المعجم اليمني

بلس

ب ل س

تعريف-1: البَلَسُ: التّينُ شجراً وثمرا، والبَلَسَة: الشّجرة المفردة والثّمرة الواحدة. وهذا هو الاسم الجاري للتِّين على ألسنتنا منذ القديم حتّى اليوم، لا نقول له إلّا البلس، وقد جاءت هذه التّسمية في نقوش المسند اليمنيّ القديم، وبالذّات في الزّبور اليمنيّ المكتوب على جريد النّخل بخطّ المُسند المحوّر للكتابة اليدويّة السّريعة، والّتي لم ينشر إلّا بعضُها. كما أنّ الهمدانيّ أطلق اسم البَلَس على التّين، كما في كتابه صفة جزيرة العرب: 262. والبَلَسُ في اليمن أنواع، أهمّها بالطّبع البَلَس البستانيّ، ويسمّى:«بَلَسْ ناس»، وميّزوه بهذه التّسمية لأنّ هنالك أنواعٌ منَ البَلَس البريّ، أشهره الحماط، وهو حلوُ المذاق وحبّاته صغيرةٌ ويتبعه النّاس ليأكلوه، ولكنّهم لا يتملّكونه ولا يجنونه إلى بيوتهم إلّا مَن أراد، ولا يباع في الأسواق. وهناك أنواعٌ منَ البَلَسِ البرّيّ قليلةُ الحلاوة أو لا حلاوةَ فيها مطلقا، وتسمّى « بَلَس رُبَاح» ـ أي قرود ـ أو «بَلَسْ كلاب». والبَلَس البستانيّ أنواع، منها البَلَس الأبيض والبَلَس الأسود، وهما أنواعٌ أيضا، وكلّها فاكهةٌ طيّبةٌ حلوةُ المذاق، ومنها ما هو شديد الحلاوة. وحينما استورد بعض أصحاب المزارع ـ حديثاً ـ نوعاً كبيرَ الثّمرِ منَ البَلَس استوردوه وكانوا يسمّونه (التّين) باسم بلد المنشأ، ولكنّ النّاس أبَوا لكلمة البَلَس إلّا الظّهور فسمّوه:«بَلَسْ تِين». وحينما ظهر قبل ذلك التّين الشّوكيّ لم يسمِّه النّاس إلّا بَلَس، وكذلك حينما أرادوا أن يميّزوه عن بَلَس النّاس نسبوه إلى من يعتقدون أنّهم أحضروه إلى اليمن وهم التّرك فسمّوه: «بَلَس تُرك» أو «بَلَس تركيّ». واشتَقّت لهجاتنا من الاسم أفعالا، فيقال: بلَّس فلانٌ يُبَلِّس؛ أي: جنى البَلَس. ومنه جاء المثل القائل: «بِكَّارة مُبَلِّس» وأصله أنّ النّاس لا يحبون البلس إلّا في الصّباح الباكر، فمن جاء إلى شخصٍ لحاجةٍ ما في الصّباح الباكر فإنّه قد يقول له: خيرٌ إن شاء الله، ما لك بكّرت بِكّارةَ مُبلّس؛ أي تبكير من يحضر هديّةً أو نصيباً منَ البلس. وكان النّاس لا يأكلون البَلَس إلّا في الصّباح، ويعدّون أكله بعد الظّهر منَ الأمور الّتي تتمّ في غير وقتها، ولهذا فقد باركنا لرجلٍ مسنٍّ بولدٍ رُزق به على كبر، فلم يزد على أن قال: بَلس بعد الغداء، وهو مثلٌ للشّيء يأتي في غير أوانه أو بعد أوانه. ويقال في الأمثال: «بَلَس مغَطَّى ببَلَس» يضرب في محاولة من يريد أن يغطّي شيئًا بما يزيده وضوحاً. ومنَ المقولاتِ الشّعبيّة في الثّمار ومواسم صلاحها وفسادها، قولهم: «إذا جا سُهَيلْ فارْجُمْ بَلَسكْ للسّيل» وسهيل هو النّجم الثّالث من نجوم الخريف ـ انظر (ب ق س) ـ وهو نجمٌ كثير الأمطار والسّيول، وفيه يُفسِد الدّودُ البلسَ وينتهي موسمه، ولهذا ينصحون بأن ترميَه ليأخذَه السّيل. ومنَ الأحكام الّتي تتناول أمراً ثانويًّا من أمور الحياة وتُنسَب إلى عليّ بن زايد قوله: إذا البَلَسْ يِحْـرِقَ الحَـلْقْ فِـانَّ اللَّبَنْ ذِيْ دوا لِهْ والأصل فيه أنّ للْبَلَس نسغٌ أبيضُ كالحليب يسبّب حرقةً للفم والحلق، وذلك إذا أُكلَ البلس منَ الشّجرة مباشرةً دونَ حرصٍ على تنقية ثماره من هذا النّسغ، أو السُّبَة٭ والمقولة تذكر أنّ خير دواءٍ لهذه الحُرقة هو اللّبن، والمراد