المعجم اليمني

حمن

ح م ن

تعريف-1: الحُمَيْني: فنٌ ذو خصوصيّةٍ من فنون شعر العامّيّة في اليمن. هذا التّعريف حاولت أن أبرز فيه رأيي في المدلول الذّهنيّ لكلمة (حمينيّ) كاسمٍ يطلق على فنٍّ منَ الفنون الشّعريّة المندرجة تحت مفهوم (شعر العامّيّة). وأبدأ بشرح كلمة (فنّ) هنا فأقول: أوّلاً: إنّ الأدب كلّه بشعره ونثره يندرج بأجمعه تحت مفهوم كلمة (فنّ) لأنّه نشاطٌ إنسانيٌّ يشترط فيه أساساً قدرٌ منَ الموهبة الّتي لا فضل للكسب فيها بل للكسب المعرفيّ فضلٌ يُضافُ إليها. ثمّ إنّ النّقاد اصطلحوا على أن يطلقوا على قسمي الأدب الرّئيسيّين اسم: (فن) فقالوا: فنُّ الشّعر وفنُّ النّثر. ثمّ على كلّ فرعٍ من فروع الأدب كلمة (فن) فقالوا: فنُّ القصيدة وفنُّ القصّة، وفنُّ الرّواية . . إلخ، ثمّ اصطلحوا أيضاً على أن يطلقوا على شُعبةٍ داخل هذا الفنّ أو ذاك اسم الفنّ أيضا، ونكتفي هنا بالشّعر لنجد أنّهم قالوا: فنُّ العموديّ وفنُّ الموشّح وفنُّ الزّجل وفنُّ الدّوبيت . . إلخ. ثمّ فنُّ الغزل وفنُّ الوصف وفنُّ المدح . . إلخ. فإذا كان الأدب اليمنيّ كلّه فنًّا بصفةٍ عامّة، فإنّ واحداً منَ التّصنيفات يمكن أن يتحدّث فيه عن فنّ الفصيح وفنّ العامّيّ إذا كان الدّارس يهدف إلى غايةٍ علميّةٍ من غاياتِ البحث والتّحليل. وعندما يأتي إلى فنّ العامّيّة بصفةٍ كليّةٍ سيجد فيه فنّ النّثر كالأساطير والحكم والأمثال الشّعبيّة، وسيجد فيه فنّ الشّعر وهذا هو المتوخّى هنا. وشعر العامّيّة في اليمن فيه فنونٌ مثل: (فنّ الأغاني العفويّة) ـ غير المنسوب ـ و(فنّ الأغاني الشّعبيّة المرتجلة) و(فنّ الأحكام الزّراعيّة والاجتماعيّة)و(فنّ الشّعر الرّيفيّ المنسوب) و(فنّ الشّعر ذي الطّابع القبليّ)، ثمّ هذا الفنّ العريق الجميل الّذي يسمّى (الحُمَيْنيّ), ومن هذا المنطلق جاءت كلمة (فن) في هذا التّعريف. وأمّا عبارة (ذو خصوصيّة) فكلّ فنٍّ من فنون شعر العامّيّة الّتي أشرتُ إليها له خصوصيّةٌ عند دراسته وتحليله إلى عناصرَ ومعانٍ وصورٍ وأخيلة. وخصوصيّة الحُمَيني ذات شقّين: خصوصيّةٌ في ذاته، وخصوصيّةٌ في قائليه، فأمّا خصوصيّته في ذاته فمنها ما يلي: 1 ـ كون مفرداته اللُّغويّة أقرب إلى ما هو مستعملٌ منَ المفردات في الشّعر الفصيح، بحيث تقل فيه المفرداتِ اليمنيّة الخاصّة عن مثيلاتها في فنون شعر