِ) بعدّة مقاساتٍ كبيرةٍ ومتوسّطةٍ وصغيرة، ونتيجةً لاستخدامه في جَنْي المحاصيل وحصادها منَ الحقول، وفي نقل الحبوب منَ الأجران، يلجأ النّاس إلى تقويته بتغليفه منَ الخارج بجلدٍ غير مدبوغ، وهنالك آجابٌ تُستعمل لأغراضٍ أخرى، كحمل بعض المنتجات الزّراعيّة والحيوانيّة إلى الأسواق لبيعها ثمّ لحمل ما يُشترى منَ الأسواق إلى البيوت، وللصيّادين وبائعي السّمك آجابٌ يستخدمونها). هذا ما تمّ التّوصّل إليه حول هذا الاسم، وهو أقربُ الآراء صحّةً في شرحه، ولكنّ مسألةَ مجيئه من مادّة (ج ب ب) بدلالة (الجبّ) على القطع لا يزال فيها مجالٌ لرأيٍ قد يدلي به هذا الدّارس أو ذاك، وعرفت أخيراً أنّ إناءً مشابهاً لهذا يسمّى في تهامة (جَبُ) بباءٍ خفيفة. هذا والأجبُ الصّغير يسمّى وَذَماً ـ انظر (و ذ م) ـ وأطَلْتُ في هذه المادّة زيادةً في توضيحِ منهجي في هذا الكتاب.


المعجم اليمني في اللغة والتراث بواسطة: أرشيف اليمن twitter