المعجم اليمني

حزر

ح ز ر

تعريف-1: حَزَرَ: نَظَرَ، تفيد محض النّظر، وتفيد نظرةً معيّنة، وهي النّظرة الجانبيّة الخاطفة منَ المرأة، أو النّظر شزراً بغضبٍ منَ الرّجل أو المرأة، وفي النّظرة الجانبيّة ذاتِ المغزى تقول أغنيةٌ منَ العفويّ: حَزَرْكَ لِيْ حَزْرَهْ لَوْ ما غُمُرْكُ يا غارَةَ اللهْ وَيْشَ انا عِمِلْكُ! لَوْما٭: حتَّى أو إلى أن.. وغُمُرْكُ بمعنى: أصابني الدّوار وتشوّش الرّؤية. وهذا محبٌّ يتعامل مع حبيبته تعاملاً حربيّا، فهي تخالسه النّظر من مكانٍ لا يستطيع الوصول إليه فيقول: ما تِنْفَعَ الحَزْرَهْ منَ المَتارِسْ انْزِلْ إلى المَيْدانْ فارِسْ لفارِسْ استطراد حَزَرْكَ لي حَزْرَهْ … إلخ، هذه أوّل شاهدٍ منَ الشّعر العفويّ، يأتي فيه ضمير الفاعل للمخاطَب كافاً مبنيًّا على الفتح، بدلاً منَ التّاء، وذلك في (حَزرْكَ)؛ ويأتي فيه ضمير الفاعل للمتكلم كافاً مبنيًّا على الضّمّ، بدلاً منَ التّاء، وذلك في (غُمِرْكُ)و(عملْكُ) . وحلول الكاف محلّ تاء الفاعل المتّصل بالفعل الماضي، للمخاطَب والمخاطَبة وللمتكلّم والمتكلّمة لغةٌ يمنيّةٌ قديمة، تعود إلى لغة اليمن قبل الإسلام، وظلّت ساريةً على ألسنة اليمنيّين في لهجاتٍ واسعة، بعد الإسلام، وحتّى اليوم، حيث لا يزال المتكلّم بهذه اللّهجة يقول: «أنا قُلْكُ» و«أنا عملْكُ» والمتكلّمة تقول أيضاً «أنا قلْكُ» و«أنا عملكُ» بالكاف المبنيّة على الضّمّ، بدلاً من «قلتُ» و«عملتُ» بالتّاء، ولا يزال يقال للمخاطب: أنت قلكَ وأنت عملكَ ـ بفتح الكاف ـ وللمخاطبة:«أنتِ قلكِ»و«أنتِ عملْكِ» بدلاً من (قلتِ) و(عملتِ)، مع إشباع الكسر إلى ياءٍ مع المخاطبة . وعند الطّبعة الأولى لهذا الكتاب، لم تكن النّصوص المسنديّة المتاحة تقدّم ـ على كون هذه لغةً يمنيّةً قديمة ـ إلّا شاهداً واحدا، في نصٍّ مسنديٍّ وحيدٍ هو: (ريكانز/508) الّذي يعود إلى المرحلة المتأخّرة من عصر التّوحيد الدّينيّ، وفيه يتضرّع صاحبه إلى الإله قائلاً:«وسلم/على/ملكت/حمير/وليترحم/رحمنن/على/علمن/»؛ أي: «وسلامٌ على ملكوت حمير، وليترحّمْ الرّحمن على العالم» ثمّ يقول: «رحمك/مرأ/أت»؛ أي: «لقد رحمتَ ربٌّ ـ عظيم ـ أنت» وفي النّصّ جاءتِ الكاف محلّ تاء المخاطب مع البناء على الفتح طبقاً لما هو متوقّعٌ منطقيًّا. ويضاف إلى الشّاهد السّابق على ضمير الرّفع للمخاطب في «رَحِمْكَ»، شاهدٌ جديدٌ جاء في النّصّ المسنديّ (عنان/11)، فخلال عمليات تنقيبٍ في (أوام)، أعيد الكشف عن هذا النّصّ، وحصل كاتب هذه الأسطر على صورةٍ فوتوغرافيّةٍ له، فأعاد نشره؛ وفيه تحدّث صاحبه عن نفسه بصيغة المتكلّم في السّطر السّادس والسّابع من أصل النّصّ، قائلا: « ولمحرمكِ/ دأسك/مثل»؛ أي « ولِمحرمِكَ ـ أيها الإله ـ ماوجدتُ مثيلا» والفعل (أَسَى) بمعنى: وجد، و(أَسَيْكُ) بمعنى: وجدت: وجدتُ فالكاف في آخرها هو ضمير المتكلّم جاء كافاً بدلاً منَ التّاء. وعند نشر الكتاباتِ اليمنيّة القديمة على عسب النّخل بخطّ الزّبور المشتقّ منَ المسند، سوف تأتي شواهدُ جديدةٌ لتؤكّد قاعدة استبدال الكاف بالتّاء في لغة اليمن القديمة، وغيرها منَ القواعد اللُّغويّة الخاصّة؛ وذلك لأنّ النّصوص المكتوبة بخطّ الزّبور غير ملتزمةٍ بالقيود الّتي تلتزم بها الكتابة بالمسند؛ وقد كتب العالم اليمنيّ أ.