المعجم اليمني

عرب

ع ر ب

تعريف-1: العِرابُ: النَّيكُ, هذه هي الصّيغة الاسميّة، وهي أيضاً صيغة اسم المعنى؛ أي: المصدر، حيث إنّه يقال مثلاً: عَرَب فلانٌ فلانةً يَعْرُبها عِراباً ولا يقال عَرباً مثل نيكا، وذلك لدلالة العراب على التّشارك بين اثنين . ومادّة (ع ر ب) بكلّ مشتقاتها، قد حلّت في الأعمّ الأوسع من لهجاتنا، محلّ مادّة (ن ي ك)، وهي مستعملةٌ كمادّةٍ أساسيّةٍ في هذا المجال للتّعبير عن هذه الدّلالة وذلك في معظم اللّهجات، وحتىّ اللّهجات الّتي تقدم مادّة (ن ي ك) بمشتقّاتها، أو (خ ن ث) بمشتقّاتها لا نجدها تجهل الأولى ولا تمتنع عن استعمالها فهي مادّةٌ عامّةٌ في جميع المناطق. وهي أيضاً مادّةٌ تامّةُ التّصريف وقد سبق منها صيغ الاسم واسم المعنى ـ المصدرـ وفعلاها الماضيّ والمضارع، أمّا الأمر منها فهو: إِعْرُب، واسم الفاعل: عارب، واسم المفعول: مَعْروبة، ومن يكثر وقوع ذلك عليها فهي: مَعْرَبة، والمكثر:منَ الرّجال مُعارِب، والمجيد المحسن: عَرّابَ، والتّشارك: مُعارَبةٌ وللمبالغة: مِعْرابة. أمّا المصدر الثّلاثيّ منها (عَرْب) فممكن الاستعمال لكنّ الجاري إهماله. والمرَّة: العَرْبَة، والجمع: عَرَبات. وبنظرةٍ تأصيليّة، نجد لهذه المادّة ذكراً في نقوش المسند اليمنيّ القديم، ولها عدّة دلالات، ومنها دلالةٌ قريبةٌ من هذه الّتي نحن بصددها، وهي دلالة: عَرَبَ على الغلبة الّتي يحقّقها المنتصر، ودلالة الخضوع والرّضوخ عند المنهزم ـ بصيغة تَعَرَّب له. أمّا دلالتها الجنسيّة، فأوّل استعمالٍ لها فيهما بعد، جاء على لسان الهمدانيّ ـ وعند البحر النّعامي ـ في قصيدته المشهورة الحميريّة. وبورودها عند الهمدانيّ والنّعاميّ بهذه الدّلالة الجنسيّة في عهد التّدوين اللُّغوي، كان منَ المفروض أن تأتي هذه الدّلالة في قواميس اللّغة العربيّة، ولكن يبدو أنّ اللُّغويّين لم يعلموا أو لم يعملوا بهذه الدّلالة وقاربوا ولم يكادوا حينما قالوا إنّ من دلالات (عرب) دلالةٌ تأتي بصيغة التَّعَرب، فتعرّب المرأة لزوجها، هو: التبذّل له بالكلام المثير للشّهوة وقت الخلوة. وفي لهجةٍ جنوبيّةٍ وأخرى شماليّةٍ غربيّة، نجد لمادّة (عَرَب) عند النّاطقين بهما استعمالين، أوّلهما بالمعنى الجنسيّ المذكور، والثّانيّ مشابهٌ أو مقاربٌ لما جاء في النّقوش المسنديّة؛ أي للغلبة في حربٍ ونحوها، والتّفوق في أيّ سجالٍ أو أيّ مجال، والغبن أو البخس في البيع والشّراء ونحو ذلك. ورغم أنّ استعمالهم لها في الدّلالات الجنسيّة حيٌّ ومستمرّ، إلّا أنّه لا يبدو عليهم أيّ حرجٍ أو تلوُّمٍ عند استعمالها في المعنى الثّاني مع ما يتبادر إلى الذّهن من معاني الدّلالة الأولى. فقد تسمع أحدهم يقول: تحاربنا أو تنافسنا أو تبارينا مع بني فلانٍ فعربناهم؛ أي: غلبناهم أو تفوّقنا عليهم، وقد يعترف بالهزيمة فلا يتورّع أن يقول: فعَرَبونا، وقد يقول أحدهم لصاحبه: عَرَبك التّاجر في هذه البيعة؛ أي: غبنك، أو يقول: لقد عربت التّاجر فيما اشتريت؛ أي: بخسته. ورأيت في ريف تعزّ شابًّا يشتري فاكهةً من شابّة، وسمعته يقول لها بلا خبث: أمّا أَمْسِ فقد عربتيني