المعجم اليمني

شرف

ش ر ف

تعريف-1: الشَّرْف، بفتحٍ فسكون: ورق الذّرة البلديّة إذا كبر وطال وبلغ نموّ القصبة والحبّ في السّنبلة مداه، فلا يخشى على نموّها بنزعه ويخشى على الورقِ التّلف بالجفاف، وفي هذه الحالة يجتمع النّاس رجالاً ونساءً في مجموعاتٍ في الحقول لجمعه وحزمه في ربطاتٍ ليكون علفاً للبقر خاصّة، وهم يؤدّون هذا العمل بفرحٍ ومرح؛ لأنّه يتمّ في أوائل نجم (علّان) وقد تجاوزوا نجوم الخريف، الّتي يمرّون فيها بأزمةٍ وقلّة، لأنّها تكون بين البينين، فلا الأرض وزرعها يعطيان لأنّ الزّرع في الخريف يكون طور نموّه الأخير، كما أنّ المخزون يكون قد نفد لمرور فترةٍ زمنيّةٍ طويلةٍ نسبيًّا على آخر حصاد، ولهذا يقولون عنِ الخريف: «شهر الخريفْ شَهرْ فِلَيتْ, لا فِي الوادِيْ ولا فيْ البيت»، وعبّروا عنه بكلمة شهرٍ لأنّ الأزمة تشتدّ في الشّهر الأخير من شهوره، ويقولون عنه إنّه شهر «لا قدْ بَهْ وَلا عادْ بَهْ»، أي ليس فيه شيء، فلم يظهر في الوادي ما يغنيهم حتّى يقولوا: قد به ما يغني، كما أنّ البيوت قد خلت فلا يستطيعون أن يقولوا: عادْ بِه؛ أي: لا يزال لدينا فيها ما ينفع, أمّا في العلّان ومنذ بدايته فإنّ الأمر يتغيّر لأنّ «قَدْ بِه»؛ أي: أنّ الخير بدأ يدرّ عليهم منَ الأودية والمزارع, وفي هذا الوقت يبدأ جمع أوراق الذّرة كما ذكرت، ولهذا فإنّ هذه الجماعات منَ العاملين رجالاً ونساءً ـ والنّساء خاصّة ـ يردّدون في أثناء هذا العمل أغاني: (المُعِيْنات ـ جمع مُعِيْنَةٍ لأنّها تعين على العمل ـ) أو (الهجلات ـ جمع هجلة ٭) وتتخلّلها أيضاً أهازيج العمل السّريعة. والشَّرف هو بصيغة الجمع، والواحدة شَرْفَة، وجاء في الأمثال قولهم: «… اِفْرَشْ لِهْ شَرْفَهْ»؛ أي: إنّ من يأتي بلا دعوةٍ لا يستحقّ أن تهتمّ به؛ ويعبّرون عن هذا العمل بأفعال، نقول: شَرَف النّاس الذّرة يَشْرِفُوْنَها شَرْفا، ويقال: النّاس هذه الأيّام مشغولون بالشَّرْف، فالشَّرْف مصدر، وهو: اسم معنى، كما أنّه اسم ذات. ويقال للشَّرْفِ: الشَّرْياف ـ بكسرٍ فسكونٍ ففتحٍ خفيفٍ على ياءٍ بعدها ألفٌ ليّنة ـ الواحدة منه: شِرْيافَة, ولهم منها أفعال، يقال: شَرْيَفَ النّاس الذّرة يشَرْيِفُوْنَها شَرْيَفَة. وهذه الكلمة ـ شِرْياف ـ هي الّتي وصلت إلى أسماع بعض اللُّغويّين القدماء، ولكنّها تصحّفت في الطّريق إليهم، فتحوّلت ياؤها ـ المثنّاة من تحت ـ إلى نون، ولا مجال للقول بأنّ تصحيفها جاء متأخّراً بحكم أخطاء المتأخّرين وأغلاط المطابع، فاللُّغويين القدماء يوردونها في بابها حسب التّرتيب