د (يوسف محمّد عبد الله) عنِ الكتابات بخطّ الزّبور بحثاً نشره على حلقتين في مجلّة (اليمن الجديد)، وقال فيه: « وهذه النّصوص تحوي مصطلحاتٍ ومفرداتٍ وتعابيرَ جديدة، قلّ أن ترد في النّقوش المعروفة، فالنّقوش المعروفة ـ مثلاً ـ يندر أن تتحدّث بغير ضمير الغائب المفرد والجمع، أمّا هذه النّقوش الخشبيّة، فتتحدّث أيضاً بضمير المتكلّم … إلخ» اليمن الجديد: عدد6ـ سنة 1986م. وذكر الهمدانيّ هذه اللّهجة وسمّاها « لغةً حِمْيَريّة»، ففي الإكليل: 8/62، تحقيق القاضي محمّد بن عليّ الأكوع، أنّ (إلي شرح يحضب) لما انتهى من بناء (غُمدان)، قال فيه شعراً بالحِمْيَريّة لم يحفظ الرّواة منه إلّا بيتا يقول: إنِّي أنا القيلُ إلي شرحٍ
حَصَّنْكُ غُمدان بِمَنْهَماتِ أي: حصَّنتُ، والمنهمات: الحجارة الضّخمة المشذّبة. وفي المصدر نفسه: 230، أورد خبراً آخر يقول: «وُجِد مسند بحقل قتاب، في قبر، وفيه: أنا شمعة بنت ذي مراثد، كُنْكُ إذا وَحِمْكُ أُوِّلَ بالقُشْم من أرض الهند بطلّه زاهدا٭» . كنكُ: كنت. وحمكُ: توحّمت بالحمل. أوِّل: أُتي به. القُشم٭: الفواكه والخضار. زاهدا٭: طريّا. وفي كتب التّراث العربيّ إشارةٌ إلى هذه اللّهجة، فالكتب المرجعيّة في التّاريخ أو في اللّغة تذكر أنّ من كان في جيش معاويةَ من أهل اليمن ـ وهم كثرةٌ كاثرة ـ كانوا يرتجزون في حربه مع ابن الزّبير، فيقولون: يا ابن الزّبير طالما عصيكا
وطالما عَنَّيْتنا إليكا فينطقون تاء المخاطب كافاً مع البناء على الفتح كما في التّاء. ومعلومٌ أنّ جموعاً كبيرةً من حِمْيَر كانت في جند الشّام، وبخاصّةٍ من (ذي الكلاع) و(ذي رعين) وهم الّذين لا تزال هذه اللّهجة هي السّائدة بينهم إلى اليوم. ولنا حول هذه اللّهجة بعينها ملاحظةٌ مهمّة، وهي أنّ الظّواهر اللّهجيّة تتّسم بخصوصيّةٍ مناطقيّةٍ بين الجنوب والشّمال وبين شتّى المناطق وذلك لأسبابٍ كثيرةٍ يضيق عنها هذا المجال . فلو أخذنا ـ مثلاً ـ ظواهر تشقيق القاف، وعدم تعطيش الجيم، ورفع ما قبل الهاء ضمير الغائب في الأسماء والأفعال وحتّى بعض الحروف.. لوجدنا أنّها ظواهرُ جنوبيّةٌ إلى جنوبيّةٍ غربيّة، ولا نكاد نجد لهذه الخصوصيّة المناطقيّة استثناء. ولكنّ ظاهرة استبدال الكاف بالتّاء ضمير المتكلّم وضمير المخاطب في الأفعال الماضويّة ظاهرةٌ غير خاضعةٍ لهذه الخصوصيّة المناطقيّة، فرغم أنّها اللّهجة السّائدة في الجنوب والجنوب الغربيّ، إلّا أنّها لا تزال لهجةً مستعملةً في بعض أنحاء (صعدة) . ففي السّتينيّات منَ القرن الماضي، جمعني مكانٌ مع جماعةٍ من صعدة، وكنت منصرفاً عمّا يدور بينهم من حوار، ولكنّ أحدهم قال مخاطباً آخر: «قد قُلْكُ لك يا ناجي … إلخ» فلفتت مسمعي وذهني هذه العبارة بشدّة، لأنّ الكاف كضميرٍ للمتكلّم جاء بعد قافين نطقاً غير مشقّقين، وقبل جيمٍ نطقت معطّشة، بينما كنت معتاداً على ألّا أسمع الكاف ضميراً للمتكلّم أو للمخاطب، إلّا في اللّهجاتِ الّتي تشقّق القاف ولا تُعَطَّش الجيم؛ ولاشكّ أنّ هذا التّوافق اللّهجيّ ـ في النّطق أو في المفردات ـ على مثل هذا التّباعد المناطقيّ داخل الكيان الواحد، يُعَدّ منَ الأمور الهامّة، الجديرة بالتّأمل والتّفكير، وبالدّراسة والتّحليل، لأنّ لها منَ الأبعاد التّاريخيّة والاجتماعيّة ما يتجاوز بكثيرٍ محض كونها ظواهرَ لُغويّة، وذلك أمرٌ لا يقتصر على النّطاق القطريّ الوطنيّ الخاصّ فحسب، بل ويتجاوزه إلى النّطاق الأوسع في الإطار القوميّ العامّ، وعلى هذا أمثالٌ وأدلّةٌ كثيرة لها مجالها الّذي يتّسع لدراسة كلّ أبعادها .


المعجم اليمني في اللغة والتراث بواسطة: أرشيف اليمن twitter