المعجم اليمني

شقر

ش ق ر

تعريف-1: التَّشْقِير في نقوش المسند الّتي تتحدّث عنِ البناء، هو: إكمال بناء البيت، وتكليله بتلك الزّخرفة المعروفة في أعلاه، تكون زينةً له وتشعرك بأنّه بيتٌ مكتملٌ ومُشَقَّر، فلا يبدو لك مثل تلك البيوت الّتي لم تُشَقَّر حيث تبدو لأعيننا كأنّها ناقصةٌ لم تكتمل، أو كأنّها جمّاءُ أو حاسرةٌ بل مقطوعة الرّأس، وذلك هو ما يبدو لنا لأنّنا قد تعوّدنا على رؤية البيوت المكتلمة مُشَقَّرةً بذلك المدماك أو المداميك المزخرفة، أو على الأقلّ المغايرة لوناً أو شكلاً لسائر البناء, ولا تزال هذه المادّة جاريةً على ألسنتنا بمعناها القديم المتعلّق بالبناء، وبتوسّعٍ أكثرَ فيما يتعلّق بالزّينة الّتي يتّخذها النّاس لتزيين رؤوسهم بوضع المَشاقِر في طيّات ما يعتمّون به أو يلبسونه فوق رؤوسهم، والمشاقر هي: أضاميم الورد والرّيحان وغيره ممّا يتشقّرون به طلباً للزّينة والرّائحة الطّيّبة، وتتشقَّر في طيّا خمرهن عند صفحة الوجه. فمن جانبٍ يقول (أساطية) البناء لصاحب البيت: إذا كنت لن تعلِّيَ شقرنا وإلّا تركنا البيت بلا تشقير، ويتمّ العمل حسب طلبه، فإذا كان صاحب البناء متحيّراً قالوا: سنشقِّر وإذا علّيت يكون التّشقير حزاماً للبيت. ومنَ الاستعمال العامّ لهذه المادّة: نقول: تَشَقَّر فلانٌ يتشقَّر تشقّارا، فهو متشقِّرٌ ومُشَقَّر، ونزيد فيها ميماً لمزيدٍ منَ التّعبير عنِ التّجمُّل، فنقول: تَمَشْقَر فلانٌ يَتَمَشْقَر تِمشْقاراً ومَشْقَرةً فهو مُتَمَشْقِرٌ ومُمَشْقَرٌ. والمتعدّي منه نقول فيه: شَقَّر فلانٌ فلاناً يشَقِّره تشقيراً وشِقّارا، فالأوّل مُشَقِّرٌ والثّاني مُشَقَّر. والرّجال يتشقَّرون كما ذكرت، بغرز تلك الأضاميم أو الأغصان في طيّاتِ ما يعتمّون به من شالاتٍ وسمايطَ ـ انظر: (ص م د) ـ ودساميل، وحتّى بغرزها في فتحاتِ كوافي الخيزران، أو قوافعِ الخوص والسّعف، وقد تجد شابًّا تهاميًّا بشعره المفلفل الطّبيعيّ الجميل، وقد غرز المَشْقُر في شعره وثبّته بذلك الطّوق الفضّيّ المسمّى العكاوَة، فترى صورةً للشّباب وعُجب الشّباب، وقد يتشقّر هذا أو ذاك بطوقٍ يضفره من أغصان بعض النّباتات الطّيّبة ويُتَوَّج بذلك الطّوق رأسه مثل إكليل الغار، ولشدّة ميل النّاس ـ منذ زمنٍ طويل ـ إلى هذا التّزيّن بالتَّمَشْقُر والتِّمِشْقار، فقد رأينا البائس حاسر الرّأس الّذي لا عِمَّة له ولا عِكاوَة وهو يغرز المشقر في شعره ويثبّته بخيطٍ ـ أيِّ خيط ـ يطوّق به رأسة لتثبيت المَشْقُر، ويسير متخايلاً به. والنّساء يتشَقَّرْن كما ذكرت وهنّ يضعن المَشْقُر من تلك الأضاميم منَ الزّهر والأغصان منَ الرّياحين أو المشاقر الصّناعيّة بجانب خدودهنّ ظاهرةً من خلال ما يضعنه على رؤوسهنّ من خُمُرٍ ونحوها, أمّا المشاقر الصّناعيّة، فكانت تأتي منَ الهند ـ فيما أظنّ ـ والواحد منها باقة منظّمة من أزاهيرَ صغيرةٍ منَ الحرير الملوّن، مع