المعجم اليمني

أدو

أ د و

تعريف-1: الأَداةُ إذا قيلت مطلقةً في الرّيفِ اليمنيّ الحضريّ لم تعنِ إلّا أداةَ الحِراثة، وهي تنطق اللّداة بحذفِ الهمزة وتضعيف لام التّعريف طبقاً لما سبق في (أ ث ب). ففي الأرياف اليمنيّة حينما يقول أحدهم: أعددتُ اللَّداة، أو: أخرجتُ اللَّداة أو: حملتُ اللَّداة ونحو ذلك لم يعنِ بالقول غير أداة الحِراثة حصرا، ولم يفهم القول إلّا بهذه الدّلالة دون سواها، وذلك لأنّ آلة الحِراثة في هذه المجتمعات كانت أهمّ آلةٍ لديهم، فبالأداةِ أو اللَّداة أوّلاً وقبلَ أيِّ أداةٍ أو آلةٍ أو وسيلةٍ كانوا يكسبون رزقهم، وبإنتاجها العينيّ وريعها النّقديّ والتّبادليّ، كانت تلبّي أهمّ مطالبِ الحياة، وهي لم تكن أداةَ قوام الحياة للفلّاح اليمنيّ فحسب، بل كانت أداةً لقوام حياة اليمنيّين من أصغرِ تاجرٍ أو موّظف، إلى أكبرِ غنيٍّ أو مسؤولٍ بما فيهم الملوك والسّلاطين والأئمة. ذلك ما كانَ إلى زمنٍ عاشه النّاس ومنهم كاتب هذه السّطور، حينما كان النّاس لا يعتمدون إلّا على الزّراعة، ولم يكن لليمنيِّ أيُّ مكسبٍ من استثمارٍ خارجيّ، ولم يحتج إلى أيِّ قرض ٍأو مساعدةٍ من أيِّ دولة، اللّهم إلّا عدّة أمورٍ عرضيّةٍ كما حدث لأوّل مرّةٍ في عهد الإمام أحمدَ في اليمن، على عهد الرّئيس الأمريكيّ (إيزن هاور) في خمسينيّاتِ القرن الماضي حينما جاءت إلى اليمن معونةٌ متواضعةٌ منَ القمح الأمريكيّ؛ وعلى ذكر هذا الأمر يحسن إيراد حكايةٍ صغيرةٍ لها دلالتها على نفسيّة الفلّاح اليمنيّ وعلى تصوّره الذّهنيّ الّذي يقوم على الاعتقاد بأنّ الأرض الزّراعيّة في وطنه هي وحدها مصدرُ الرّزق، بل ومصدر كلِّ لقمةٍ يضعها في فمه، وقد ينظر بعض أدعياء الدّين منَ المتشدّدين أنّ في هذه الحكاية سوءَ أدبٍ في التّخاطب حول أمرٍ يتعلّق بالذّات الإلهية، ولكنّ صاحب الحكاية فلّاحٌ يمنيٌّ مؤمنٌ مؤدٍّ لواجباته على خير الوجوه، إلّا أنّ علاقته باللّه سبحانه علاقةُ أمنٍ واطمئنان، لا علاقةُ خوفٍ ورعب، وفيها دالّةٌ كدالّة الصّغير الصّغير على الكبير الكبير، وخلاصة الموضوع أنّ معونة القمح هذه قد وصلت إلى منطقةٍ لا يزال أهلها على فطرتهم وحصلت أسرةٌ فلّاحيّةٌ على نصيبها فصنعت ربّة البيت منها وجبةَ غداء، وجلس أهل البيت وعلى رأسهم ربّ البيتِ الشّيخ الكبير المتديّن لله وحده، وأخذ ينظر إلى كلِّ لقمةٍ نظرة استغرابٍ واستيحاشٍ قبل أن يضعها في فمه، لشعوره بأنّه لأوّل مرةٍ يُدخل إلى جوفه طعاماً لم يأتِ من أرضه وأرض أمثاله، ولم يمرَّ بمراحلِ البذر والرّيّ والعناية الّتي يعهدها، بحيث لا يصل إلى اللّقمة إلّا بتعبٍ وشقاء، وجاءت خاتمةُ المطاف من أكبرِ أولاده الّذي شبع فنهض وهو يقول: لك الحمد يا رب، فنظر إليه الأبُ نظرةَ تقريعٍ مازحة، وقال بصوتٍ عميقٍ متدلّل: ليِشْ لك الحمد يا رب؟! قل لِشْ الحمد يا إيزهاوه ذِيَ ادّيتِي البرّ. وكان يظنّ أن أيزنهاور امرأة. فلا غرابةَ إذاً أنْ لا يكون في الآلات ما يصحُّ أن نطلق عليه آلة العيش والحياة إلّا اللّداة، لَداةُ الفلّاح ـ لداة ـ الحراثة؛ وانظر مع هذه مادّة (ح ل ي).


المعجم اليمني في اللغة والتراث بواسطة: أرشيف اليمن twitter