المعجم اليمني

ثمد

ث م د

تعريف-1: ثمود: المستوطِنة في شَمال الجزيرة العربيّة بين الحجاز والشّام قبيلةٌ منَ العرب العاربة ـ ذات جذورٍ يمنيّة ـ تجمع بين الحضريّة والبدويّة، وتنضوي إثنيًّا واجتماعيًّا وثقافيًّا ضمن مجموعاتِ المستوطناتِ التّجاريّة اليمنيّة كالكلدانيّين واللّحيانيّين والعلائيّين والصّفويّين وغيرهم، والمنشأ الأوّل لهذه الكيانات هم (الجمّالة) ورجال القوافل والتّجّار المعينيّون والسّبئيّون والحضرميّون والقتبانيّون، ومهد ثمودَ الأقدمُ في حضرموت، وأهمّ مخلّفات ثمودَ الأثريّة موقع الخريبة والحِجْر ـ مدائن صالح ـ وتشترك مع الكياناتِ الأخرى ومع الجمّالة المستمرّين في قيادة القوافل في ترك كميّةٍ كبيرةٍ منَ الكتابات المشتقّة لغةً منَ اللّغة اليمنيّة القديمة، ولكنّها أقرب إلى العامّيّات، والمشتقّة خطًّا من قلم المسند. وقد أطلق الدّارسون المحدثون والمعاصرون على هذه الكتابات أسماءً تنسبها إلى أصحابها، مثل (الكتاباتِ اللّحيانيّة) و(الصّفويّة) و(الدّيدانيّة) … إلخ، وسِمات هذه المذكورة أنّها كتاباتٌ محصورةٌ في مناطقِ حياة أصحابِها. أمّا مصطلح (النّقوش / الكتاباتِ الثّموديّة) فهو مصطلحٌ واسعٌ من ناحيةٍ وضيّقٌ من ناحيةٍ أخرى، وليس في هذا تناقض، فهو واسعٌ لأنّه يشمل عند الدّارسين عدداً كبيراً جدًّا منَ الكتابات والرّسوم المنبثّة في طول الجزيرة العربيّة وعرضها، من أقصى جنوبها عند سواحل اليمن على جنوب البحر الأحمر وباب المندب وخليج عدن وبحر العرب، إلى أقصى شَمالها بل مع امتدادها إلى قلب بلاد الشّام من خلال الأردن وحوران وجبل العرب، وهو ضيّقٌ لأنّه منسوبٌ إلى قبيلة ثمودَ بمفهومها عندهم كقبيلةٍ صغيرةٍ استوطنت في (وادي القرى) في شَمال الجزيرة العربيّة. ولكنّ هذه هي مشكلةُ الدّراساتِ الإنسانيّة القديمة الّتي نشأت في العصور الحديثة، ففي علم الدّراساتِ اليمنيّة القديمة كجزءٍ من علم دراساتِ الشّرق الأدنى القديم، فبينما يعكف العلماء الحقيقيّون على بناء هذه الدّراسات بناءً علميًّا صحيحاً مدماكاً فمدماكا، بل حجراً فحجرا، لم تخلُ صفوفهم من ذوي الحماس الأيدلوجيّ الميتافيزيقيّ العاطفيّ ثمّ السّياسيّ، ومن ذوي الأغراض السّياسيّة المباشرة والمحضة والإيدلوجيا والسّياسة، ما دخلا في علمٍ بحتٍ إلّا ألحقا به بعض الفساد إن لم يُفسداه كلّيّا ! فإذا غضّ النّظر في المجال العامّ عن الأجناس (السّاميّة) والأجناس (الحاميّة) والحضارة واللّغات (السّاميّة) والأقوام (الحاميّون) وعن أبناء (كنعان) الملعونين، وعن أبناء (كوش) ومنهم (السّبئيّون) الزّنوج … إلخ، فإنّ من عجائب بعض الدّارسين المحدثة أن أراد عددٌ منهم إطلاقَ مصطلحٍ جديدٍ على (الحضاراتِ اليمنيّة القديمة) وهو (الحضارات الصّيهديّة) أي الحضاراتِ الّتي أنتجتْها (رملة