زينةٍ برّاقةٍ منَ اللّمّاع وحبّاتٍ منَ اللّؤلؤ الحقيقيّ أو الصّناعيّ إلى جانب نمانمَ وكريّات زجاجٍ ملوّنةٍ شفّافةٍ تسمّى (هوا مَطلي) فقد كان الزّجاج لرقّته كأنّه هواء، ولكنّه ملوّنٌ بشتّى الألوان فكأنّه (هواء ملوّن)، ثمّ جاءت مشاقرُ منَ الرّيش الدّقيق ذات ألوانٍ سوداءَ فاحمة، فالواحد منها يبدو وكأنّه جُمّةٌ من شعر شرخ الشّباب، وبهذا تتشقّر بعض مَن وخطَ الشّيب رؤوسهنّ فتظهر من مشقرها ما يوهم بأنّه شعرٌ فاحم السّواد، وعموماً كان للنّساء لهجٌ بالمشاقر وإنّك لتجد الرّاعية الكادَّة في الجبل وقد راقتها بعض النّباتات البرّيّة كتلك الّتي تسمّى (شُقُرْقُر) أو ذلك المسمّى (شُقُر فاطمة بنت النّبيّ) أو نحوهما، وقد أخذت منها غصناً أو شكّلت أضمومةً فَتَشَقَّرت بها طلباً للتّجمّل وكلفاً بالزّهور والرّياحين وطيب الرّائحة، وهذا ميلٌ عامٌّ عند اليمنيّين، وقد يسأل سائلٌ عنِ المدن اليمنيّة: لماذا لا يوجد فيها محلّات لبيع الورود والزّهور؟! فأقول له: دعك من مدن اليوم، فهي تنمو وتتشكّل بموجب مقتضيات التّجمّعات السّكنيّة الخليطة، وبما يتّسم به عصر الدّول النّامية من لهاثٍ وإضاعةٍ للشّخصيّة.. أقول: دعك من ذلك وانظر إلى ما تبقّى في الأرياف، وهي بقيّةٌ باقيةٌ تذكّرنا بأيّامٍ تعود إلى ما قبل بضعة عقود، حينما كانت القرية لا يكاد يخلو بيتٌ من بيوتها من (أحواضٍ) حوله، أو (أُصصٍ) على حافات سطحه، أو أفاريزِ نوافذه من (مَجاوِل٭) مغروسةٍ بالرّياحين منَ الحبق بجميع أنواعه الخضراء أغصانُه أو المائلة إلى البياض أو السّوداء ذات اللّون المشوب باللّون اللّيلكيّ أو البنفسجيّ، وذوات الأوراق الكبيرة أو المتوسّطة أو الصّغيرة، بما يكون فيها جميعاً منَ (الحماحم٭) الغضّة النّضيرة أو الأغصان المحبَّبة إلى نفوس المتمشقرين من ذوات الزّهر وأغلفة الحبوب الجميلة, ثمّ هنالك إلى جانب الرّيحان بجميع أنواعه الورود العطرة ـ من ورد الحوجم والمسمّى الجوريّ ـ إلى أصنافٍ منوّعةٍ من ذوات الزّهر كـ (المُطابق) و(التّلِّيس) و(الزِّر٭) و(القطيفة) و(القرنفُل) وغيرها، مع أصنافٍ أخرى منَ الرّياحين كـ (الشّذاب) و(الإزّاب) و(الرّيمان٭) و (الغُبَيْراء٭) و(الزّباد٭) إلى جانب (الكاذي٭) في الأودية ـ انظر: (ك ذ ي) ـ وغير ذلك ممّا لا أعرف له مقابلاً منَ القاموسيّة ولا بالمصطلحات العلميّة الحديثة, وقبل بضعة عقود منَ الزّمن شاهدت في جبل صبر جِرْبَةً للشّيخ (محمّد ذَمَّرَين) وهي مزروعةٌ كلّها بـ (الزِّرّ) ـ القرنفل ـ الأحمر اللّيلكيّ وكانت كلّها (زَهْرةً واحدة ـ كما نقول ـ)فرأيت أجملَ منظرٍ في حياتي، حيث يمتدّ أمام النّاظر بساطٌ هائلٌ من هذا المنظر الفريد، ولقد فهمت منَ القائم على هذه الجربة أنّهم يبيعون (الزِّرَّ) أضاميمَ أو باقاتٍ تتشقّر بها النّساء وكلّ باقةٍ منها ملء اليد بأثمانٍ غاليةٍ تجعل الزِّرَّ أغلى من أيّ غلّةٍ أو زرعٍ أو فاكهةٍ ينتجها الجبل, فلماذا لم تستمرّ هذه الظّواهر الجماليّة الرّائعة؟ إنّه العصر المسمّى بالزّمن الرّديء, ولن ننسى أنّ زراعة الفلِّ في تهامةَ هو منَ الزّراعات الجماليّة الاستثماريّة العريقة ولا يزال، بل إنّ منه ما يصدّر إلى بعض الدّول المجاورة. ونعود إلى المادّة فأقول: إنّ ضروب الرّيحان المسمّى بالحبق لم يكن يسمّى ـ في لهجاتٍ واسعةٍ ـ إلاّ بـ (الشُّقُر) حتّى صارت الكلمة كأنّها اسمُ ذاتٍ له، فإذا قلت: عند فلانٍ حائطٌ أو حوضٌ أو أصصٌ ـ أجوال ـ منَ الشُّقُر، لم يتبادر إلى الذّهن إلّا ضروب الرّيحان بأنواعه المذكورة سابقا، وذلك لشيوع المشاقر الّتي كانوا يتشقّرون بها من أنواع هذا الرّيحان؛ انظر: (الحبق). والشُّقُرقُر البرّيّ، أخذ اسمه من هذه المادّة اللُّغويّة، وهو يشبه ريحان الحبق، ورائحته هي الرّائحة نفسها وإن كانت أخفّ، ويكثر في بعض العوارض الجبليّة حتّى يحمل الهواءُ روائحه مسافات. وشُقُر فاطمةَ بنت النّبيّ: نبتةٌ بريّةٌ تعلوها أغصانٌ عليها زهورٌ صغيرةٌ مرصوصةٌ رصًّا ممّا يشكّل باقةً أنيقة، ولا بدّ أنّ لهذه التّسمية أسطورةً تنسبها إلى فاطمةَ الزّهراءِ بنتِ الرّسول ﷺ، وكأنّها تزيّنت به لسببٍ منَ الأسباب. وحتّى شُنْقُرَة الدّيك وغيره منَ الطّيور، هي من هذه المادّة وشُنْقُرة الدّيك هي: عُرفه، أو زَيْنه ـ كما يسمّى في بلاد الشّام ـ حيث يسمّون عرف الدّيك (الزَّين)، وجمع الشُّنْقُرَة: شَناقِر. ولهذه المادّة بصيغها المختلفة ذكرٌ كثيرٌ في المقولات التّراثيّة لمن يتقصّى ذلك، أمّا هنا فأذكر ما يتبادر إلى الذّهن، فممّا يُغَنَّى في العفويّ قولهم (من مجزوء البسيط): قَلْبِيْ مُوَلَّعْ بِرَيْحانَ الجُبا لا شَقَّرُوْنِيْ وَلا قالوا جَبا والجُبا، بالضّمّ: سطح البيت؛ والجَبا، بالفتح: ما يُقَدَّم هديّةً لشخصٍ مع قول مُهديه: هذا جَباكْ, والمراد هنا الفتاة والفتيات المطلّة أو المطلّات منَ السّطوح, وقولهم: يا مِشَيْقِرْ خُزامْ كَمْ لِيْ مِرَبِّي لكْ ايّام لا سِخِيْتْ اقْطُفَكْ وَلا مِعِيْ قَلْبْ هَكّامْ المِشَيْقِر ـ ننطقها بكسر الميم ـ: تصغير المَشقُر, والخُزام: نبتٌ معروف, ولا سخيْتْ: أي لم أطب نفساً عليك, والهَكّام: المقدام, والمشيقر كنايةٌ عنِ الحبيب. والشُّقُر: اسم جمعٍ للرّيحان كما ذكرت، وممّا يغنّى فيذكره: يا بَناتْ يا بنات ما احْلَى صُفُوْفَ البِنَيّاتْ مِثلْ حايِطْ شُقُرْ حَماحِمِه ْ مِلْتَقيّات والحَماحِم: جمع حُمْحُمَة، وهي: الغصن الغضّ الملتفّ منَ أغصان الرّيحان يفضّلونه كمَشْقُرٍ على غيره. وأعتقد أنّ ما جاء في المعجمات عن كلمة (حَماحِم) في مادّة (حمم) ليس دقيقاً تماماً حيث تقول: «والحَماحم: ريحانةٌ معروفة، الواحدة: حَماحِمة, قال مُرَّة: الحَماحِم بأطراف اليمن كَثيرةٌ وليست برّيّةً وتعظم عندهم». والصّحيح أنّ الحَماحِم هي: جمع حُمْحُمة، والحُمْحُمةُ هي: الغصن النّضير الملتفّ المزهر منَ الرّيحانة يقطفونه ويتشقّرون به أو بأفضل جزءٍ فيه وحتّى لو قيل للغرسة من غرسات الرّيحان إنّها حُمْحُمة، فإنّما ذلك من باب إطرائها بصفاتها الّتي هي النّضارة والالتفاف والحسن والإزهار، ولم نسمع أنّ الحماحِم هو اسم جمعٍ ومفردته حَماحِمَة، وإنّما المفرد حُمْحُمَة، والجمع: حَماحِم، وهي ما ذكرت. وممّا يغنّى منَ الحمينيّ قول عبد الرّحمن الآنسيّ في ذكرياته عن تهامة (من مخلع البسيط): وَأبيضَ الفُلّ ذاكْ الازْهَر شَبِيْهْ ثَغْرَ الرَّشا الأغَرْ مَنْ صَفّ زَهْرِهْ ومن تِمَشْقَرْ وِرَصَّفِه ساعَةَ السَّمَرْ ومن أغاني التّراث الشّعبيّ الصّنعانيّ: مَنْ مَشْقَرَكْ بالفُلِّ والياسمين؟ ومَن غَرَسْ في الخدِّ وَرْدِهْ؟ ومنَ الأمثال قولهم: «جا مِتْشَقِّرْ بِعَقْلِه»، يقال لمن يصل إلى موقفٍ يتداول النّاس فيه الآراء حول أمر، فيأتي مختالاً بنفسه معتدًّا برأيه وكأنّه لن يحسم الموقف إلّا هو، ويقال لكلّ مغرور, ويروى المثل: «جَا لِي مِتْمَشْقِرْ عَقْلِهْ». ومنَ الأمثال قولهم: «جا مِتْشَقِّرْ بِتالُقَهْ وِرادِفْ لِتالُقَه»، والتّالُق أو الطَّولَق هو منَ أضخم الأشجار حجماً في اليمن وهو ضربٌ من شجر البنغال، ويقال المثل لمن يعود من معركةٍ أو مهمّةٍ وهو معتدٌّ بما أحرزه فيها، وتقال العبارة في (السُّمايات) لوصف العفريت أو المارد الّذي يأتي للشّرّ تضخيماً لحجمه المخيف. تعريف-2: المُشاقَرَة هي: اختلاس النّظر، أو النّظر بحذرٍ من وراء شيءٍ أو من فُرجةٍ ضيّقة. تقول: فتح من في البيت الباب فتحةً خفيفةً وتشاقَر، إن كان أحدٌ في الخارج، فهو يَتَشاقر مُشاقَرَة, وكذلك من ينظر من ثقب مفتاحٍ أو من يطلّ برأسه من وراء صخرةٍ ونحوها ليستطلع أمراً فإنّه: متشاقرٌ يتشاقرُ للأمر مشاقرة. والأمّ الحريصة على طفلها تتركه في الغرفة، ثمّ تعود بين حينٍ وآخرَ فَتَتَشاقَر إن كان نائماً أو مستيقظاً ولتطمئنّ أنّه بخير، فتفتح الباب بهدوءٍ فتحةً صغيرةً وتتشاقره؛ أي تتفقّده بتلك النّظرة المختلسة. و في اللّهجة المصريّة يستعملون هذه المادّة بصيغة: تَشَقَّر فلانٌ يتشَقَّر تشقّار، وممّا يغنّونه عنِ الأمّ وحنانها قَولهم: تِنامِيْ وتِسْهَرِيْ وتِباتِيْ تِفَكَّرِي وِتِصْحِيْ مِنِ الآلامْ وتِيْجِيْ تِشَقَّرِي ويقول مسافرهم لصديقه: أرجوك اتْشَقَّرْ لِيْ على الأولاد حتّى أعود … إلخ؛ أي: مرّ بهم وألقِ عليهم نظرةً بين حينٍ وآخر. وأظنّ أنّ لهذه المادّة أصلاً قديماً انتقل منِ اليمن إلى مصر، أهملته القواميس، وأصلها القديم كان مجرّدا؛ أي شَقَر يشقُر، ومصدره الشُّقْر، ولهذا جاء في الأمثال اليمانية: «الشَّقْرْ وَلا العَمَى». والشَّقْر: الرّؤية الخفيفة، وقد تخيّلوا أنّها تخرج من بقيّة فتحةٍ في العين كأنّها تَشْقُر من ثقبٍ شقرا, ومعنى المثل: إنّ شيئًا ولو يسيراً خيرٌ من لا شيء.


المعجم اليمني في اللغة والتراث بواسطة: أرشيف اليمن twitter