العامّيّة الأخرى بغضّ النّظر عن كونها عربيّةً قديمةً فصيحةً أم لا. 2 ـ قربه منَ الفصيح من حيث الأغراض والمعاني والصّور والخيال، والبيان، والبديع أكثر من سواه. 3 ـ قربه منَ الفصيح من حيث الشّكل، فهو في القصائد أقرب إلى قصيدة الشّعر العربيّ الخليليّة حتّى لو كانت بوزنٍ خاصّ، وفي ما هو مقطع وموشّح أقرب إلى فنّ الموشّحات وضروبه في التّراث العربيّ العام، على أنّ للحمينيّ اليمنيّ أوزانه الخاصّة أيضا. وأمّا خصوصيّته في قائليه، فهي خصوصيّةٌ لا تعني التّميز والامتياز، ولا يقصد بها الانحصار في مستوياتٍ اجتماعيّةٍ معيّنة، بل هي خصوصيّةٌ تعليميّة، حيث يكاد يكون كلّ ناظمي هذا الفنّ الشّعريّ من ذوي الحظّ المعيّن منَ التّلقي والتّعليم بنِسبٍ معيّنةٍ تصل إلى من يوصفون في كتب التّراجم بالعلماء والأدباء والشّعراء الأعلام، ومنهم من كانوا كذلك فعلاً في أزمنتهم. وأمّا العبارة الأخيرة في التّعريف «من فنون شعر العامّيّة في اليمن» ففيها تأكيدٌ على أنّ الحمينيّ فنٌّ من فنونٍ أخرى، و(شعر العامّيّة) هي العبارة الّتي فضّلتها من بين ما استعمله أدباؤنا منَ العبارات في مقالاتهم وكتبهم حول هذا الموضوع، وهي العبارة الّتي فضّلها وأطلقها الدّكتور عبد العزيز المقالح وجعلها عنواناً لكتابه المعروف عن هذا الفنّ من فنون الأدب اليمنيّ، وفي (شعر العامّيّة) عموم وفي (الحمينيّ) خصوص، فما كلّ ما قيل بالعامّيّة (حمينيّ). وأعود إلى كلمة (الحُمينيّ) منَ النّاحية اللُّغويّة البحتة، وفي هذا الصّدد أرى أنّها مقابلةٌ لـ (الحَكَمِيّ)، وكلا التّسميتين منشأهما تهامي، بل وأعتقد من شَمال تهامة، وكلاهما نسبةٌ إلى قبيلةٍ ومكان، فأمّا الحَكَمِيُّ فإلى قبيلة (حَكَم) المشهورة بالفصاحة، وأمّا حُمَيْن فمجاورةٌ لها وأقلّ منها التزاماً بقواعد اللّغة. ومسألة جهلنا بمكانٍ أو قبيلةٍ ــ ربما صغيرةٍ أو متفرعةٍ من قبيلةٍ أكبر ــ اسمه أو اسمها (حُمَين) ليس حائلاً دون هذا الرّأي، فإمّا أنّ الاسم لم يتمّ البحث عنه بتحرٍّ كاملٍ أو أنّه قدِ اندثر، وإن كنت قد قرأت اسم (فلان بن فلانٍ الحمينيّ) وهنالك في ريمةَ مدرسةٌ حديثة التّسمية اسمها (مدرسة الشّهيد الحمينيّ). وبهذا تخرج كلمتا: (الحُميّا) و(الحِمْيَريّ) من نطاق تفسير هذه الكلمة فلا علاقة لهما بكلمة (حُمَيْنِيَ)، لا شكلاً ولا موضوعاً.