الأبجديّ؛ أي في الشّين مع الرّاء والنّون آخرها فاء, وهذا هو نصّ ما جاء في لسان العرب ولم يحرّفه ابن منظور، وإنّما نقله محرّفاً عنِ الأزهريّ، وربّما نقله الأزهريّ محرّفاً عمّن قبله: «شَرْنف: الشِّرْناف: ورق الزّرع إذا كثر وطال، وخشي فساده، يقال حينئذ: شَرْنَفْت الزّرع إذا قطعت شِرْنافه, قال الأزهريّ: وهي كلمةٌ يمانية، والشِّرْناف: عَصْف الزّرع العريض؛ يقال: قد شَرنفوا زرعهم إذا جزُّوا عصفهم. انتهى». والتّصحيف هنا واضحٌ. والصّحيح أنّ شرنَفَ هي شريف وأنّ الشّرناف هو الشّرياف، ومادّة (شَرْنَفَ) لها عندنا استعمالٌ في مجالٍ آخر، فالشِّرْناف ـ صيغةٌ مصدريّةٌ خاصّة ـ هو أيضاً الشَّرْنفة؛ أي: تفليج حافة الشّيء في شكل مثلّثات، وهو: عمل الشّرانف والشّرانيف للبيت المكتمل بناؤُه، والشّرانيف هي تلك المثلّثات المزخرفة المنصوبة على حافات سطوح البيوت لتزيينها؛ انظر (ش ر ن ف). أمّا جمع أوراق الذّرة فلا يقال فيه إلّا: شَرْيَفَ يُشَرْيِفُ شَرْيَفةً فهو مُشَرْيِف، والورق أو القصب مُشَرْيف.وحُزَم الشّرف والشّرياف يحتفظ بها علفاً للأنعام والبقر خاصّة. تعريف-2: الشَّرَف: ما ارتفع وأطلّ منَ الأرض، وهو ما أشرفت منه، أو أشرف عليك منها, هذه كلمةٌ قاموسيّةٌ معروفة، وهي على ألسنتنا دائرةٌ حيّة؛ وليس فيها خصوصيّة، ولكنّ اليمن بلاد الجبال الشّواهق، والحيود٭البواسق، و(والضِّياح٭) السّوامق، والأشراف الحوالق، و(الزِّحاب٭) العوالق، و(المَحايِب٭) الدّواهق، جديرةٌ بأن ينوّه إلى ما فيها من الشُّرُفات والأشْراف والمشارف الخوارق, إلى جانب كون كلمة الشّرف منَ الأرض، تدلّ على ما أشرف وارتفع وأطلّ، إلّا أنّ لها شيئًا من خصوصيّة الدّلالة عندنا، إذ إنّها أيضاً تدلّ على الحافة النّهائيّة الّتي تكلّل الشّاهق الجبليّ، وتكون كالخطّ الفاصل بين الأرض المنبسطة فوق، وبين ما يليها من شاهقٍ جبليٍّ تحت، وإليه يفضي سير من يسيرون للإطلال منه، ويقول القائل منهم: وصلت إلى الشّرف؛ أي إلى تلك الحافة، واليمنيّون يقفون على أطرافها أو يجلسون على حافتها مدلّين أرجلهم في بداية الشّاهق، كلّ ذلك بتوازنٍ عجيبٍ يدلّ على التّآلف التّامّ مع البيئة، فلا يغشاهم دوار، ولا يغيم لهم نظر، ولا يختلّ لهم توازن، وإنّ منهم لَمَنْ يتسلّقها صاعداً وهابطاً لا ترتعد له فريصة. وكم في اليمن من أشرافٍ بواذخَ يطلّ منها النّاس، على الأودية والسّهول، ويكفي للتّدليل على ذلك أنّنا كنّا نسير من شرف ريمانَ إلى شرف إريان، أو شرف حضار، أو شرف الرّقَّة، أو شرف صُفا، أو شرف عُنُق، أو