المعجم اليمني

صرب

ص ر ب

تعريف-1: الصِّراب: الحصاد, وهذه كلمةٌ عربيّةٌ يمنيّةٌ قديمةٌ وردت في عددٍ منَ النّقوش، وفي الشّهور المذكورة في النّقوش المسنديّة هنالك شهر (ذو صربان)؛ أي: (ذو الصّرب) أو (ذو الصّراب). وأصلها من مادّة: صَرَبَ يَصْرُب صَرْبا، بمعنى: قطع يقطع قطعا, وهي واردةٌ في النّقوش بهذه الدّلالة، حيث يأتي فيها قولهم: إنّ فلاناً بن فلانٍ قد صَرَب هذا الممرّ الجبليّ صرباً في صميم الصّخر؛ أي: قطع وشقّ. ثمّ جاءت منها صيغة (فِعال) الدّالة على الحركة والاستمرار مثل: ضَرْبٍ وضِرابٍ، وقَتْل وقِتال، ومثل موسم البَذر وموسم البِذار … إلخ. أمّا أفعالها فباقيةٌ كما هي فنحن نقول: صَرَب النّاس الزّرع يصربونه، ويمكن أن نقول: صَرْبا، ولكنّ الشّائع أنّ نقول: صِرابا، لإفادة الدّلالة الّتي ذكرت. وهذه المفردة اللُّغويّة العريقة جاريةٌ على ألسنتنا بمختلف صيغها، ولها دلالاتٌ عميقةٌ في النّفوس، لما تعنيه منَ الخير والنّعمة وتحقيق الآمال بالجدّ والجهد والعرق. ونظراً للتّنوّع المناخيّ في اليمن، تتعدّد مواسم الصّراب في العام الواحد. وفي منطقةٍ جبليّةٍ كمنطقتي، حيث تبلغ أعلى قمّةٍ فيها إلى ثلاثة آلاف متر، تتحدَّد ثلاث صَرَباتٍ واضحةٍ: صراب (القياظ)، وصراب (الدّثأ)، وصراب (العَلّانيّ)، والأخير هو أهمّها، ولهذا إذا قيل (الصّراب) هكذا مطلقاً فإنّهم إنّما يعنون صراب العلّانيّ بعد نجم (علّان) وهو آخر مَصْربٍ في العام، ويبدأ في شهر أيلول ـ سبتمبر ويستمرّ في شهر أكتوبر، وتسمّى غلّته الصّربيّ أو العلّانيّ. ومادّة صرب في ألسنتنا عامّة متصرّفةٌ تصريفاً كاملا، وتأتي منها إلى جانب الصّيغ الفعليّة عددٌ منَ الصّيغ الاسميّة مثل: المَصْرَب الّتي تدلّ على الوقت وتحلّ محلّ كلمة الصِّراب، فتقول: هذا مَصْرَب البرّ، ونحن الآن في مصرب الذّرة؛ ومثل الصِّرَّابَة الّتي تطلق على ما يُعطى صدقةً لمن يقصد النّاس في حقولهم وهم يصربون، وفيها يقولون: خرج فلانٌ يتَصَرَّب؛ أي: يسعى وراء هذه الصِّرّابَة، وقد تطلق الصِّرّابَة على ما يعطى للصّاربين إذا أُعطوا أجرتهم عيناً ممّا يصربون. ومثل كلمة الصِّرْبِيّ الّتي تطلق من باب النّسبة على أحسن الحبّ وأجوده من برٍّ وشعيرٍ خاصّة، فيقولون هذا برٌّ صِرْبيٌّ أو علّانيّ، وهذا شعيرٌ صِرْبيٌّ أو علّانيّ، ولمّا كان المراد بكلمة صِرْبيٍّ ما يصرب في صراب علّان المهمّ والمذكور سابقا، فإنّه لا يقال ذُرةٌ صِرْبيٌّ ولا علّانيّ؛ لأنّه ليس للذّرة إلّا مَصْربٌ واحدٌ هو (صراب علّان), بينما البرّ وغيره يغلّ عدّة مرّاتٍ في السّنة. ويرد عددٌ من صيغ هذه المادّة في المقولات الشّعبيّة، فمنَ الأمثال قولهم: «من تلم ـ ويقال من زرَعَ ـ الحِيْلَهْ صَرَبَ الفَقْر»، وهو مِثْل المَثَل المشهور: «من يزرع الرّيح يحصد العاصفة». وجاء في الأمثال اليمانية: «مَنْ بَكَّرْ بِالمذْرَى صَرَبْ» يضرب لمن يعمل الأشياء في حينها، ويضرب في أنّ من سبق إلى عملٍ كان أحقّ بنتائجه. وجاء فيها: «كَفاكَ الله شَرّ جُوْعَ الصِّرابْ وِعَطَشَ الخَرِيْفْ»؛ أي: تلف المحصول في موسمه الأساسيّ وانقطاع المطر في أغزر الفصول مطراً عندنا, وجاء فيها: «خَرَجَتْ الكَلِمِهْ صَرَبُوا الشَّعِيْرْ اخْضَرْ», وقصّته أنّ رجلاً وجد شخصاً في بيته في وقتٍ غير مناسب، فلمّا سأله لم يجد جواباً إلّا أن قال: جئت أستعير منكم الشَّريْم ـ المِنْجَل ـ لأنّنا سنحصد شعيرنا غدا، وفي اليوم التّالي لم يجد بُدًّا من صراب الشّعير رغم أنّه لم يكن قد أينع، وذلك مصداقاً لكلامه الّذي قاله تنصّلا. والصّارِب: الحاصد، ونحن نقول: الصَّارِبيّ لإفادة الإفراد بوساطة ياء النّسبة، وممّا يجري مجرى الأمثال قولك لمن يطلب منك شيئًا سبق أن وعدت به آخر: «قَدْ في ظَهْرَها صارِبِي»؛ أي: قد أصبح لها حاصدٌ غيرك، أو تقول لمن وعدته بشيءٍ وَفَاتَهُ لتعجّلك أو لتأخّره: «جَا فِي عَرْضِها صَارِبِي»؛ أي: قد فاتتك وفاز بها حاصدٌ جاء عرضا. وكثيراً ما يحدّد المزارعون مواعيد الوفاء ببعض التزاماتهم إلى ما بعد الصّراب، لفراغهم من أعمالهم، ولامتلاكهم القدرة المادّيّة على التّنفيذ, ومنَ العبارات الشّائعة قولهم في تشميتِ العاطس إذا كان فتًى أو شابًّا عازبا: «شِبِّهْ وِشبابْ، وِزَواجَهْ بالصِّرابْ».


المعجم اليمني في اللغة والتراث بواسطة: أرشيف اليمن twitter