المعجم اليمني

عقر

ع ق ر

تعريف-1: العُقْر ـ بضمٍّ فسكون ـ هو: الحضن باتساعه كاملاً، أو فَرْجُ ما بين السّاعدين على أقصى فتحهما. يقال: أخذت منَ الزّرع ملء عُقْري؛ أي: مِلْء ما يتّسع له الحضن بعد مدّ الذّراعين إلى أبعد امتدادٍ لهما. وجاء في اللّسان أنّ الخليل بن أحمد دعا أعرابيًّا من أهل الصّمّان إلى الغداء، وسأله وهو جالسٌ على المائدة، ما هو العُقر؟ فمدّ الأعرابيّ ذراعيه حتّى لامست كفّاه طرفي المائدة وقال: هذا هو العُقر. فقال الخليل بعد ذلك إنّ العُقر هو: فرجٌ ما بين قائمتي المائدة. وأظنّ ـ والله أعلم ـ أنّ الأعرابيّ ما قصد إلّا فرج ما بين ذراعيه على امتدادهما، بدليل بقاء هذه الدّلالة على ألسنتنا حتّى اليوم، حيث يقال كما سبق، ولتبيين المعنى نذكر أنّه يقال ـ مثلاًـ: حملت منَ الأشياء ملء عُقري فلم أستطع دخول الباب. أو: حملت ملء عقري حتّى لم أعد أرى أمامي..إلخ، وقد أصبحت كلمة (العُقْر) تشرح في القواميس بأنّها تعني ممّا تعني فرج ما بين قائمتي المائدة. وأين الموائد من أعراب الصّمّان حتّى يضعوا لفرج ما بين قوائمها اسماً. وهي في المعجمات تأتي بفتح العين وضمّها، وليست عندنا إلّا بالضّمّ. تعريف-2: العَقَر منَ الأراضي الزّراعيّة هو: الأرض الّتي لا تشرب إلّا من ماء المطر في الجبال أو في الأودية، فالقطعتان المتجاورتان في وادٍ إذا كان الغيل الجاري يصل إلى إحداهما ولا يصل إلى الأخرى، تُسَمّى الأولى منهما (غَيْل) والثانية (عَقَر) إلّا أنّ العَقر في المرتفعاتِ والمدرّجاتِ الجبليّة لا يشرب إلّا من المطر مباشرةً أو بقليلٍ من سيله الجاري في قنواتٍ صغيرة، فهو بصفة العَقَر أولى، وما كان في الوادي ولا يصله الغيل فهو أيضاً عَقَر، ولكنّه يميَّز بأن يقال له: (عقر على السّيل)، لأنّ سيل الوادي الكبير يدخله بما يحمله منَ الطّمي وما يكون فيه منَ الرّيّ المشبع، فعقر الأودية أفضل من عقر المرتفعات، وفي كلاهما خير. وتوصف الغراس والأشجار بأنّها عَقَر؛ أي: ما يزرع في العقر، فيقال: بنٌّ عَقَر، وفواكهٌ عَقَر، وعنبٌ عَقَر. تعريف-3: العَقِيْر عندنا: مصطلحٌ يطلق على ما يذبحه المتظلّم طلباً للإنصاف، أو المستصرخ طلباً للنّجدة، أو المؤاخي طلباً للمؤاخاة واستكمالاً لشروطها، والجمع: عَقايِر. استطــراد: والعَقِيْر أقصى ما يصل إليه المتظلّم بعد أن يستنفد جميع وسائل طلب الإنصاف، وكانتِ العادة أن يقول من قُصد بهذا العقير من ذوي السّلطة الرّسميّة أو من المرجعيّات الشّعبيّة: العَقِير مقبولٌ ومرجوع، فلا يُذَبح ذلك العقير الّذي يكون في العادة ثوراً أو ثورين أو ثلاثة. أمّا إذا ذبح العقير قبل أن يقول المقصود به كلمته السّابقة فإنّ لحمه يوزّع على الحاضرين ومن في الجوار ولا ينال منه الشّخص الّذي قصد بالعقير، ويكون في العادة أيضاً شخصاً ذا مرجعيّةٍ أعلى من ذلك الّذي كانتِ القضيّة لديه ولم يبتّ فيها. وأمّا في الاستصراخ فليجأ المستصرخ إلى العقير بعد أن يخذله أهله وعشيرته فيتوجّه به إلى قومٍ آخرين ليعقر عندهم طلباً لنجدتهم أو معونتهم. وفي طلب المؤاخاة يستصحب طالبوها العقير معهم إذا كانوا يخشون أن يلقى طلبهم تمنّعاً لسببٍ منَ الأسباب الّتي تكون في الأعراف ومالها من عواقب، فيسهل العقير طلبهم، لأنّه يتيح للمقصودين به أن يقولوا: وصولنا بالعقير فماذا نقول لهم؟ ومن طرائف المؤاخاة الّتي أعرفها، أنّ تاجراً يمنيًّا قدم إلى صنعاءَ بعد قيام الثّورة عام/1962م، وهو في الأصل من منطقةٍ تبعد كثيراً عن صنعاء، وبعد وصوله تعاقد مع السّفارة الإيطاليّة أن يبني لهم بيتاً في مكانٍ يكون خارج المدينة قليلاً، فبحث التّاجر عن مكانٍ مناسب، ولما وجده سأل عن مالكه لأنّه عبارةٌ عن مراهقَ أو مهارقَ على الأصحّ لأرضٍ زراعيّةٍ لها مالكٌ شرعي، فلمّا عثر عليه اشترى مساحةً من تلك المهارق وبدأ في البناء، ولمّا قطع في البناء شوطاً اتّضح أنّ الأرض وإن كانت ملكاً زراعيًّا منَ النّاحية الشّرعيّة لشخصٍ واحدٍ منَ القبيلة الّتي تقع تلك الأرض في ديارها، على أنّها بالنّسبة للغريبِ القادم من بعيدٍ ملكيّة قبليّةٌ قبل كلّ شيء، ولهذا طلب بعض أعيان القبيلة إيقاف البناء؛ إذ كيف يصبح القادم من بعيد مالكاً لأرضٍ وبيتٍ بينهم وهو ليس منهم ولا من قبيلةٍ مجاورةٍ بينهم وبينها شراكاتٌ حسب الأعراف والأسلاف، ولكنّ التّاجر أبرز لهم وثيقة البيع والشّراء الشّرعيّة، فقالوا: الوثيقة على العين وعلى الرّأس، وهي شرعيّةٌ مقبولة، والثّورة ما جاءت إلّا لإلغاء الحواجز، ولكنّ في القبيلة مَلَكِيُّوْن ـ أي موالون للملكيّة ضدّ النّظام الجمهوريّ الجديد ـ ونريد أن نحميك ممّا نحمي منه أنفسنا، ونقترح عليك أن تؤاخي في القبيلة حتّى تصبح واحداً من أفرادها، وفعلاً تمّت المؤاخاة بطلبٍ حسب الأعراف منَ التّاجر، فتوجّه إليهم بالعقير وطلب المؤاخاة فوافقوا عليها وكتبت في ذلك وثائق لعلّ التّاجر لا يزال يحتفظ بها إلى الآن. ومن طرائف المؤاخاة ما عرفته حينما كنت أخرج في أواخر السّتينيّات وأوائل السّبعينيّات، في مهمّاتٍ أثريّةٍ إلى بعض المناطق حول صنعاء، فقد خرجتُ مرّةً إلى قرية عُلمان في وادي ضهر، ولمّا كنت أعلم أنّ الشّطر الأعلى منَ الوادي يتبع همدان والشّطر الأسفل يتبع بني الحارث، فقد عنَّ لي أن أتأكد عن علمان، فسألت الحاضرين: هل علمان من همدان أم من بني الحارث؟ فأجابني رجلٌ وقورٌ كبير السّنّ منهم قائلاً بكلّ جد: علمان لا من همدان ولا من بني الحارث، علمان من بني مَطَر. ولمّا رأى استغرابي لأنّ الوادي يقع شماليّ صنعاء وبني مطر تقع غرب صنعاء، قال: أنا لا أخرّف بالكلام نحن من بني مطر فقد تواخينا معهم قبل أسبوع لأنّ إخواننا بني الحارث تخلّوا عنا ولا يريدوننا منهم. فتعجبت لهذه المؤاخاة الّتي قفزت فوق صنعاء وفوق أراضٍ من همدان لتؤاخي بين جزأين متباعدين وليسا متّصلين. ولا أدري ماذا تمّ اليوم من أمر تلك المؤاخاة. وللمؤاخاة سلبيّاتها وإيجابيّاتها، ولكنّ بعض التّياراتِ السّياسيّة العاملة بتوجيهٍ من قوًى خارجيّة، حاولت أن تستغلّها في إرباك الحكم الوطنيّ في صنعاء، ولهذا بدأت الدّولة في اتّخاذ إجراءاتٍ لمنع مثل هذه المؤاخاة ذاتِ الأغراض السّياسيّة المناوئة للمصلحة اليمنيّة، وبمقدار نجاح الدّولة في هذا المجال يكون الاستنتاج عن استمرار قوّة النّظام القبليّ أو بداية تفكّكه، مع العلم بأنّ النّظام القبليّ في اليمن ليس حادًّا ولا كلّه سلبي، ومعظم قبائل اليمن حضريّةٌ وليست بدويّة, ولهذا الموضوع مكانه الّذي يمكن تناوله فيه.


المعجم اليمني في اللغة والتراث بواسطة: أرشيف اليمن twitter