المعجم اليمني

أفي

أ ف ي

تعريف-1: المَافِيْ: التَّـنُّور في لهجاتٍ تهاميّةٍ وجنوبيّةٍ واسعة، ويجمع على (مَوافِيْ ومآفي) بهمزةٍ ممدودة، ويقال له: المَوْفَى ولا يجمع إلّا على مَوافِيْ. ففي الكلمة أشكالٌ حول أوّلها هل هو (ألفٌ مهموزة) أو (واو)، إنّ صيغة الجمع مآفي وهي الأقلّ استعمالا، تدلّ على أنّ أوّله همزة، أو على الأقلّ تدلّ على أنّ أوّله يجوز فيه الأمران مثل (آسَى) و(واسَى)؛ أي: إنّ أوّله حرف علّةٍ هو (الواو) ويجوز فيها أن تقلب همزة، وهذا أمرٌ يحدث للكلماتِ الّتي فاؤها ـ أي أوّلها ـ حرف علّة، كما سبق في مادّتي (أ ب س) و(أ ت م) ولكنّ صيغة الجمع (موافي) وهي الأكثر استعمالاً تدلّ على أنّ أوّل الكلمة (واواً) وأنّ الجمع موافي من مادّة (و ف ي) مثل مواقدَ من مادّة (و ق د) إلّا أنّ الواو في (موفَى) و(مَوافي) قد تكون مقلوبةً عنِ ألفٍ مهموزة، كما انقلبت همزة مُآسِيْ فقيل (مُواسي). أمّا اللّغة اليمنيّة القديمة فإنّ الصّيغة الاسميّة (مأفي) أو (موفى) بمعنى التَّنُّوْر لم ترد فيما تمّ العثور عليه من نقوش المسند حتّى اليوم، ولكنّ النّقش (سي/562/ 2 C) يذكر الصّيغة الاسميّة (أفِيًّا) بالتّنوين كاسمٍ لنوعٍ منَ الطّعام، أو كصفةٍ له، فالنّقش يتحدّث عمّا يجب أنّ يقدّمه ربّ العمل منَ الطّعام لجماعةٍ منَ العاملِين معه تطوّعاً ـ بصفة عون ـ فيذكر الخُبز والتّمر وينصّ على «رأسٍ منَ الضّأن أَفِيٍّ) هذا يجعل مادّة (أ ف ي) تعني الشّيّ والحَنْذَ أو الطّبخ، وذلك في (المأفي) وهو التَّنُّور أو الطّبون أو الفرن، ومن ثمّ يصبح الأصل المهموز للاسم (المأْفي) هو الأرجح، ويزداد الأمر ترجيحاً وقوّةً أنّ (المأفي) و(المافية) اسم لـ (التَّنُّور) في لغاتٍ ساميّةٍ أخرى كالكنعانيّة والعبريّة، ومعروفٌ أنّهما مع اليمنيّة القديمة والعربيّة ولغاتٍ أخرى تنتمي إلى أرومةٍ لُغويّةٍ واحدة، وبناءً على ما سبق أوردنا الاسم (المأْفي) في باب الهمزة، فالاسم على الأرجح مهموزٌ وينطق مسهّلاً في الإفراد وبالهمز في أحدى صيغتي جمعه، والاسم يبدو كما لو كان بصيغة اسم المفعول، ولكنّ اسمَ المفعول يأتي كثيراً بمعنى فاعل. وأمّا قواميسُ اللُّغة العربيّة فلم تذكر (المافي) ولا (المَوْفَى)، وما فيها هو صيغة (المِيْفى) ـ بكسر الميم ـ وهي تحوم حول الدّلالة الحقيقيّة لها، دون أن تحطّ عليها مباشرةً وبشكلٍ لا لبس فيه، بحيث تكون دالّةً على (المافي) بما يوحيه (منطوقه) من (مفهوم) في اللّهجاتِ اليمنيّة. هذا وكلمة (المِيْفى) لا ترد في قواميس اللُّغة العربيّة إلّا في مادّة (و ف ي) فهي عندهم (واوِيّة) الفاء؛ أي إنّ أصل أوّلها حرفُ العلّة (الواو) ويجمع على ذلك كلّ من ذكرها منَ اللُّغويّين, دون أنّ نجد أيّة إشارةٍ إلى أنّ أصلها المهموز الّذي رجّحناه بالأدلّة القويّة قد يكون محتملاً ولو محض احتمال، وإذا اكتفينا بالوقوف على (لسان العرب) بعَدّه جامعاً لما قبله ومرجعاً أساسيًّا للدّارسين وعلى (تاج العروس) بعَدِّه آخر المعجمات التّقليديّة الكبرى الجامعة، فسنجد أنّ ذكر (المِيْفَى) فيهما لم يأتِ من منبع قوّةٍ يدلّ على وجودٍ فعليٍّ للموافي وأمثالها في البيئة البدويّة للّغة العربيّة والّتي حصرها اللُّغويّون فيها، فينتج عن هذا الوجود تكرّرٌ للاستعمال ووضوحٌ للدّلالة المباشرة للمافي كمتاعٍ منزليٍّ للطّبخ في البيوت وسائر أماكن إعداد الأطعمة المتعدّدة الألوان. وأوّل ذكرٍ لـ (المِيْفَى) في اللّسان ولم يأتِ إلّا من أجل دلالته الجانبيّة المحصورة في مجالٍ بعيدٍ عنِ الدّلالة الأساسيّة للكلمة في اللّهجاتِ العربيّة اليمنيّة. قال في اللّسان عن بعض اللُّغويّين «البيتُ الّذي يُطْبَخُ فيه الآجُرُّ يقال له: المِيْفَى». هذه هي الدّلالة الوحيدة للـ (مِيْفَى) ذات العلاقة بالطّبخ، ولكنّه طبخٌ ضيّقٌ محدود، فقد حُصر وقصر على إنضاج الآجُرّ للبناء، وكأنّه لا علاقة للـ (مافي) أو (الموفى) أو(المِيْفى) بحياة النّاس اليوميّة الدّائمة ولا بما لمادّة (أ ف ي) في اللُّغات السّاميّة الأخرى، رغم أنّ اللُّغة العربيّة واحدةٌ منها. أمّا الدّلالة الثّانية والأخيرة للصّيغة الاسميّة (المِيْفى) في كتب اللّغة فهي أعجبُ وأغربُ وأبعدُ عن دلالتها الأصليّة المباشرة في اللّجهات اليمنيّة وفي اللّغاتِ السّاميّة. وليس لورودها في القواميس بهذه الدّلالة إلّا سببٌ واحد, وهو أنّ كلمة (المِيْفَى) وردت في عبارةٍ رواها الرّواة عن شيخٍ من شيوخ العرب، اعتبروها محتويةً على شيءٍ من غريب اللّغة ووحشيّ الكلام، فقد روَوا عن هذا الشّيخ العربيّ أنّه قال لغلامه: « خلِّبْ٭مِيْفاكَ حتّى ينضجَ الرَّوْدق» وبعيداً عن عبارة «حتّى ينضج» الواضحة, وعن كلمة (الرَّوْدق) الغريبة والّتي يشرحونها بمعنى الشِّواء، تبقى عبارة «خَلّبْ مِيْفاك» وهي واضحةٌ كلّ الوضوح، لأنّ الطّابخات في اليمن اليوم تقول إحداهنّ للأخرى « خَلِّبِيْ مافيكِ أو المَوْفى» أو «خَلِّبي الطّبون» أو «خَلِّبي التّنّور»… إلخ. فتقوم بوضع الخُلب (الطّين) حول غطاء (المافي) مُخَلبةً المافي لا الغطاء؛ لأنّ الغرض هو حفظ الحرارة داخل المافي، ورغم ذلك فلنقرأ كيف شرح كلّ من ذكر هذه العبارة من كبار اللُّغويّين، قال في اللّسان «المِيْفى: طبق التّنّور، قال رجلٌ مِنَ العرب لطبّاخه: خلّب مِيْفاك حتّى ينضج الرّودق , قال ـ في التّهذيب ـ خلّب؛ أي: طبِّق()، والرّودق الشّواء» انتهى كلام صاحب اللّسان. وقد أصبح المِيْفى هو:طبق التّنّور فحسب؛ أي غطاؤه الّذي يسمّى في اللّهجاتِ اليمنيّة: الكِساوة ـ انظر (ك س و) وأُلْغِيتْ دلالة المافي والموفى والمِيْفى على التّنّور