السّبعتين) المعروفة بـ (الصّيهد). وبالإضراب صفحاً عن كثيرٍ من أمثالِ هذا، وبالعودة إلى موضوع هذه الكلمة نجد منَ العجائب الصّغيرة أن يقول بعض الدّارسين والمترحّلين العاملين في مجال المستشارين السّياسيّين إنّ (ثمود) قبيلةٌ قدِمت إلى شَمال الجزيرة العربيّة من بلاد (ما بين النّهرين) ـ العراق ـ ولكنّها سرعان ما تكلّمت بلهجةٍ يمنيّةٍ قديمة، ودوّنت نقوشها بحروفٍ مسنديّةٍ أو مشتقّةٍ من حروف المسند.. حسنٌ، لماذا إذًا لم تتكلّم (الآشوريّة) ولم تكتب بالخطّ (المسماريّ) أو بـ (الآراميّ) إن كانت هجرتهم إلى شَمال الجزيرة في زمن سيادته؟ لقد جاءت (ثمودُ) على هذا الرّأي من بلاد (ما بين النّهرين) وظلّت في (وادي القرى) أقرب مسافة إلى (ما بين النّهرين) منها إلى (اليمن)، فكيف تباعدت بها الهمم من خلال المسافات، ورغم المحاولات لتتحوّل منَ الإثنيّة والثّقافة (الآشوريّة) إلى الإثنيّة والثّقافة اليمنيّة؟ كيف؟ ولماذا؟ إنّ الحقيقة الواضحة هي أنّ هذه الكتاباتِ المنتشرة في أصقاع الجزيرة العربيّة هي أوّلاً كتاباتٌ أسّسها الجمّالةُ ورجال القوافل اليمنيّة على طرق القوافل المشهورة بداية، ثمّ وسّعها ونوّع مناطقها المستوطنون من رجال القوافل ومنَ التّجار ومنَ المهاجرين اليمنيّين من أجل الاستيطان في المناطق المناسبة في قلب الجزيرة وشَمالها الغربيّ؛ لضمان سلامة التّجارة اليمنيّة إلى دول العالم القديم خارج الجزيرة وإلى المناطق الدّاخليّة في الجزيرة العربيّة نفسها. والخلاصة أنّه إذا كانت مصطلحات (الكتاباتِ الصّفويّة) و(اللّحيانيّة) و(الدّدانيّة) ونحوها مطابقةً للواقع؛ لأنّها تطلق على هذه الكتابات في مناطقها المحدّدة مع النصّ على أصولها المسنديّة، فإنّ نسبة ما عدا ذلك منَ الكتاباتِ المنتشرة في طول الجزيرة العربيّة وعرضها شَمالاً وجنوباً وشرقاً وغرباً مسألةٌ غير متطابقةٍ مع الواقع، ونسبتها إلى ثمودَ مثل إلباسِ الغزالة جلدَ الفيل. لقد تنبّه بعض المؤلّفين منَ المستكشفين الغربيّين أنّ في هذا المصطلح من جميع جوانبه قلباً للقضيّة رأساً على عقب، فهذا هو المستكشف المؤلّف (فيليب ليبنز) الّذي رافق الرّحّالة والمستشار السّياسيّ عبد الله (جون فيلبي) مع المستشرقَينِ الكبيرَينِ (كونزاك ريكانز) و(جاك ركمانز) في رحلةٍ رتّبها (فيلبي) وجعلها بتكليفٍ منَ الملك عبد العزيز.. يقول بعد أن تكرّر سماعه في أثناء الرّحلة عن أصل ثمودَ وإسهام ثمودَ الحضاريّ وعن الكتاباتِ الّتي دوّنتها قبيلة ثمودَ صاحبة الحِجْرِ والخريبّة، المعروفة تحت مصطلح (النّقوش الثّموديّة) .. نعم.. تنبّه إلى ما في هذا المصطلح منَ القلب والاضطراب، فقال في كتابه القيّم (رحلةٌ استكشافيّةٌ في وسط الجزيرة العربيّة:44): « اسم (ثمود) يدلُّ بشكلٍ غير واضحٍ على بعض قبائلِ شَمال المملكة