المعجم اليمني

برر

ب ر ر

تعريف-1: البُرّ: القمح أو الحنطة، والبُرُّ كلمةٌ معروفةٌ مشهورةٌ كما هو معلوم، والمراد من ذكرها التّطرّق إلى مناقشةٍ لُغويّةٍ مفيدة. إنّ كلمة البُرّ أصحُّ وأفصحُ من قولنا القمح أو الحنطة. فنقوش المسند، وهي أقدم ما دوّن من النّصوص العربيّة القديمة، لا تستعمل إلّا كلمةَ البُرّ وذلك في عددٍ من النّقوش، يكفي الإشارة هنا إلى بعضها (سي /540) و(جام /670) و(إريانيّ/28). ونصوص الشّعر العربيّ القديم، تفضّل هذه الكلمة، قال المتنخّل الهذليّ: لا درّ درّيَ إن أطعمت نازلكم قِرْفَ الحتيّ وعندي البُرُّ مكنوزُ وقرف الحتيّ: سويق المُقْلِ، والمقل هو: ثمر شجرةِ الدّوم. وكذلك اللّهجاتِ اليمنيّة، فإنّها لا تستعمل إلّا كلمة البرّ في جميع المناطق. وكانت كلمة الحِنطة محصورة الاستعمال في الأوراق الحكوميّة الرّسميّة. أمّا كلمة القمح فلم يعرف استعمالها في اليمن ـ على ألسنة العامّة ـ إلّا مؤخّراً وبتأثيرٍ من بعض اللّهجاتِ العربيّة، ومع ذلك بقي استعمالها محصورا، ولا تزال كلمة البرّ هي الشّائعة على ألسن النّاس. وقد نبّه بعض اللُّغويّين العرب إلى فصاحة كلمة البرّ وعراقتها، فقال ابن دريد «والبُرُّ أفصح من قولهم القمح أو الحنطة». وقال الجاحظ عند كلامه عن واصل بن عطاء وتجنّبه النّطق بحرف الرّاء في كلامه لِلَثْغة كانت فيه، فقال:«وكان إذا أراد أن يذكر البُرُّ قال: القمحُ الحنطة، والحنطة لغةٌ كونيّة، والقمح لغةٌ ساميّة، وهذا هو يعلم أنّ لغة من قال برٌّ أفصح من لغة من قال قمحٌ أو حنطةٌ»(البيان: 1/30، تحقيق حسن السّدوبيّ). ويُغلّب صاحب اللّسان طابع الصّفة على كلمة القمح حيث يقول: إنّ كلمة القمح تطلق على البرّ في السّنابل عند اكتنازه وجريان الدّقيق فيه ولهذا يقال: أقمح السّنبل، كما أنّه أشار إلى أنّ كلمة القمح طرأت على أهل الحجاز من الشّام فاستعملوها، ويرى المعاصرون من علماء اللّغات أنّها مصريّةٌ قديمة. أمّا الحنطة فليس لها فصاحةُ البرّ ولا تخصّصها كاسمٍ لهذا النّوع من الحبوب وحده، وكتب اللّغة تشير إلى ذلك، ولهجاتنا اليوم تطلق الحنطة على الحبّة من أيّ جنسٍ من الحبوب، فهي مرادفةٌ لكلمة حبّة. والخلاصة هي أنّ كلمة البُرّ أفصحُ وأعرق، وإذا كانت كلمة القمح قد سادت في سائر اللّهجاتِ العربيّة، فإنّ لهجتنا اليمنيّة قد حافظت على كلمة (البُرّ) خيرَ حفاظٍ حيث ظلّت ولا تزال هي السّارية على الألسن، ولها ذكرٌ كثيرٌ في المقولاتِ الشّعبيّة من حكمٍ وأمثال، ولها ذكرٌ في المقولاتِ الشّعبيّة المنسوبة إلى قائلين بأعينهم. فمن المنسوب قول الحكيم ابن زايدٍ في حكم زراعيّ: مَنْ يِشْتِيَ البِرَّ الاحْمَرْ لَقَّفْ نَباتِهْ (حَداعَشْ) أي: من أراد البُرّ الجيّد فليحسِنِ التّوقيت حتّى يجعل شهر أحد عشر ـ من السّنة الزّراعيّة اليمنيّة وهو أوّل شهور الرّبيع ـ هو الّذي يَتَلَقّفُ إنباته أوّل ما ينبت، وهذا الحكم فيه حيويّةٌ وحركة، إذ يصوّر المزارع وكأنّه في حالة تبارٍ مع المواسم، والفلّاح البارع مثل اللّاعب البارع، يجيد حساب حركته أو ركضه مع حركة زميله في اللّعب، فَيُلَقِّفُهُ الكرة في الوقتِ المناسب إلى المكان المناسب فيتلقَّفها، والمراد بهذه الغَلّة من غلّاتِ البرّ، الّتي تُبذر وتَنبت في شهر(حداعش)، هو غلّة (الدَّثِي) الّتي تحصد في الصّيف عند اشتداد الحرّ. ومن أحكام ابن زايد الزّراعيّة: البِرّ خِرْفِهْ بِنَيْسانْ أمّا الذّرَهْ في كَوانِيْنْ والخِرف هي الحرثة الّتي تسبق موعد البذر، وهي حرثةٌ أساسيّةٌ لخدمة الأرض قبل بذرها.ومن أحكام ابن زايدٍ الاجتماعيّة، ويضرب كمثلٍ في حياة النّاس، للتّعبير عن أنّ الإنسان يحصد ما زرع إن خيراً فخيرٌ وإن شرًّا فشرّ: يا مَنْ تَلَمْ ٭بِرّ جَا بِرّ ومن تَلَمْ حَنْذَرَهْ٭جَاتْ والحنْذَرةُ: ضربٌ خبيثٌ من الزُّؤان . ومن أحكام ابن زايدٍ الزّراعيّة الاجتماعيّة الّتي يبيّن فيها ما يعانيه المزارعون من قلّةٍ وعدمٍ في بعض شهور السّنة حتّى إنّ ثلاثة أشهرٍ تمرّ عليهم ثقيلةً طويلة، كأنّها في طولها التّسعة الأشهر الأخرى من العام, ثمّ يحلّ عليهم موسمٌ بالفرج:
نصْفَ السَّنَةْ تِسْعَةْ اشْهرْ والنّصفَ لاخرْ ثلاثهْ (التِّسع) و(السَّبْع) و(الخَمْسْ) تِبان فيها العَيافَهْ لا سمن فيها ولا بِرْ ولا غنمْ للضّيافَهْ أمّا (الثّلاثْ) قد بها بِرْ يالله تِجَمِّلْ وتِسْتِرْ وانظر في الشّهور الزّراعيّة المذكورة هنا مادّة (ق ر ن)، وانظر أيضاً (ب ق س) .


المعجم اليمني في اللغة والتراث بواسطة: أرشيف اليمن twitter