والفرن والمخبز والطّبون٭ونحو ذلك ممّا يتخذه النّاس في بيوتهم للقيام بشؤون حياتهم في الطّبخ وصنع الطّعام. هذا هو كلّ ما جاء في قواميس اللُّغة الكبرى عن المافي ومادّة (أ ف ي) العريقة , وخلاصته. • المِيْفى: البيتِ الّذي يطبخ فيه الآجُرّ. • المِيْفى: طبق التّنّور ؛ أي غطاؤه. ولا شيء بعد هذا إلّا أنّ (تاج العروس) بعد إيراد ما جاء في (اللّسان) أضاف بعد عبارة « … والرّودق: الشّواء» قولَه مباشرةً « وأيضاً إرَةٌ توسع للخبز» … إلخ؛ فبدتِ العبارة وكأنّها شرحٌ إضافي لكلمة «الرّودق» بينما الصّحيح هو أنّ (الإرة الّتي توسَع للخبز لا تصلح إلّا وصفاً أو شرحاً لشيءٍ يعمل فيه الخبز لأنّ (الإرة) كما شرحَها في الجزء السّابع والثّلاثين من (التّاج) هي «حفرة توقد فيها النّار» وهذا اقترابٌ إلى شرح كلمة (الميفى) لا على أنّها لا تعني إلّا طبق التّنّور، بل حفرةٌ يخبز فيها، ورغم الفرق بين مفهوم الحفرة الّتي يُخبز فيها البدويّ ومفهوم المافي أو الميفى في لهجاتِ اليمن إلّا أنّ هذا يدلّ على أنّ هناك مِنَ اللُّغويّين من لم يقتنع بشرح كلمة الميفى بـ (طبق التّنّور) وعليه أعتمد (التّاج) في هذا الاقتراب المضطرب من محاولة إعطاء الميفى دلالة أنّه شيءٌ يعمل فيه الخبز، ولكن لا هو ولا من سبقه وصلوا إلى الدّلالة الحقيقيّة لـ المافي أو الميفى ولا إلى أصل مادّتها اللُّغويّة العريقة. هذا وليست كلمة الميْفى ومادّتها اللُّغويّة هي الوحيدة الّتي جاءت بهذا الهُزال في معجمات اللُّغة العربيّة , بل إنّ (التّنّور) و(الفرن) و(الطّابون) وكلّ ما له علاقة بهذا الصّدد مصابةٌ في أصول اللُّغة العربيّة , وفي معجماتها المرجعيّة بمثل هذا الهزال في التّصريف اللُّغويّ وفي ضيق الدّلالات وبعدها عمّا أصبح لها فيما بعدُ من دلالاتٍ واضحةٍ وواسعة. فـ(التّنّور) طارئةٌ على العربيّة مِنَ السّريانيّة، ولا تذكره المعجماتُ إلّا كمكانٍ للخبز، و(الفرن) طارئةٌ مِنَ الفارسيّة وهو للخبز أيضا، والطّابون ليس منها إلّا هذه الصّيغة الاسميّة، وليس لها مِنَ الدّلالة مثل مالـ(منطوق) الطّبُون من (مفهوم) في أذهان المتكلّمين باللّهجاتِ اليمنيّة، بل إنّ (الطّابون) في المعجمات هو: مدفن النّار؛ انظر (ط ب ن). ولهذا فإنّ دلالة الطّبخ لا تأتي في أصول اللُّغة العربيّة إلّا في الأثافي وهي ثلاثٌ منَ الحجارة توضع على الأرض ويوضع عليها القدر لطبخ ما فيه. ومن ثَمَّ فإنّ (الأثافي) هي الأشهر ذكراً في المراجع اللُّغويّة وسائر كتب التّراث، وفي هذا الأمر مظهرٌ من مظاهر تكيّف اللُّغة مع الواقع الاجتماعيّ والبيئة الطّبيعيّة في مراحلَ معيّنةٍ من تاريخ التّطوّر الإنسانيّ, وقد سبق الإشارة إلى شيءٍ من هذا في مادّة (أ ب ب) .


المعجم اليمني في اللغة والتراث بواسطة: أرشيف اليمن twitter