العربيّة السّعوديّة الّتي يسكنها شعبُ (ثمود)، ومن بين القضايا الّتي حيّرتنا وتزداد حيرتُنا معها أكثر فأكثر هو: عثورنا على آثارهم كلّما اتّجهنا جنوبا، على الأقلّ نحو اليمن وتطرح الـ 9000 نقشٍ الّتي اكتشفناها قضيّة انقراض هؤلاء القوم أو حتّى وجودهم تحت هذا الاشتقاق … إلخ» وهذا يعني أنّ أصول (ثمود) ترجع إلى اليمن. وأوّل ذكرٍ لقبيلة (ثمود) في شَمال الجزيرة جاء في النّقوش الآشوريّة في القرن الثّامن قبل الميلاد، ويظنّ أنّ الاسم دون تحديدٍ جاء في نقشين مسنديّين من (تبن) و(ميفعة) ولم تأتِ مادّة (ث م د) في المعجم السّبئيّ وأكثر ذكرٍ لها هو ما جاء في القرآن الكريم حيث تكرّر ذكرها ستًّا وعشرين مرّة. وثمودُ منَ النّاحية اللُّغوية مشتقّةٌ منَ الجذر (ث م د) وهي فعولٌ بمعنى فاعلٍ كما يقول اللُّغويّون، أي إنّها بصيغة اسم الفاعل الّذي للمبالغة، فعند تصريف هذه المادّة يقال: ثَمَدَ يَثْمِد ثَمداً فهو ثامدٌ أو فهو ثَمْد، فالصّيغة الرّابعة ـ ثامد ـ هي اسم الفاعل بصيغته ودلالاته في الأصل، والخامسة ـ (ثَمود) ـ بصيغة فعولٍ للمبالغة وإفادة الكثرة أو الزّيادة، كما يقال: شاكرٌ وشكورٌ وحامدٌ وحمودٌ وصابرٌ وصبور.. إلخ. واللّغة العربيّة من بين سائر اللّغاتِ السّاميّة هي الّتي تقدّم الجذر (ثمد) مادّةً لُغويّةً غنيّة، فيها ما يساعد على فهم معنى الاسم (ثمود) وشرح دلالاته. فالثَّمَدُ في اللّغة العربيّة: هو الماءُ القليلُ الّذي لا مادّةَ له، أو الماء القليل في الحُفرِ التّرابيّة والقِلاتِ الصّخريّة. ويأتي من هذه المادّة فعلٌ متعدٍّ فيقال: ثَمَدَ فلانٌ الماء يَثمِدُه ثمداً.. وأثمدهُ واستثمدهُ فهو ثامدٌ له؛ أي نازفٌ له وثَمُودٌ له مكثرٌ من استنزافه. ونصّتِ المعجمات المرجعيّة على أنّ اسم الحيّ أو الشَّعب أو القبيلة (ثمُودُ) مشتقٌّ من هذا الجذر بدلالاته هذه، وقال الزّبيديّ في (تاج العروس): «قيل سُمّيت ـ ثمُودُ لِقلَّةِ مائها، كأنّهُ منَ الثّمَدِ، وبَسَطهُ في العناية» هذا وصيغةُ فعولٍ يستوي فيها المذكّر والمؤنّثُ فيقال: رجل ثمودٌ وامرأة ثمودٌ عند الوصف، ويقال في الوصف أيضا: هذا الشّعبُ ثمودٌ للماء، وهذه القبيلة ثمودٌ للماء، وفي التّسمية يقال: اسم هذا الحيّ أو الشّعبِ (ثمودُ) واسم هذه القبيلة (ثمُودُ) للعلميّة والتّأنيث، وصرف ما لا ينصرف كثيرٌ وغير مستقبحٍ عند النّحاة واللُّغويّين كمنع ما ينصرف. وكان المستحسن بعد التّعريف العامّ بـ (ثمود) الفرع النّازح والمستوطن لبعض أكناف (وادي القرى) في شَمال الجزيرة أن يكون مسك الختام الحديث عن (ثمود) الأصل في أراضي حضرموت، ولكنّ الحديث عنها لا بدّ أن يكون وافياً بقدر المستطاع، وبهذا ستزداد هذه المادّة طولاً على طولها.


المعجم اليمني في اللغة والتراث بواسطة: أرشيف اليمن twitter