وأخيراً الحُمَيْنيّ، بضمٍّ ففتحٍ فسكون، هو: الشِّعْرُ باللّهجاتِ العامّيّة اليمنيّة غير المعربة، يقابل الحَكَمِيّ ـ بفتحتين ـ وهو: الشِّعْرُ باللّغة المعربة. فهما مصطلحان يمنيّان، والثّاني منهما ـ الحَكَمِيّ ـ يجمع الدّارسون على أنّه نسبةٌ إلى قبيلة حَكَمٍ أو بلاد حَكَم، وحَكَم: قبيلةٌ يمنيّةٌ كهلانيّةٌ مذحِجيّةٌ مواطنها في شمال تهامة، وهي مشهورةٌ بمحافظتها على العربيّة الفصحى بكلّ قواعدها، وعلى بحور الشّعر العربيّ بكلّ أوزانها، وذلك إلى أزمنةٍ قريبة، ولها إلى اليوم شيءٌ منَ المحافظة تتميّز به. وما دام الأمر كذلك، فإنّ الشّعر الحُمَيْنِيّ الّذي يأتي بالعامّيّة غير المعربة، وبأوزانٍ خاصّةٍ قد تتّفق مع الأوزان الخليليّة وعروضها، وقد لا تتّفق .. لا بدّ أن يكون منسوباً إلى الاسم (حُمَيْن) كاسمٍ قبليٍّ أو عائليٍّ أو بلدانيّ، ومنَ المرجّح أن يكون من أو ما يطلق عليه في تهامةَ جنوب بلاد حَكَم. وقد أبديت هذا الرّأي قبل بضعة عقودٍ في بعض كتاباتي، ولكنّي نبّهت إلى أنّ الاسم حُمَيْن اسمٌ مجهول، ولم أجد له فيما بين يديّ منَ المراجع ذكرا، إلّا أنّ متابعة بعض الباحثين أثبتت صحّة رأيي، فقد ظهر الاسم حُمَيْن حيث يطلق على قريةٍ بالقرب من زبيد. ولهذا فإنّ التّفسيراتِ الّتي حاولتْ ربط كلمة حُمَيْنيّ بالحِمْيَريّ أو بالحميّا أو بالحميّة تصبح أكثر بعداً عنِ الصّحة ممّا كانت عليه أصلا. ولمّا كانت مدينة (زبيد) هي أوّل مدينةٍ يمنيّةٍ تزدهر بالعلم والعلماء، وبالشّعر والشّعراء بعد الإسلام، فإنّها ضمّت في جنباتها أعداداً منَ العلماء والشّعراء لا من مختلف أرجاء تهامةَ فحسب، بل ومن سائر أنحاء اليمن، ولا يبعد أنّ ما كان يدور فيها من سِجالاتٍ شعريّة، قد شهد سجالاً بين شاعرين، أو فريقين، تبارياً بالشّعر فصيحه وعامّيه، وكان في جانب الفصيح شعرٌ وشعراءُ من (حكم) فنسب إليهم ـ ولأنّهم كانوا يتكلّمون الفصحى في حياتهم، فإنّ (حكميّ) أطلقت على كلّ شعرٍ بها ـ وصادف أن كان في جانب شعر العامّيّة شاعرٌ أو شعراءُ من (حُمَيْن) فنسب هذا الضّرب إلى (حُمَيْن). وبناءً على هذا؛ فإنّ التّسمية أو النّسبة (حُمَيْنِيّ)، قد أُطلقت على ما ينظم بالعامّيّة من شعر، بغضّ النّظر عن قائله، أكان منَ المتعلمين أو حتّى العلماء، أو كان منَ الأقل تعليماً أو حتّى الأميّين الموهوبين، ومن أي مكان في اليمن. ولكنّ أعداداً منَ المتعلمين بل ومنَ العلماء استملحوا «الشِّعر الحمينيّ» لما فيه منَ المزايا الّتي ليس هذا مجال ذكرها، فنظموه وعبّروا به عن عواطفهم وتجاربهم الشّعريّة، وبحكم حظوظهم منَ العلم والتعلّم، فإنّهم جذبوا هذا الفنّ الشّعريّ، من محيطه العامّ الّذي يشمل كلّ ناظمٍ له حتّى ولو كان أميّا، إلى محيطهم بما فيه من خصوصيّةٍ علميّةٍ أو تعليميّة، فقرّبوه بذلك من فنّ الشّعر بالفصحى، وخاصّةً من حيث موضوعاته، ومن حيث انتقاء مفرداته، وبقيت له من صفاته الخاصّة، صفة عدم الالتزام بالإعراب، طبقاً لقواعد النّحو والصّرف في الفصحى، وصفة عدم الخضوع لوحدة القافية، وصفة التّصرف في بحوره وأوزانه وعروضه … وبهذا قام فنٌّ شعريٌّ وسطيٌّ قائمٌ بذاته، هو فنّ (الحمينيّ) القريب منَ الفصيح من ناحيةٍ والشّبيه بفنّ (الموشّحات) من ناحيةٍ ثانية، بينما بقي الجانب الأكبر من (شعر العامّيّة) ملكاً لسائر النّاس، يعبّر الموهوبون منهم به عن عواطفهم وتجاربهم، سواءٌ منهم أشباه المتعلّمين، ـ أي الّذين يعرفون القراءة والكتابة ـ أو الأميّون الموغلون في عامّيّتهم الّتي لا ينطقون غيرها، بل وكثيراً ما تنبثق منه مقولاتٌ لا تتجاوز البيت أو البيتين أو الثّلاثة إلّا نادرا، من بينِ صفوف النّاس غير منسوبةٍ لقائل، لأنّ قائلها أو قائلتها ـ إنّما قالها استجابةً لتجربةٍ آنيَّةٍ قد تكون لحظيّة، معبّراً بها عمّا أملته عليه تلك التّجربة من معنًى ومن عاطفةٍ ومشاعر … وهذا الجانب الأكبر من شعر العامّيّة أنواعٌ عديدةٌ تخضع للبيئاتِ الاجتماعيّة، من حضـريّةٍ وقبليّةٍ حضريّة، وشبه حضريّة، وبدويّة، وليس هذا هو مجال الخوض في تفاصيل كلّ ذلك. وخلاصة ما نراه هو: أنّنا نرجّح أنّ (الحُمَيْنيّ) هو من باب النّسبة البلدانيّة الاجتماعيّة، إلى بلدة (حُمَيْن) وأهلها، تماماً مثل (حَكَمِيّ) المنسوب إلى بلاد (حَكَم) وأهلها. و(حُمَيْن) اسمٌ بصيغة التّصغير، من مادّة (ح م ن) الّتي لا نعرفُ لها اليوم استعمالاً كمادّةٍ لُغويّةٍ متصرّفةٍ بما لها ولمشتقّاتها من دلالةٍ أو دلالات، ولم نعد نعرف منها إلّا هذه الصّيغة الاسميّة البلدانيّة.


المعجم اليمني في اللغة والتراث بواسطة: أرشيف اليمن twitter