شرف الرّيد أيّ ريد.. كلّ هذه في دائرةٍ ضيّقةٍ يذهب الذّاهب إليها مشياً على الأقدام، بلا مشقّة، وذلك لكي نجلس على هذه الأشراف مطلّين على ما دونها منَ المناظر. وكم في اليمن من قريةٍ اسمها: قرية الشّرَف، وكم من دارٍ اسمها: دار الشّرف، وإنّك لترى هذه القرى وهذه الدّور وقد بنيت واجهاتها (المصالية٭) للشّاهق الجبليّ، من أقصى طرف الحافة المشرفة على ما تحتها منَ الحيد فتصعد الجدارن المبنيّة متناسقةً مع ارتفاع الشّاهق في تآلفٍ عجيبٍ وانسيابٍ مدهش، يدلّان على التّناسب الجميل بين ما هو من إبداع العمل اليدويّ للإنسان وبين ما هو موجودٌ في الطّبيعة من إبداع خالقها العظيم، وإنّ منَ القرى ما يكون محاطاً بسورٍ مبنيٍّ من جهاتها الثّلاث، أمّا الجهة الرّابعة المُصالية للحيد، فإنّك لتشاهد سوراً هائلاً تنزلق فيه العيون على جدران البيوت مع ما يليها من الجدار الصّخريّ الأزلّ فلا يكاد يطمح إليه النّظر. وكم منَ الأشعار الفصيحة والعامّيّة المنسوبة والعفويّة المنبثقة من صفوف النّاس تذكر هذه الشّواهق والشّوامخ الأشراف السّامية المنيفة، فهذا شاعرٌ فصيحٌ هو ابن إسحاقَ في عهد الإمام محمّد بن يحيى بعد محاصرة هذا الإمام لحصن (إريان) ومحاولة تهديمه، ثمّ اعتزامه لاقتحام بلاد (وُصاب) وحصنها (العُقاب) فيقول شاعره: أمن بعد (إِريانٍ) يعزُّ (وُصابُ) ويحميه من دون العِقاب (عُقاب) ؟! لقد كان في (إِريان) للنّاس عِبرةٌ تخاف دواهي شرّها وتهاب محلٌّ بأكناف السّحاب معلَّقٌ منَ الشِّمّ لا يرقى إليه غراب وممّا يغنّى في العفويّ ويذكر ما على هذه الأشراف من دِورٍ قولهم: (دارَ الشَّرَفْ) عالِيْ عَلى العَلالِيْ وانا المُوَلَّعْ كَيْفْ يُقَعْ بِحالِيْ (دارَ الشَّرَفْ) و(المَوْرَدَهْ) سَقاها ما احْلَى البَنات الْبِيضْ فَوْقْ ماها ومن (المُعِيْنَات) العفويّة أيضا: يا اهْلْ (دار الشَّرَف) قَلْبِيْ عَليْكُم تِلَفْلَفْ لا لِقِيْتَ النَّصَفْ وَلا حَمُوْلَ الهَوَى خَفْ ومنها: حَنّ قَلْبِيْ ثَلاثْ حَنّاتْ كَلَّف حِجامَهْ وزادْ حَنَّ الجَمَلْ لا ما افْتَطَرْ مِنْ سِنامَه يا اهل (دار الشرف) ما بِشْ عَليْكُمْ مَلامَهْ … إلخ انظر: (ح ن ن). وممّا يغنّى: قَدْ صَيَّحُوا مِنْ حَيْدْ لا شَرَف حَيْدْ مَحَبَّة المِبْعِدْ مِلاحَقَةْ صَيْدْ هذا غيضٌ من فيض، وهو كثيرٌ لمن تتبّعه, ويقال: الشّرف لحافة سطح البيت ولكلّ حافةٍ عالية، ويقال أيضاً للحافات غير العالية مثل حافة الطّاولة أو حافة المصطبة ونحو ذلك.


المعجم اليمني في اللغة والتراث بواسطة: أرشيف اليمن twitter