المعجم اليمني

فصر

ف ص ر

تعريف-1: الفَصْر هو: القطع والمنع عنِ الاستمرار في أمرٍ ما حتّى نهايته. ففي الثّلاثيّ المجرّد المتعدّي، يقال: استعجلت فلاناً فَفَصَرْته عن عمله، أو: فجعلته يَفْصِر عمله ويأتي. وفَصَر فلانٌ فلاناً يَفْصِره فصرا؛ أي: قطعه عنِ استمرار الاستمتاع بعملٍ يقوم به فتوقّف ولم ينهِه. ومن هذا القبيل: فَصْرُ المحتضر، وفَصْرُهُ يكون بالنّواح والعويل، فالمحتَضَر الّذي يلفظ الرّمق الأخير يبدو للحاضرين في لحظةٍ ما أنّه مات وانطفأ، فيرتفع الصّراخ والعويل وخاصّةً من بعض الحاضرات، وإذا بالمحتضر يفتح عينيه أو يتململ ويتّضح أنّه لم يمت، ويعتقدون أنّه عاد إلى مرحلةٍ كان قد خلَّفها منَ النّزع وبذلك يطول احتضاره بسبب الفَصْر، ولهذا فقد يقول أحد العقلاء منَ الحاضرين لأولئك المعوّلين أو المعوّلات: يا جماعة فصرتم المحتضر حرامٌ عليكم ففَصْر الميت حرامٌ فاتركوه يموت بهدوء. والمزيد منه يكون بتضعيف الفتحة على الصّاد. يقال: فصَّر فلانٌ عمله؛ أي: انصرف قبل أن ينهيه لإدراك الوقت له، أو لإهمالٍ وتقصير، فعمله مفَصِّرٌ ولا بدّ من إتمامه. فصَّر فلانٌ العمل يفَصِّره تفْصِيراً وفِصّاراً فهو مفصَّرٌ له والعمل مُفَصَّر، والمزيد بالتّاء والتّضعيف يكون لازما، فيقال: تفصَّر العمل يتفصَّر تِفِصّاراً أو تَفَصُّرا. تعريف-2: الفِصْر, بكسرٍ فسكونٍ وقد يكون الأصل: الفُصْر, بضمٍّ فسكون, ولكنّ الشّائع هو الأولى، والفِصْر هو: الشّرخ الفادح يحدث في البيوتِ الكبيرة المبنيّة بالحجارة ومن عدّة طوابق، فينصدع البيت من أعلى إلى أسفل بشقٍّ متعرّجٍ قد يكون رأسيًّا تقريباً أو مائلاً أو شاقوليًّا كأنّه رسم صورة البرق، وهذا الصّدع أو الفِصْر يعبر المداميك، ففي مدماكٍ قد يأتي توجّهه مقابلاً أو قريباً منَ الفاصل الّذي يكون بين حجرين فيمرّ الصّدع من هذا الفاصل ويباعد بين الحجرين فلا يبقيان على تلاصقهما المحكم في وقت البناء، وفي المدماك الّذي يليه يكون توجّهه مصوّباً نحو وسط حجرٍ في المدماك فيشقّ الحجر من أقرب نقطة ضعفٍ فيه، فهذا حجرٌ مشقوقٌ من نصفه، وهذا من ثلثه، وهذا من ربعه إلى جانب ما يمرّ به من الفواصل بين كلّ حجرين. ومثل هذه الفصُوْر أو التّصدّعات تدلُّ على خللٍ في توضّع البناء وعدم إحكامٍ في تأسيسه فهو ينشطر هكذا محاولةً لتصحيح توضّعه وتوازنه، ومن يصاب بيته بهذا الفِصْر يهتمّ له ويغرم مالاً جديداً للتّرميم والنّقض لبعض الأجزاء وإعادة البناء. أمّا إذا أصيب البيت بأكثرَ من فصر في واجهتين أو ثلاثٍ أو في واجهاته الأربع، فإنّ حادثاً مؤلماً يكون قد حلّ بصاحبِ البيت؛ إذ لا بدّ منَ الهدم الكامل منَ القمّة إلى الأساس وإعادة البناء كليّةً بما في ذلك من تعبٍ وغُرم. وفي الواقع فإنّه يبدو لي أنّ نظرة النّاس إلى الفِصْر أو الأَفْصار بالجمع تتجاوز مسألة الأسى لما حلّ بالبيت من ضررٍ مادّيٍّ وما سيؤدّي إليه من غُرمٍ ماليٍّ إلى نوعٍ منَ المشاعر الغيبيّة بحلول لعنةٍ أو طالع شؤمٍ ونحسٍ وإدبارٍ بمن يحدث له ذلك، وخاصّةً إذا كان من كبار القوم، فهو نفسه يشعر بذلك ويؤلمه أكثر ممّا يؤلمه التّعب والغُرم. والنّاس يكونون نحوه بين صديقٍ راثٍ ومؤانس، أو بين خصمٍ شامتٍ ومتشفٍّ لحلول ما يسمّونه (الإنكيس) برجلٍ يعادونه أولا يحبّونه على الأقلّ. وأعتقد أنّ النّظرة إلى الفِصْر على هذا النّحو المادّيّ والغيبيّ هي بقيّةٌ من رواسب الماضي البعيد الّذي كان النّاس يعتقدون بغضب الآلهة وبحلول العقابِ الدّنيويّ على من تغضب عليه منَ النّاس، وليس بأيدينا منَ الوثائق المسنديّة ما يؤكّد هذا بشكلٍ مباشرٍ ينصُّ عليه بعينه، ولكنّ القرائن غير المباشرة عن حالاتٍ شبيهةٍ منَ الغضب الإلهيّ وحلول العقاب على نحوٍ قريبٍ من هذا متوفّرةٌ لدينا. ولعلّ الكشوف الأثريّة ووثائقها المسنديّة ستحدثنا عن هذه الحالة بذاتها حديثاً مباشراً إن شاء الله.


المعجم اليمني في اللغة والتراث بواسطة: أرشيف اليمن twitter