اللّبن الحقين المتخلّف منَ الحليب بعد مخضه واستخلاص زُبدته. والبَلَس مذكورةٌ في القواميس، ورغم أنّها تنصّ على أنّ معناها هو التّين، إلّا أنّها لا تلبث أن تقلقلها ـ أي تورد أنّه قيل فيها كذا وقيل كيت ـ فقد جاء في اللّسان: «البَلَسُ: التّين، وقيل البَلَسُ ـ ثمر التّين إذا أُدرك، الواحدة: بَلَسَة. وقال الجوهريّ: البَلَس: شيءٌ يشبه التّين يكثر باليمن». ولم يأتِ في تاج العروس إلّا ما هو أوهنُ من هذا حيث يقول: «البَلَسُ: ثمرٌ كالتّين يكثر باليمن، قاله الجوهريّ، وقيل: هو التّين نفسه إذا أُدرك، والواحدة بَلَسَة». هذا هو ما جاء في هذين القاموسَين الكبيرين، ولعلّ الّذي أحيا الكلمة عند اللُّغويّين هو مجيئها في حديث للرّسول X، على إحدى روايتيه، وقد ذكر هذان المعجمان الحديثَ مع الخلاف حول موضع الشّاهد، حيث قال اللّسان: « وفي الحديث: «من أحبَّ أن يرِقّ قلبُه فَليُدمِنْ أكل البَلس »، وهو: التّين، إن كانتِ الرّواية بفتح الباء واللّام، وإن كانتِ البُلُس ـ بضمّهما ـ فهو: العَدَسُ» ـ انظر (ب ل س ن) فيما يلي هذه مباشرة، ولم يزد في تاج العروس حول الحديث عمّا في اللّسان. وكلمة البَلَس نادرة الاستعمال في النّصوص التّراثيّة، والحديث هو النّصّ الوحيد الّذي يستشهد به اللُّغويّون ثمّ يختلفون كما يحدث كثيراً في موضع الشّاهد منه. على أنّ أبا العلاء المعريّ الّذي لا يستشهد اللُّغويّونَ بشعره رغم تضلُّعِه باللّغة، استعمل كلمة البَلَس ومعها البِلسِن ـ الّتي ستأتي ـ في سياقهما السّليم حيث يقول: حَسبيَ من بِلْسِنٍ يُمَارسُ لي فإنْ تكُن ليْ حَلاوَةٌ فَبَلَسْ فهو كنباتيٍّ حرّم على نفسه اللّحوم ومنتجاتِ الحيوانات، لا يأكل منَ الطّعام إلّا ما كان منَ الحبوب ونتاج النّباتات كالبِلسِن؛ أي العدس ونحوه، ولا يُحَلِّي بشيءٍ ممّا فيه عسل؛ لأنّه ممّا أنتجته النّحل لنفسها، وإنّما يحلِّي بالفاكهة كالبَلَس الّذي ينتجه شجر البَلَس في معرّة النّعمان ببلاد الشّام. ورغم وضوحها لدينا بحكم أنّها دائرةٌ على ألسنتنا من أقدم العصور وحتّى اليوم، إلّا أنّ شارحي اللّزوميّات وهم كُثرٌ كانوا ـ قبل هذا العصر الّذي كثرت فيه قواميس اللُّغة في أيدي الباحثين ـ يقعون في الخطأ والإغراب في شرح البيت، فقد قرأت في مرجعٍ ـ لم أعد أذكره ـ شرحاً للبيت على النّحو الآتي: البلسنُ: نوعٌ من البقوليّات، فقارب في شرحها ولم يصبِ الحقيقيّة عينَها، أمّا عبارة: فبَلس فقد أغرب في شرحها وابتعد كثيراً حيث ذكر أوّلاً أنّ الفاء داخلةٌ في جواب الشّرط، وهذا صحيح ثمّ قال بعد ذلك إنّ الباء في بلسٍ حرفُ جرّ؛ أي إنّه قرأه فبِلَسّ، وأضاف أنّ حرف الجرّ داخلٌ على اللّسّ منَ اللّساس وهو: النّبات الغضّ الطّريّ. وهكذا أصبحتِ الكلمة من باب (ل س س) وليست من باب (ب ل س) ولم يعدْ لها علاقةٌ بالبَلَس الكلمة اليمنيّة المرادفة للتّين، وفي شمس العلوم اكتفى نشوان بن سعيد بالقول: البلَسُ التّين بلغة أهل اليمن، وأورد الحديث بروايةٍ واحدةٍ هي: البَلس، ولم يورد رواية البُلُس بمعنى العدس، وبهذا أثبت وضوح الكلمة في ذهنه، لأنّها على لسانه ولسان قومه. وفي الحبشيّة يسمّى التّين بلساً لأنّ اللّغة الحبشيّة في أصلها القديم امتدادٌ للُّغة اليمن.


المعجم اليمني في اللغة والتراث بواسطة: أرشيف اليمن twitter