في الفاكهة الّتي بِعتيها لي، وسمعتها تردّ بعفويّة: أمّا اليوم فلن أَعْرُبَك وخذ هذه السّلّة ففيها فاكهةٌ ستعجبك. ويروى أنّ الإمام يحيى عيّن عاملاً في جهة الشّرفين أو المحابشة أو تلك الجهاتِ الشّماليّة الغربيّة، ثمّ دخل صنعاء رجلٌ منَ المنطقة، ولمّا كان ممّن يعتدّ برأيهم رغم عفويّتة الرّيفيّة، فقد استقبله الإمام وسأله عن رأيه في العامل، وأراد الرّجل أن يثني بخيرٍ على العامل لحزمه وسرعة بتّه في القضايا وكيف أنّه يدفع المبطل بالحقّ في موقفٍ واحدٍ فلا يلبث أن يلزمه به، فقال الرّجل في ثنائه: والله يا سيْدي إنّه يِعْرُبَك وأنت مسَنّب ـ أي واقف ـ فضحك الحاضرون لكلامه هذا وتوجيهه الكلام بصيغة المخاطب للإمام، وهو لم يردّ إلّا أنّ العامل يفرض الحقّ على كلّ إنسان ببراعة. وترد صيغ مادّة (عرب) ومشتقّاتها المختلفة، في عددٍ منَ المقولاتِ الشّعبيّة كالأمثال والحكم وما يغنّى منَ العفويّ غير المنسوب، وما يقصد به المزاح منَ الشّعر الهزليّ المنسوب، ومن بعض هذا ما يلي: يقول مثل: «العِرابُ مُشاوَرَهْ، والوِلادْ بالصَّوْتْ»، والمشاورة هنا معناها: الهمس بالكلام في الأذن استيداعاً للسّرّ ويُقال: مُلاخَسَة؛ أي إنّ الجماع ـ والمراد سفاحاًـ يتم سرًّا كالهمس في الأذن ولكنّه يؤدّي إلى الحمل ثمّ الولادة، والولادة لا تكون إلّا علناً وبالصّوت العاليّ فينجم عن ذلك فضيحةٌ مدوّيّة، ويقال المثل في التّحذير من إتيان العمل المشين الّذي قد يرتكبه الخاطئ بيسرٍ وبطريقةٍ غير مفضوحة، ولكنّ نتائجه تؤدّي إلى فضيحةٍ علنيّةٍ لا يمكن التّستّر عليها. ومنَ الأمثال: «عِرابْ الكلبْ ما يِجِيْ بِضَرْبِهْ»، يقال في العمل الشّاقّ المتعب والّذي لا تأتي نتائجه متكافئةً مع ما كابد فيه صاحبه منَ المشقّة أو الألم، وذلك مثل الكلب الّذي لا تتساوى متعته عند سفده للكلبة، مع ما يقاسيه من آلام الضّرب وأوجاع الرّجم بالحجارة من قبل أشقياء الأطفال وفضول المارّة. ومنَ الأمثال المناطقيّة قولهم: «العِرابْ في العَرُوْس، والغُسْلَهْ في عُصَيْفِرَِهْ»، والعَروس هو أعلى قمةٍ في جبل صَبِر، وعصيفرة: منطقةٌ فيها غيلٌ جارٍ في السّفح الأدنى منَ الجبل وبين المكانين مسافةٌ شاسعة، ويقال المثل في استغرابِ التّنافر والتّباعد بين عملين يفترض أن يكونا متلازمين، وله نظائر في أمثالٍ أخرى كقولهم في صنعاءَ وذمار: «الدَّقَّهْ بصنعا، والبَرَعْ في ذمار»، وقولهم في العدَين: «ضَرْبَةَ الْمَرْفَعْ بِشُقِّحْ، والبَرَع في الفَوْدَعِيِّهْ». وقولنا: «الدَّقَّهْ بِسُمارَهْ، والبَرَع في السَّحُوْلْ». ومنَ الأمثال أيضاً: «مَنْ كانْ ابوهْ يِعْرُب النّاس كانَ القَضا في عياله»، والمراد بالعراب هنا، الظّلم والعدوان وغبن النّاس وبخسهم ونحو ذلك. وطمع شابٌّ في امرأةٍ وأهدى لها عطراً ولكنّها لم تمكّنه من شيءٍ بينما مكّنت غيره، فغنّى مندّداً بها حينما مرّت به: يا سَعْدِيِهْ يا بِنْت أَيْرْ أيرِيْ العِطْرْ مِنّيْ والعِرابْ لِغَيْريْ وللمادّة ومشتقّاتها ذكرٌ كثيرٌ ونكتفي بما مرّ.


المعجم اليمني في اللغة والتراث بواسطة: أرشيف اليمن twitter